يمثل إقليم دارفور أهم وأخطر حلقة في حلقات الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث إن انتقال المعارك إلى الإقليم يُنذر بانتقال الصراع إلى كل السودان بشكل يهدد وحدة البلاد، إذ تتضافر العديد من العوامل التي تدفع طرفي الصراع لنقل المعارك إلى دارفور، ومن أهمها التحديات التي ترتبط بصعوبة حسم المعركة في الخرطوم، كما أن دارفور تُعد معقلاً لقائد قوات الدعم السريع، حيث تنتمي نسبة عالية من عناصر قوات الدعم السريع للمنطقة، وينحدر الكثير منهم من قبيلة الرزيقات التي ينتمي إليها حميدتي، بالإضافة إلى فرص التموقع في الإقليم وتأمين الدعم اللوجيستي، حيث توفر دارفور لقوات الدعم السريع الحصول على الدعم اللوجيستي اللازم للاستمرار في العمليات العسكرية ضد الجيش السوداني، لا سيما وأن الإقليم يتميز بحدوده المفتوحة والسلاح المتدفق من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى.
ففي 6 يونيو الجاري، أعلنت قوات الدعم السريع السيطرة على حامية اللواء 22 مشاة، في مدينة كتم بولاية شمال دارفور بالسودان. وهو ما يثير التساؤلات حول حوافز ومخاطر تمدد الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى منطقة دارفور.
حوافز التمدد
ثمة جملة من الدوافع التي تدفع طرفي الصراع في الخرطوم إلى فتح جبهة جديدة في دارفور، ومن أهمها:
1- تحديات حسم المعركة في الخرطوم: فبرغم استمرار الاشتباكات بين الطرفين من أجل السيطرة على العاصمة، لكن لم ينجح أحد الطرفين في حسم المعركة لصالحه على مدار أكثر من شهر ونصف من الاشتباكات. وبرغم التقارير التي تتحدث عن تدمير الجيش جميع المرتكزات والمقرات التابعة لمليشيا الدعم السريع حول الخرطوم من خلال قطع طرق الإمدادات اللوجيستية، ولا سيما بعد استهداف عناصر مليشيا الدعم السريع القادمة من دارفور وأفريقيا الوسطى وليبيا وتدمير أرتالها التي كانت في طريقها لتقديم الدعم، وخسارة قوات الدعم السريع كثيراً من مقاتليها حتى أصبحت تقاتل من داخل الأحياء السكنية، وسيطرة الجيش على أجزاء كبيرة من العاصمة الخرطوم؛ لكن القتال يتجه حالياً إلى الأطراف، وخاصة دارفور.
2- معقل قائد قوات الدعم السريع: حيث تشير التقارير إلى أن دارفور هي معقل لمحمد حمدان دقلو، “حميدتي”، إذ تنتمي نسبة عالية من عناصر قوات الدعم السريع لمنطقة دارفور، وينحدر الكثير منهم من قبيلة الرزيقات التي ينتمي إليها حميدتي، وهو ما يمنح هذه القوات القدرة الأكبر على تجنيد عناصر جديدة، لا سيما بعد استثمار قوات الدعم السريع موارد كبيرة في دارفور في السنوات الأخيرة، ومن ثم تسعى للسيطرة على أصولها الاستراتيجية: الممرات الجوية، والمناجم، ومصادر المياه، والطرق الرئيسية. وبالتالي، فإن اتجاه الأمور بشكل سيئ بالنسبة لدقلو في أماكن أخرى في السودان، وخاصة في العاصمة الخرطوم، يدفعه للانسحاب إلى دارفور حيث سيكون منيعاً تقريباً ما لم يتمكن البرهان من حشد قوة قوية من منافسي دقلو في المنطقة، ولا سيما بقيادة موسى هلال، زعيم الجنجويد الذي تم تهميشه من قبل حميدتي.
3- تأمين الدعم اللوجيستي لاستمرار العمليات العسكرية: حيث توفر دارفور لقوات الدعم السريع الحصول على الدعم اللوجيستي اللازم للاستمرار في العمليات العسكرية ضد الجيش السوداني، لا سيما وأن الإقليم يتميز بحدوده المفتوحة والسلاح المتدفق من دول الجوار مثل ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، إضافة إلى تدفق المرتزقة من الدول الأفريقية مثل النيجر وموريتانيا وتشاد وأفريقيا الوسطى ونيجيريا، كما أن الإقليم بات ساحة مهمة لقوات فاغنر الروسية التي تقدم الدعم والتدريب لمليشيا الدعم السريع.
4- تصاعد الاشتباكات في مدينة كتم: ففي8 يونيو الجاري، أعلن والي شمال دارفور نمر عبد الرحمن، أن حكومة الولاية تدرس إرسال مقاتلي الحركات إلى كتم بغرض تأمينها، فيما أعلنت قوات الدعم السريع، أنها سيطرت على حامية اللواء 22 بمدينة كتم بولاية شمال دارفور، بعد اشتباكات عسكرية مع الجيش. فيما أعلن نمر عبد الرحمن عن تشكيل لجنة لمعرفة الواقع الأمني وإمكانية إرسال قوة من مقاتلي الحركات بغرض تأمين المدينة، وكشف عن مقتل 11 شخصاً وإصابة 12 آخرين، في الاشتباكات الأخيرة بمدينة كتم. كما نشرت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام، مجموعة من مقاتليها على متن سيارات ذات تسليح عالٍ، في ولاية شمال دارفور لفرض الأمن، ومنح حاكم إقليم دافور مني أركو مناوي هؤلاء المقاتلين سلطة مطلقة في فرض الأمن، كما دعا سكان الإقليم بما في ذلك النساء وكبار السن إلى حمل السلاح للدفاع عن ممتلكاتهم.
مخاطر محتملة
ثمة جملة من المخاطر المحتملة في حال تصاعد الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لتشمل منطقة دارفور، ومن أهمها:
1- تصاعد الحرب الأهلية في دارفور: خاصة أن دارفور تتعرض لأزمة غذائية يتوقع أن تؤجج الصراع بين القبائل، حيث تنخرط قبيلة الرزيقات العربية في منافسة متوترة وعنيفة في كثير من الأحيان مع المساليت غير العرب على الأراضي الصالحة للزراعة والمياه النادرة بشكل متزايد. ومن ثم ينعكس الصراع بين الجيش والمليشيا في الخرطوم بصورة كبيرة على ولايات دارفور بشكل عام وغرب دارفور بشكل خاص، في ظل حالة الفراغ الأمني الكبير الذي تعيشه ولايات دارفور الخمسة بعد انسحاب الجيش والشرطة من بعض المرتكزات. وفي هذا السياق، قد تستغل بعض الإثنيات في دارفور هذه الأوضاع لتحقيق مكاسب، سواء كانت بدوافع انتقامية لتصفية حسابات قديمة، أو عبر الانخراط في الحرب بغية شد الأطراف وتخفيف الضغط على مليشيا الدعم السريع، وهو الأمر الذي ينذر باندلاع صراعات داخل ولايات دارفور الخمسة تتعلق بتصفية الحسابات المتراكمة بين القبائل.
2- اجتذاب عناصر المليشيات الأجنبية للمشاركة في القتال: حيثتُشير العديد من التقارير إلى حركة العناصر المتمردة من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى دارفور، وترتبط العديد من هذه العناصر بصلات عرقية أو أخرى قوية بدقلو وقواته. كما تشير تقارير أخرى إلى احتمالية دخول المليشيات من جنوب السودان وليبيا. وهو ما يكرس حالة من عدم الاستقرار الإقليمي،واحتمالية حدوث مشكلات على حدود 4 دول، هي: ليبيا، وتشاد، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وجنوب السودان؛ حيث تشهد الدول الأربع حالة من عدم الاستقرار بسبب نزاعات داخلية. وقد حذر مدير المجلس النرويجي للاجئين في السودان ويل كارتر، من ذلك، وقال: “بغض النظر عن الطريقة التي تسير بها المعركة حالياً في الخرطوم، نتوقع صراعاً أكثر دموية الآن في منطقة دارفور ومزيداً من الجماعات المسلحة والأسلحة والأعمال القتالية”.
3- انخراط الجماعات المسلحة في الصراع: حيث يبدو حتى الآن أن الجماعات المسلحة في دارفور لا تزال تحافظ على موقف محايد من الصراع، غير أن تصريحات ميني أركو ميناوي قد أثارت المخاوف من انخراط هذه الحركات، حيث دعا ميناوي في 28 مايو الماضي جميع السكان إلى حمل السلاح، وكتب على تويتر: “أدعو كل المواطنين الشرفاء أهل دارفور، كباراً وشباباً، نساءً ورجالاً، إلى حمل السلاح لحماية ممتلكاتهم، وسندعمهم نحن الحركات المسلحة في الدفاع عنهم”. وهو ما حذر منه العديد من المراقبين باعتبار أنه يمثل السيناريو الأكثر خطورة في دارفور، لأن السماح بانتشار الأسلحة في أيدي المدنيين يحول المنطقة إلى حرب أهلية قبلية، وخاصة أن جيش تحرير السودان الذي ينتمي إليه ميناوي منقسم بين قبيلتين غير عربيتين: الزغاوة والفور، ويقود عبد الواحد نور (من الفور) الجناح السياسي لجيش تحرير السودان، بينما يقود ميناوي (من الزغاوة) جناحاً آخر من مقاتلي جيش تحرير السودان. وقد يؤدي الانقسام حول دعم كل منهما لطرفي الصراع في الخرطوم إلى حرب وصراع بين القبيلتين والجناحين.
4- ظهور حركات انفصالية جديدة في دارفور: حيث حذرت العديد من التقارير من ممارسات المليشيات العربية في غرب دارفور، والتي تدعم بقوة قوات الدعم السريع، وتسعى لتعزيز السيطرة على الأراضي المتنازع عليها وموارد المياه. بينما يحاول الجيش الآن استمالة القبائل غير العربية في دارفور لمحاربة قوات الدعم السريع. وتنظر العديد من القبائل غير العربية لتصفية الحسابات ضد بعض القبائل العربية التي هاجمت مجتمعاتهم في وقت سابق، لذلك يتوقع بعض المراقبين أن انتقال الصراع إلى دارفور قد يتولد عنه صراعات متنامية بين القبائل العربية وغير العربية الممتدة عبر الحدود مع دول المنطقة، وربما يدفع هذه الجماعات العربية للمطالبة بدولة عربية مستقلة في المستقبل.
سيناريوهات سيئة
وإجمالاً، ينطوي تمدد الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على العديد من المخاطر، ولا سيما عودة الحرب الأهلية وتصاعد الصراعات القبلية والإثنية في دارفور، بالإضافة إلى اجتذاب المليشيات والعناصر الأجنبية للانخراط في القتال، ناهيك عن احتمالية انخراط الحركات والجماعات المسلحة السودانية في القتال وانقسامها إلى جماعات تدعم الجيش وجماعات تدعم قوات الدعم السريع، بالإضافة إلى المخاطر المرتبطة بظهور حركات انفصالية جديدة في دارفور ولا سيما في حال اتجاه القبائل العربية الممتدة عبر الحدود مع دول الجوار إلى إقامة دولة للقبائل العربية التي تتحدث العربية ولها تاريخ وثقافة مشتركة في المنطقة، وخاصة إذا وجدت دعماً خارجياً يعزز من مطالبها.