مقاربة مستدامة:
ما هي ركائز ملف مكافحة الإرهاب في قمة جدة؟

مقاربة مستدامة:

ما هي ركائز ملف مكافحة الإرهاب في قمة جدة؟



عبّر البيان الختامي لقمة جدة للأمن والتنمية، على ضرورة مكافحة الإرهاب، كأحد التحديات الرئيسية ضمن قضايا أخرى تواجه المنطقة العربية، مع الدفع بضرورة تبني مقاربات شاملة لمكافحة الإرهاب، تتعدى المواجهات الأمنية، لتجفيف محفزات النشاط الإرهابي، في ضوء التحذيرات من تأثيرات الأزمات الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم بما يساهم في نشاط الإرهاب، إضافة إلى تأكيد أمريكي على مواصلة جهود مكافحة الإرهاب، ولكن مع استمرار عدم الانخراط العسكري، فضلاً عن الدفع بضرورة التسوية للمسارات السياسية لدول الأزمات العربية، ومواجهة توظيف بعض القوى الخارجية لملف الإرهاب لإطالة أمد هذه الأزمات، وأخيراً إدارة الخلافات مع إيران لمواجهة نشاط المليشيات الشيعية الموالية لها في بعض الدول العربية.

إذ يمثل ملف الإرهاب والتطرف أحد التحديات التي تواجه المنطقة العربية خلال العقد الماضي بصورة خاصة، وما يتصل بذلك الملف من ظواهر أخرى تتفاعل وتتداخل مع بعضها بعضاً، مثل ظاهرة المرتزقة، بما أعطى بعداً أعمق لهذا الملف، متجاوزاً موجات الإرهاب التي شهدتها المنطقة خلال العقود الماضية من حيث السمات والتفاعلات، وبالتالي باتت ظاهرة الإرهاب أكثر تعقيداً، في ظل تصاعد لجوء بعض الجماعات والحركات إلى استدعاء العنف في حالات الانسداد السياسي، كما هو الحال في البلدان العربية، خاصة بعد ما يُعرف بـ”الربيع العربي”.

تأثيرات محورية

ارتباطاً بعنوان “قمة جدة” الذي جاء تحت عنوان “الأمن والتنمية”، فإن تطرق القمة لظاهرة الإرهاب، يُظهر حجم انعكاسات هذه الظاهرة على المجتمعات العربية، والتي كان أبرزها:

1- زيادة حركة تدفق المقاتلين الأجانب: على مدار العقد الماضي، وبفعل الاضطرابات السياسية التي شهدتها عدة دول في المنطقة العربية، وانتشار العنف السياسي الذي تعددت صوره، فإن هذه الاضطرابات أسفرت عن موجة من الإرهاب لا تزال مستمرة وإن كانت معدلات العنف تراجعت في حدتها مقارنة بسنوات سابقة، وصاحب تفشي ظاهرة الإرهاب زيادة حركة تدفق المقاتلين الأجانب، سواء من دول عربية إلى أخرى تشهد صراعات مسلحة، أو من دول أجنبية، بما جعل المنطقة العربية بؤرة لاستقبال المقاتلين الأجانب، مع تصدر تنظيمات تؤمن بـما يُعرف بـ”الجهاد العالمي”، وانصهار بعض الكيانات التي كانت تتبنى قضايا ذات طابع محلي في تلك الكيانات.

2- بروز ظاهرة المرتزقة بالمنطقة العربية: في خضم الصراعات السياسية في أعقاب “الربيع العربي”، وتحولات المشهد إلى حرب أهلية وانتشار الكيانات الإرهابية، أخذت ظاهرة المرتزقة تتبلور في بعض البيئات، مما أمكن توظيفهم من قبل بعض الأطراف الإقليمية والدولية، والعمل على توجيه بعضهم إلى بعض الدول، ليكونوا أطرافاً فاعلة في المعادلة. وهنا، يمكن الإشارة إلى التقارير الأممية التي تشير إلى استمرار وجود المرتزقة في الساحة الليبية، فخلال شهر نوفمبر 2021، تطرقت البعثة الأممية في ليبيا إلى ضرورة دعم السلطات الليبية لإخراج المرتزقة.

3- انعكاسات النزعة الطائفية بملف الإرهاب: لا يقتصر تصنيف التنظيمات الإرهابية على المكونات السنية التي تتبع تيارات السلفية الجهادية مثل “داعش” و”القاعدة”، وتحديداً على مستوى القائمة المشتركة للرباعي العربي “السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر”، التي ضمت مليشيات شيعية موالية لإيران، لتكون معبرة عن بروز النزعة الطائفية في المكونات الإرهابية بالمنطقة العربية، والتي تشكلت بالأساس بناء على بُعد طائفي، ونجحت في استقطاب شيعة من عدة دول، سواء من إيران أو لبنان وأفغانستان، خاصة أن بعض هذه المليشيات تشكلت في بعض الدول العربية مثل سوريا، وباتت تتحكم في مناطق وأجزاء واسعة من الأراضي السورية، وتتقاسم السيطرة في مناطق أخرى.

4- المليشيات الإيرانية وعرقلة حرية الملاحة البحرية: وبعيداً عن النزعة الطائفية في تشكيل المليشيات الشيعية الموالية لإيران، إلا أنها تخدم بعض الخطط الإيرانية التي كان يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني، وكانت تمثل تهديداً حرجاً لحرية الملاحة في المضايق بالبحر الأحمر، مثل مليشيا الحوثيين، مما استدعى تدخل الولايات المتحدة وأطراف دولية إقليمية لتأمين حركة الملاحة، منعاً لانعكاسات ذلك على الاقتصاد العالمي.

5- عرقلة المسارات السياسية في دول الأزمات: ينعكس انتشار ظاهرة الإرهاب في دول الأزمات العربية على مسارات التسوية السياسية، وعرقلة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الخلافات السياسية التي تتخذ أبعاداً مسلحة، من خلال عدم التزام الكيانات والمليشيات بمخرجات الحوارات والمؤتمرات الداعية لرأب الصدع وجهود توفيق الأوضاع واستكمال بناء مؤسسات الدولة، بما يُعد بيئة مناسبة في ضوء استمرار العوامل المحفزة لانتشار الإرهاب.

ركائز رئيسية

وبالنظر إلى كلمات قادة الدول المشاركين في القمة، والبيان الختامي الذي عبر عن شواغل متعددة، في إطار تعميق الشراكة الاستراتيجية بين الأطراف العربية من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى؛ يمكن الوقوف على بعض الركائز الرئيسية فيما يتعلق بملف مكافحة الإرهاب، وهي كالتالي:

1- مركزية ملف مكافحة الإرهاب عربياً: رغم الأزمات التي تواجه المنطقة العربية، وتحديداً على مستوى التحديات الاقتصادية، في ضوء تأثيرات تفشي جائحة كورونا، وتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية؛ إلا أن كلمات قادة الدول المشاركين في “قمة جدة” تعكس محورية ملف مكافحة الإرهاب في المنطقة، وسط تأكيدات على أهمية تعزيز وتنسيق الجهود المشتركة لمواجهة التنظيمات الإرهابية، باعتبارها أحد التحديات الأمنية التي تهدد المنطقة العربية، مع استمرار هذه المخاطر حتى الآن، وما يتصل بهذا الملف من ضرورة مواجهة الجريمة المنظمة لملاحقة عصابات تهريب البشر والمخدرات، التي تنشط عبر حدود الدول، وتحديداً تلك التي تشهد نشاطاً لجماعات إرهابية، هذا على الرغم من عدم تصدر ملف مكافحة الإرهاب أولويات الرئيس جو بايدن خلال زيارته للمنطقة، وفقاً لما أشارت له صحف أمريكية حول الملفات الرئيسية على جدول أعمال بايدن.

2- الدفع إلى تبني مقاربة شاملة في مكافحة الإرهاب: في ضوء الأزمات الاقتصادية التي تشهدها المنطقة العربية خلال الفترة الحالية، إضافة إلى تأثيرات الأزمة الروسية الأوكرانية على سلاسل الإمداد التي قد تتسبب في أزمة غذائية عالمية؛ فإن القمة أطلقت تحذيرات بضرورة مواجهة هذه الآثار وتداعياتها على المنطقة، منعاً لانعكاسات ذلك على انتشار الفكر المتطرف والإرهاب، وهو ما عبر عنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي أكد على ضرورة معالجة الأزمات الاقتصادية، باعتبار أن زيادة التضخم تنتج عنه مشكلات اجتماعية خطيرة، ويترتب عليه انتشار المجاعات والبطالة، بما يؤدي لانتشار التطرف والإرهاب، بما يعكس اتجاهاً للدفع لتبني مقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب، دون الاقتصار على المقاربة الأمنية العسكرية فقط، ومحاولة تجفيف العوامل المحفزة للتطرف والإرهاب.

3- تأكيد أمريكي على مكافحة الإرهاب بدون انخراط في حروب: حملت كلمة الرئيس الأمريكي جو بايدن، رسالة تتعلق بمواصلة بلاده الجهود في ملف مكافحة الإرهاب كأحد التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، وأشار إلى النهج الأمريكي في عدم الانخراط في حروب أو مهمات قتالية، ولكن في الوقت ذاته أكد على “التصميم على مواجهة التهديدات الإرهابية، وأظهرنا ذلك بالقضاء على زعيم “داعش”، وخلال هذا الأسبوع بالقضاء على أحد زعماء التنظيم، وسنواصل عملنا بالعمل مع شركائنا بالمنطقة، من خلال تقديم الموارد لتعزيز تحالفاتنا”. ويمكن النظر إلى رسائل بايدن في إطار التأكيد على عدم التراجع عن الرؤية الأمريكية الخاصة بعدم الانخراط العسكري المباشر في هذا الملف، بعد سحب القوات من عدة دول منها أفغانستان والعراق خلال العام الماضي، ولكن مع الإشارة إلى استمرار الانخراط في دعم جهود الأطراف الإقليمية في هذا الملف.

4- دعم جهود التسويات السياسية في دول الصراعات العربية: دفع القادة المشاركون في “قمة جدة” إلى دعم جهود التسويات السياسية في دول الأزمات خلال الفترة المقبلة، باعتبارها مناخاً مناسباً لانتشار الإرهاب، وما يتصل بذلك من تفاقم ظاهرة المرتزقة والمليشيات، من خلال دعم جهود التسوية في اليمن وليبيا وسوريا خلال الفترة المقبلة، إذ أكد الرئيس المصري أن الصراعات المسلحة والحروب الأهلية وإطالة أمدها أتاح المجال لبعض القوى للتدخل في الشؤون العربية، والاعتداء العسكري على أراضيها من خلال استدعاء عداءات إثنية وعرقية، وهو ما سمح ببروز ظاهرة الإرهاب والفكر المتطرف، إضافة لرعاية قوى خارجية لمليشيات ومرتزقة لكي تحول دون التسويات، وهناك حاجة لمراجعة تلك الأطراف حساباتهم لمنع توفير المأوى والسلاح ونقل العناصر الإرهابية. وفي هذا السياق، أشار البيان الختامي إلى تعزيز الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة الإرهاب، ومنع التمويل والتجنيد، والتصدي لجميع الأنشطة المهددة لأمن المنطقة.

5- إدارة الخلاف مع إيران لمواجهة المليشيات الشيعية: على الرغم من إشارة بعض الكلمات صراحة إلى إيران خلال القمة، مثل كلمة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، التي دعا خلالها “إيران باعتبارها دولة جارة، يربطنا بشعبها روابط دينية وثقافية، إلى التعاون مع دول المنطقة لتكون جزءاً من هذه الرؤية، من خلال الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى”، إضافة للرئيس الأمريكي جو بايدن، حينما أشار إلى ممارسة إيران نشاطات مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط. وهنا فإن ثمة مساراً لإدارة الخلافات مع إيران، ومحاولة تسوية بعض الملفات، وتحديداً ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، مع استمرار الضغط على المليشيات الشيعية الموالية لإيران، والدفع لمواجهة أنشطتها في المنطقة، في محاولة للفصل بين مسار البرنامج النووي وأنشطة الحرس الثوري، وهذا يتضح من تراجع الإدارة الأمريكية عن رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، وفقاً لما نقلته صحف أمريكية.

مواجهة شاملة

وأخيراً، تعكس كلمات القادة المشاركين في قمة جدة، الدفع لتبني مقاربة شاملة ومستدامة بين الدول العربية لمكافحة الإرهاب، لا تقتصر على المواجهة الأمنية والعسكرية فقط، بل تمتد إلى مواجهة جذور ودوافع ومحفزات النشاط الإرهابي خلال الفترة المقبلة، وتحديداً ما يتعلق بضرورة تسوية الأزمات في بعض دول المنطقة.