دفعت عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة حماس، في 7 أكتوبر الجاري، ضد المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، إلى إحداث تحول في مواقف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، حيث كانت واشنطن تعارض العديد من سياساتها التي لا تتوافق مع الأسس التي تقوم عليها العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية لعقود، وتتعارض مع مصالح وأهداف الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
وقد استغل العديد من المشرعين والمرشحين الجمهوريين للانتخابات الرئاسية القادمة تلك العملية لتوجيه انتقادات للسياسات التي تتبعها الإدارة الأمريكية في المنطقة، والتي يبدي العديد من الديمقراطيين تحفظات إزاءها. وقد كشف ذلك عن تداعيات الانقسام الحزبي على قدرة الولايات المتحدة على تحقيق مصالحها وأهدافها في الخارج.
قضايا رئيسية
أثارت عملية “طوفان الأقصى”، وما تلاها من التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، عدداً من القضايا داخل الولايات المتحدة في وقت تواجه الإدارة الأمريكية جملة من الإشكاليات الداخلية، والتي مثلت تحدياً وفرصة لها في الوقت ذاته، ومن أبرز تلك القضايا ما يلي:
1- ربط المساعدات لإسرائيل بالمساعدات لأوكرانيا: بينما يعارض العديد من المشرعين الجمهوريين بمجلس النواب استمرار المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، فإن الرئيس الأمريكي والديمقراطيين المؤيدين لاستمرار تلك المساعدات يسعون لاستغلال حاجة إسرائيل إلى المساعدات الأمريكية والمدعومة من الجمهوريين لربط المساعدات لإسرائيل بالمساعدات لأوكرانيا وربما تايوان، التي تواجه ضغوطاً متزايدة من قبل الصين، لتحسين فرص موافقة الجمهوريين على طلب الإدارة الأمريكية لمساعدات لأوكرانيا.
بيد أن بعض الجمهوريين أعلنوا رفضهم دعم أي حزمة مساعدات إسرائيلية تحتوي أيضاً على مساعدات لأوكرانيا. فقد قالت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور جرين، وهي معارضة للمساعدات الأوكرانية، إنه لا يجب ربط المساعدات الأمريكية لإسرائيل بالمساعدات لأوكرانيا، موضحة أن “تمويل الولايات المتحدة لأوكرانيا يعد تمويل حرب بالوكالة مع روسيا، لكن إسرائيل لديها حكومتها الخاصة، وتدافع عن نفسها، وهما مسألتان منفصلتان، ولا ينبغي ربطهما ببعض”. في حين قال النائب دون بيكون أن “ربط التمويل الأمريكي لإسرائيل بالتمويل لأوكرانيا هو بمثابة احتجاز أحدها رهينة للآخر وهذا لن يكون صحيحاً”. وقد رفض الجمهوري بريان ماست، بشكل قاطع، فكرة الجمع بين التمويلين، مضيفاً أنه يدعم تقديم المساعدات لإسرائيل، ولكن ليس لأوكرانيا، قائلاً إنه “فيما يتعلق بأوكرانيا، فلا توجد هناك أي خطة”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن المساعدة لإسرائيل مرتبطة بأهداف محددة للغاية.
وبينما يعارض العديد من الجمهوريين ربط المساعدات لإسرائيل بالمساعدات لأوكرانيا، فإن بعض الجمهوريين لم يعارضوا هذا الربط، حيث عبر النائب الجمهوري مايك ماكول رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب عن استعداده لدعم الجمع بين المساعدات لأوكرانيا وإسرائيل في إطار حزمة أكبر تعالج مختلف أهداف السياسة الخارجية. وفي حقيقة الأمر، تواجه مشاريع قوانين تقديم المساعدات الأمريكية سواء لإسرائيل أو أوكرانيا إشكالية كبيرة في ظل عدم انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب بعد عزل رئيسه السابق كيفن مكارثي.
2- ضغوط قوية للديمقراطيين التقدميين: رغم دعم الديمقراطيين لتقديم مساعدات أمريكية إضافية لإسرائيل والتضامن غير المشروط معها، فإن بعض الديمقراطيين التقدميين يدعون لأن يكون المزيد من المساعدات مقترناً بجهود لتعزيز السلام والاستقرار. فقد دعا 13 ديمقراطياً من بينهم عدد من الديمقراطيين التقدميين، على غرار رشيدة طليب وألكساندريا أوكاسيو-كورتيز وكوري بوش، إدارة بايدن إلى تسهيل خفض التصعيد وإرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة ووقف إطلاق النار. ويعارض العديد من الديمقراطيين التقدميين العملية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، حيث قالت النائبة رشيدة طليب، العضوة الفلسطينية-الأمريكية الوحيدة في مجلس النواب، إن “العقاب الجماعي لملايين الفلسطينيين هو جريمة حرب”.
وقد وجّه ٥٥ ديمقراطياً في مجلس النواب، منهم عدد من الذين كانوا ينتقدون السياسة الإسرائيلية في كثير من الأحيان، رسالة إلى الرئيس جو بايدن يحثون فيها الإدارة على تحذير إسرائيل من أن استجابتها يجب أن تتم وفقاً للقانون الدولي، واتخاذ جميع التدابير الواجبة للحد من الضرر الذي يلحق بالمدنيين الأبرياء والعمل على استعادة بعض الخدمات إلى غزة؛ وإنشاء ممر إنساني، وإدراج المساعدات الإنسانية لكل من غزة وإسرائيل في طلبات التمويل المقدمة إلى الكونجرس. وعبروا في رسالتهم عن قلقهم بشأن الأمر بإجلاء أكثر من مليون مدني من شمال غزة في غضون ٢٤ ساعة، والتعليقات الأخيرة من قادة الجيش الإسرائيلي التي تدعو إلى حصار كامل لقطاع غزة.
3- منع حصول إيران على ٦ مليار دولار: استغل بعض المشرعين الجمهوريين المعارضين لصفقة تبادل السجناء مع إيران، والتي أطلقت بموجبها الأخيرة سراح خمسة سجناء أمريكيين مقابل حصولها على 6 مليار دولار من عائدات النفط الإيراني المجمدة والمحتجزة في كوريا الجنوبية وإطلاق سراح خمس سجناء إيرانيين، عملية “طوفان الأقصى” للدعوة إلى وقف حصول إيران على تلك الأموال خوفاً من استغلاها في دعم حركة حماس، حيث يقول العديد من معارضي الصفقة أن هذه الأموال ربما تكون وفرت موارد للإنفاق العسكري ودعم حركة حماس من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين.
وألقى الرئيس السابق دونالد ترامب، المرشح الجمهوري الأوفر حظاً للفوز ببطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة، وغيره من المتنافسين الجمهوريين، اللوم على إدارة بايدن بعد عملية “طوفان الأقصى”. فعلى سبيل المثال، ذكر حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس أن “سياسات بايدن ساعدت إيران في ملء خزائنها، وأن إسرائيل تدفع الآن ثمن تلك السياسات”.
وفي المقابل، أصر مسئولو الإدارة على أن الأموال لم يتم إنفاقها بعد، وأنها ليست من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، ولكنها المدفوعات التي قدمتها كوريا الجنوبية إلى إيران لشراء النفط في السنوات الأخيرة. وقد كانت الأموال عالقة في كوريا الجنوبية بسبب العقوبات الأمريكية على طهران، وأنه يتم الاحتفاظ بهذه الأموال الآن في حساب مقيد في الدوحة، ومن المفترض استخدامها لأغراض إنسانية فقط مثل الغذاء والدواء للإيرانيين.
4- سرعة التصديق على السفير الأمريكي لإسرائيل: لم يكن للولايات المتحدة سفير لدى إسرائيل منذ يوليو الماضي، وقد دفعت التطورات التي فرضتها عملية “طوفان الأقصى”، وما أعقبها من عمليات عسكرية إسرائيلية، البيت الأبيض للعمل على وجه السرعة لتعيين جاك ليو، وزير الخزانة السابق في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، ليكون سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل خلفاً لتوماس نايدس.
وبالفعل بدأ الديمقراطيون، الذين يمتلكون الأغلبية في مجلس الشيوخ، في اتخاذ الإجراءات لسرعة التصديق على ليو، بينما يعارض العديد من المشرعين الجمهوريين توليه لهذا المنصب لتبنيه سياسات بينما كان وزيراً للخزانة بإدارة أوباما دعمت الاتفاق النووي الذي توصلت له الإدارة مع إيران في يوليو ٢٠١٥. وقد أعلن السيناتور الديمقراطي بن كاردين الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ عن عقد اللجنة جلسة في ١٨ أكتوبر الجاري للتصديق على ترشيحه، لأن الولايات المتحدة في الوقت الحالي في أشد حاجة لأن يكون لها سفير في تل أبيب.
انتقادات مستمرة
رغم إعلان الرئيس بايدن منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض عن عودة السياسة الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي إلى أسسها التقليدية التي تعتمد على حل الدولتين، وتعارض العديد من سياسات الإدارة الأمريكية السابقة، وسياسات الحكومة الإسرائيلية بشأن توسيع المستوطنات، فإنها في حقيقة الأمر لم تحدث تحولات في السياسات الأمريكية التي انتهجتها إدارة ترامب، ولم تولي الصراع الأهمية المطلوبة، ولم تفي بالتزاماتها التي أعلنت عنها تجاه الفلسطينيين، وهو ما دفع اتجاهات عديدة لتوجيه مزيد من الانتقادات للسياسة التي تتبناها تلك الإدارة قبل نحو عام من إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي يسعى عبرها الرئيس بايدن للفوز بولاية رئاسية جديدة.