الإشكاليات الست:
ما هي عقبات دمج الحركات المسلحة في الجيش السوداني؟

الإشكاليات الست:

ما هي عقبات دمج الحركات المسلحة في الجيش السوداني؟



في إطار التزام الجيش السوداني بتنفيذ بند الترتيبات الأمنية الوارد في اتفاق جوبا النهائي للسلام، تم الإعلان عن دمج أولى الدفعات من الحركة الشعبية قطاع الشمال جناح “مالك عقار” في القوات المسلحة النظامية، ومن المتوقع أن يسهم ذلك في تشكيل جيش نظامي موحد بهوية وعقيدة واحدة، واستكمال تنفيذ اتفاق جوبا للسلام، وتعزيز مشاركة الحركات المسلحة في العملية السياسية، وتعزيز قدرات الجيش ووقف العدائيات؛ إلا أن ذلك يواجهه بعض العقبات على غرار غياب حكومة وطنية، ونقص التمويل، وإصلاح المؤسسة العسكرية، ورفض بعض الجماعات المسلحة لاتفاق جوبا، وتبادل الاتهامات بعدم الالتزام بين الجيش والحركات المسلحة، والتخوف من التزام القوات المدمجة بقواعد وأوامر الجيش.

إذ أعلن حاكم إقليم النيل الأزرق “أحمد العمدة”، في 28 يناير 2023، بقيادة الفرقة الرابعة للجيش السوداني بمدينة “الدمازين” بولاية “النيل الأزرق” عن اكتمال عملية دمج الدفعة الأولى من مقاتلي “الحركة الشعبية – شمال” بقيادة “مالك عقار” في الجيش كأول دفعة تندمج في القوات المسلحة من تنظيمات الجبهة الثورية.

فقد بدأت عمليات تدريب هذه الدفعة لمدة عام بدءاً من سبتمبر 2021، وحتى أكتوبر 2022، حيث أعلن “مالك عقار” رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال في 15 أكتوبر الماضي، عن بدء إلحاق العناصر المسلحة لحركته في الجيش.

نتائج متوقعة

من المتوقع أن ينتج عن إكمال عملية دمج الدفعة الأولى من الحركات المسلحة في الجيش النظامي السوداني، عدد من النتائج الهامة على الصعيدين السياسي والأمني خلال الفترة القادمة، ومن أبرزها ما يلي:

1- تشكيل جيش موحد، من أولى النتائج المتوقّعة لدمج قوات الحركات المسلحة في القوات المسلحة، أن يوجد في البلاد جيش نظامي موحد ذو عقيدة وهوية موحدة، حيث سيقضي ذلك على إشكالية تعدد الجيوش والمليشيات المسلحة في السودان بدلاً من وجود 5 جيوش بقيادات متعددة، خاصة وأن توقيع الحركات المسلحة على اتفاق جوبا للسلام منحها غطاء قانونياً وشرعياً إلى حين تنفيذ البند الخاص بدمجها في الجيش. وتعد عملية دمج أولى الدفعات من الحركة الشعبية – شمال الخطوة الأولى في هذا الطريق، ومن المنتظر أن تسهم هذه الخطوة في استكمال عملية دمج الحركات المسلحة في مناطق أخرى مثل: دارفور، وجبال النوبة، وشرق السودان، وجنوب كردفان، كما أن هذه الخطوة تلقى دعماً أمريكياً حيث طالبت واشنطن السودان في العديد من المناسبات بضرورة تشكيل جيش موحد يُدمج فيه قوات الدعم السريع والحركات المسلحة.

2- تنفيذ اتفاق جوبا للسلام، حيث جاءت العملية الأولى لدمج قوات الحركة الشعبية – قطاع الشمال تنفيذاً لما نص عليه اتفاق جوبا النهائي للسلام الموقّع بين الحكومة الانتقالية السابقة برئاسة المستقيل “عبدالله حمدوك”، والجبهة الثورية في 30 أكتوبر 2020، إذ نص الاتفاق في البند الخاص بالترتيبات الأمنية على مشاركة قادة “الحركة الشعبية” في السلطة، وتنسيب مقاتليها إلى القوات النظامية، وذلك ضمن إجراء إصلاحات في الجيش فور انتهاء عملية الترتيبات الأمنية ليُفضي إلى جيش قومي مهني ذي هوية وعقيدة واحدة، وهو ما سيعمل على تشجيع باقي الحركات الموقعة على اتفاق السلام على الانضمام للجيش النظامي، ومن ثم ضمان تنفيذ باقي بنود الاتفاق خلال الفترة القادمة، خاصة وأن المرحلة الثانية من الاتفاق السياسي بين المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والجيش يتضمن بنداً رئيسياً لتنفيذ اتفاق جوبا للسلام.

3- المشاركة في العملية السياسية، حيث يتيح اندماج القوات المسلحة التابعة للحركة الشعبية قطاع الشمال وغيرها من الحركات التي قد تندمج قواتها لاحقاً في الجيش النظامي للبلاد، تعزيز مشاركة هذه الحركات في العملية السياسية بشكل أكبر في مرحلة ما بعد انتهاء الفترة الانتقالية الراهنة، حيث كان أول مظاهر مشاركتهم في العملية السياسية عقب توقيعهم على اتفاق جوبا النهائي للسلام وحصول “مالك عقار” على عضوية مجلس السيادة الانتقالي في شهر مارس 2021، وكان هذا أول المكاسب السياسية التي تحصل عليها هذه الحركات نظير توقيعها على اتفاق جوبا النهائي للسلام.

4- تعزيز قدرات الجيش السوداني، من شأن دمج قوات الحركة الشعبية قطاع الشمال في الجيش السوداني، المساهمة في تعزيز قدراته من حيث زيادة العدد الإجمالي للقوات المسلحة من جهة، وإضافة خبرات قتالية للجيش، خاصة وأن هذه القوات ذات خبرة عسكرية كبيرة منذ عهد الرئيس المعزول “عمر البشير”، حيث تمتلك قدرات عسكرية على كيفية استخدام الأسلحة والمعدات العسكرية وأساليب القتال من جهة أخرى، وهو ما سيترتب عليه بالتبعية تعزيز قدرات الجيش السوداني.

5- وقف العدائيات في مناطق النزاعات، تكتسب عملية دمج قوات الحركة الشعبية قطاع الشمال في الجيش النظامي أهمية خاصة، نظراً لأنه سيترتب على ذلك وقف الأعمال العدائية والمواجهات العسكرية التي كانت تنشب بين هذه القوات والقوات المسلحة في مناطق العدائيات ومنها في ولاية النيل الأزرق بغرض فرض سيادة الدولة، حيث كانت قوات الحركة الشعبية تواجه القوات النظامية لتأكيد سيطرتها على أماكن تواجدها في الإقليم وتعظيم مكاسبها السياسية والتنموية، وهو ما حدث بالفعل نتيجة توقيعهم على اتفاق جوبا للسلام.

عقبات قائمة

هناك بعض العقبات التي يؤثر وجودها على عملية إدماج باقي عناصر الجماعات المسلحة الراغبين في الانضمام للجيش، ومن أبرزها ما يلي:

1- تأخر تشكيل حكومة وطنية، فرغم التوقيع على الاتفاق الإطاري في شهر ديسمبر الماضي بين المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والجيش، وبدء خطوات المرحلة الثانية للتوصل إلى اتفاق سياسي شامل، إلا أنه لم يتم حتى الآن التوافق بين المكونين المدني والعسكري على تشكيل حكومة جديدة لإدارة شؤون البلاد، كما ساهم في ذلك أيضاً الخلافات القائمة بين القوى السياسية المدنية الرافضة لهذا الاتفاق وعلى رأسها “قوى الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية” وحركتي “تحرير السودان” بزعامة “مني أركو مناوي” و”العدل والمساواة” بزعامة “جبريل إبراهيم” والتي تصر جميعها على المشاركة في العملية السياسية الراهنة وهو ما يرفضه المجلس المركزي لقوى الحرية التغيير متهماً إياهم بتأييد الانقلاب العسكري على السلطة الانتقالية. وفي ظل تصاعد واستمرار هذه الخلافات داخل المعسكر المدني، فسوف تطال عملية تشكيل حكومة جديدة، وهو ما سيؤثر سلباً بالتبعية على جهود تنفيذ اتفاق السلام وما به من بنود.

2- إشكالية تمويل ميزانية القوات المسلحة النظامية، من أبرز العقبات القائمة التي تعترض سبيل استكمال الترتيبات الأمنية وتوفيق أوضاع الفئات المختلفة للحركات المسلحة الراغبة في الانضمام للجيش النظامي، التمويلات المادية اللازمة للقيام بذلك، خاصة وأن دمج قوات جديدة يتطلب زيادة الميزانية المخصصة للقوات المسلحة النظامية والتي تقدر بحوالي 4 مليارات دولار وفقاً لإحصائيات عام 2021، إلا أن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد بسبب تداعيات كورونا والأزمة الأوكرانية، وتداعيات الانقلاب العسكري على السلطة، ومن أهمها تعليق الدول الأجنبية مساعداتها الاقتصادية المقررة لحين تسليم السلطة للمدنيين، وتأخر صندوق النقد الدولي في تنفيذ التزاماته مع السودان بمنحه قروضاً لإنعاش اقتصاده المتهالك؛ يحول دون توفير سيولة مالية للسلطات الانتقالية لتنفيذ العديد من الأمور، ومن بينها مسألة دمج الحركات المسلحة في الجيش.

كما أن هناك مخاوف خاصة بعدم قدرة السلطات الانتقالية على تحمل الأعباء المالية الإضافية (الرواتب – الأسلحة) لدمج مسلحي هذه الجماعات في الجيش، وفي ظل استمرار مظاهر عدم الاستقرار الساسي، فسوف تزداد حدة المشكلات الاقتصادية في البلاد، ونتيجة لذلك تُشير المصادر المحلية إلى تسرب بعض القوات التابعة للحركات المسلحة الراغبة في الانضمام للجيش بعد أن تم تدريبهم وتخريجهم في شهر يوليو الماضي، بسبب عدم توفير المال والتسليح اللازم لهم وتردي أوضاعهم المعيشية.

3- إصلاح وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، هناك مخاوف لدى بعض القوى السياسية المدنية إزاء عملية دمج قوات الحركات المسلحة في الجيش النظامي، من أن يؤدي ذلك إلى زيادة أعداد أفراد القوات المسلحة وقوتها، بما يجعل عملية إعادة إصلاح وهيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية أكثر صعوبة فيما بعد، وتصبح مهمة أي حكومة مدنية سيتم تشكيلها فيما بعد أكثر صعوبة في هذا الخصوص، وهي القضية التي نص عليها الاتفاق الإطاري الموقّع في شهر ديسمبر الماضي، وتم تخصيص ورشة عمل مخصصة لمناقشة كيفية إصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية في البلاد.

4- موقف الحركات الرافضة لاتفاق السلام، حيث يُعد من أهم العقبات القائمة أيضاً موقف عدد من الحركات والجماعات المسلحة الرافضة للتوقيع على اتفاق جوبا النهائي للسلام، وعلى رأسها حركة “تحرير السودان” بزعامة “عبد الواحد نور” في دارفور، والذي رفض العملية برمتها ودعا لعقد مؤتمر وطني شامل لكل القوى والحركات المسلحة، والحركة الشعبية – قطاع الشمال جناح “عبد العزيز الحلو” التي تسيطر على أجزاء واسعة في ولاية جنوب كردفان، حيث يرفض “الحلو” التوقيع على الاتفاق، مبرراً ذلك برفضه التعاون مع المكون العسكري، ويتطلع للتعاون مع حكومة مدنية؛ إلا أن توقيع “عبد العزيز الحلو” مع حزب الأمة القومي في 21 يناير الفائت على مذكرة تفاهم تتعلق بعدد من القضايا السياسية، من بينها إصلاح القطاع الأمني والعسكري، قد يعد مؤشراً على إمكانية تغيير موقف الحركة فيما بعد والتوقيع على اتفاق جوبا.

5- تبادل الاتهامات حول تنفيذ الترتيبات الأمنية، ففي شهر أكتوبر الماضي اتهم “مني أركو مناوي” حاكم إقليم دارفور زعيم حركة تحرير السودان، المكون العسكري وخاصة الجيش وقوات الدعم السريع بعدم الالتزام بتنفيذ الترتيبات الأمنية التي نص عليها اتفاق جوبا للسلام، ومنها تشكيل قوة عسكرية قوامها 12 ألف جندي مناصفة بين القوات الحكومية وجنود الحركات المسلحة. وفي المقابل، اتهم المتحدث الرسمي باسم الجيش العميد “نبيل عبد الله” الحركات المسلحة بعدم الالتزام بالالتحاق بدورات تدريب العناصر الراغبة منهم في الاندماج داخل الجيش النظامي، وهو ما أدى إلى تدريب 2000 عنصر فقط خلال الشهور الماضية.

6- الانضباط داخل المؤسسة العسكرية، قد تبدو مسألة الانضباط والالتزام بالأوامر العسكرية داخل القوات المسلحة السودانية من ضمن الإشكاليات التي قد تواجه بعض قوات الحركات المسلحة التي تم دمجها أو سيتم دمجها داخل الجيش، خاصة وأن هذه القوات قد اعتادت لسنوات على نظام “شبه عسكري” مختلف ومغاير لذلك النظام المطبق داخل القوات المسلحة النظامية، ولذلك فقد دعا قائد منطقة النيل الأزرق العسكرية اللواء ركن “ربيع عبد الله آدم” الدفعة الأولى من الحركة الشعبية المُنتسبة للجيش لضرورة الالتزام بالانضباط والالتزام بتوجيهات القوات المسلحة إلى حين استكمال إجراءات الدمج بشكل نهائي وإتمام عملية الانخراط الرسمي في الجيش.

خلاصة القول، تشير عملية دمج الدفعة الأولى من الحركة الشعبية قطاع الشمال بالجيش النظامي، إلى توافر الإرادة السياسية لدى كل من السلطات الانتقالية والحركة الشعبية اللازمة لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية في اتفاق جوبا للسلام، وهو ما سيساعد في القضاء على ظاهرة تعدد الجيوش ومن ثم إيجاد جيش نظامي موحد.