إن هناك عدداً من الدوافع التي تستند إليها الدول العربية في طلبها الانضمام إلى مجموعة بريكس، يأتي في مقدمتها: محاولة التوافق العربي مع محاولات تغيير النظام الدولي، وتحويله إلى نظام “متعدد الأقطاب”، فضلاً عن تفعيل التوازن العربي على الساحة الدولية، أضف إلى ذلك إعادة التموضع في المجالات الخاصة بالطاقة، وخاصةً في إطار مجموعة “أوبك +”، ثم التوجه العربي إلى تنويع العلاقات الاقتصادية والسياسية، عبر محاولة موازنة العلاقات مع القوى الدولية الكبرى، سواء في غرب العالم أو في الشرق منه.
حسب تأكيد رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، خلال قمة للمجموعة في جوهانسبرج، فقد عززت مجموعة بريكس صفوفها بتوسيع عضويتها، وانضمام “ست” دول جديدة إليها، من بينها “ثلاث” دول عربية هي: الإمارات، والسعودية، ومصر، اعتباراً من أول يناير 2024. وبحسب ما قاله الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، فإن إضافة أعضاء جُدد إلى المجموعة سيزيد من قوتها، وإن هؤلاء الأعضاء الجدد “سيزيدون حصة بريكس في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، من حوالي 32 بالمائة إلى 37 بالمائة، على أساس تعادل القوة الشرائية”.
محطة مهمة
بالطبع، فإن انضمام دول جديدة إلى بريكس، وبالتحديد الدول العربية الثلاث، يُمثل محطة مهمة بالنسبة إلى المجموعة، ودورها في تحويل موازين القوى الاقتصادية على الساحة العالمية. إذ بانضمام السعودية والإمارات وإيران إلى المجموعة يُضاف البُعد الخاص بإمكانيات بريكس في النفط والغاز، فضلاً عن امتلاكها -بالأساس- القمح والمعادن النادرة التي تستخدم في الصناعات التكنولوجية.
أضف إلى ذلك، ما يمكن أن تُضيفه الدول العربية الثلاث (الإمارات، والسعودية، ومصر) من قوة إلى المجموعة من منظور أنها ضمن الدول المرشحة لتكون دولاً رائدة في إنتاج وتصدير الطاقة النظيفة، خلال العقود المُقبلة، على غرار الأمونيا الخضراء والهيدروجين الأخضر، والتي من المتوقع أن تنافس الوقود الأحفوري.
دوافع محفزة
رغم ذلك، فإن هناك عدداً من الأسباب التي تستند إليها الدول العربية، في محاولة الانضمام إلى مجموعة بريكس، لعل أهمها التالية:
1- التوافق مع محاولات تغيير النظام الدولي: ففي ظل نظام عالمي آخذ في التحول بسرعة، من الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إلى نظام متعدد الأقطاب، عبر المحاولات الجارية من جانب روسيا والصين ودول أخرى؛ ترى الدول العربية اليوم أنها تستطيع أن تتحول إلى أكثر من مجرد دول مُصدرة للنفط والغاز، في إطار المزايا الكبيرة التي يوفرها الالتحاق بمجموعة بريكس.
والملاحظ أن طلب انضمام الدول العربية “الثلاث” إلى بريكس، يأتي كنوع من التوجه “شرقاً”، من منظور أن المجموعة تسعى إلى هدف واضح وعلني، وهو “إقامة نظام عالمي مختلف عن القائم حالياً”، وهو ما يبدو بوضوح عبر مسعى الصين التي تستحوذ على 70% من الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة، في طرح استراتيجية اقتصادية جديدة تُساهم في تحول مركز الثقل الاقتصادي إلى هذه الجهة من العالم.
2- تفعيل التوازن العربي على الساحة الدولية: حيث تسعى الدول العربية، التي تقدمت بطلبات انضمام إلى بريكس، إلى تفعيل استراتيجية “التوازن المرن” بين القوى الدولية الكبرى؛ بحيث إن التوجه العربي شرقاً، والانضمام إلى المنظمات الفاعلة في المجال الآسيوي والأوراسي، مثل تجمع بريكس، وكذلك منظمة شنغهاي، لا يعني الابتعاد عن الحليف الاستراتيجي، المتمثل في الولايات المتحدة وحلفائها من الأوروبيين.
ولكن تحسباً لأي تغيرات سياسية أو اقتصادية طارئة، مثل تلك التي تبدو عبر تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، على مجالات متعددة، اقتصادية وتجارية وأمنية، وغيرها؛ تبدو ملامح استراتيجية الدول العربية، خاصة تلك التي تُمثل مراكز ثقل في المنطقة، في ضرورة تعدد الحلفاء الاستراتيجيين الذي لا بد أن يُحقق في المستقبل نوعاً من التوازنات على ساحة العلاقات الدولية.
3- تنويع العلاقات الاقتصادية والسياسية دولياً: حيث إن جملة من الفوائد التي ستحققها الدول العربية، التي حصلت على قبول الانضمام إلى مجموعة بريكس، وهي فوائد تختلف من دولة إلى أخرى، ولكن معظمها ذات طابع اقتصادي. فمن جانب، تسعى الدول العربية، خاصة الخليجية، إلى تنويع علاقاتها الاقتصادية والسياسية، عبر البحث عن شراكات استثمارية جديدة، خاصة مع الصين. إضافة إلى السعي لبناء تعاون وتحالف وثيق مع روسيا في سوق الطاقة، من خلال التنسيق داخل مجموعة “أوبك +”.
ومن جانب آخر، يبدو السعي إلى تحقيق التوازن في العلاقات الاقتصادية، ولعل المثال الواضح هنا مصر التي تسعى إلى تحقيق هدفين: الأول، الذهاب إلى المستقبل برؤية استراتيجية ضمن التعاون مع “حليف جديد”، يُمثل تكتلاً اقتصادياً متنوعاً وقوياً. والثاني، اعتماد التحالف مع قوى تُشكل “قطبية متعددة”، وذلك من أجل تخفيف الضغوط الغربية، اقتصادياً ومالياً على الأقل.
4- إعادة التموضع في المجالات الخاصة بالطاقة: حيث يُمكن لمجموعة بريكس، بما تمتلكه من قدرات هائلة، التحكم في أسواق الطاقة على مستوى العالم، سواء من حيث الإنتاج أو حتى الاستهلاك؛ خاصة بعد انضمام الإمارات والسعودية إليها، بل ويمنح دول المجموعة أيضاً موقعاً مهماً في إعادة التموضع على مستوى أسواق الطاقة العالمية.
إذ إن انضمام السعودية والإمارات إلى بريكس، يكتسب أهمية بالغة، من حيث إن البلدين منتجان رئيسيان للنفط، وسوف يستفيدان من تحسين العلاقات الاقتصادية مع المجموعة، وخصوصاً الصين والهند اللتين تُعتبران مستهلكين رئيسين للنفط. هذا فضلاً عن كون الصين هي ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، وفي الوقت نفسه بالنسبة إلى المجموعة تُعتبر روسيا والإمارات والسعودية أكبر منتجي النفط، في حين أن أكبر منتجي الغاز الطبيعي يتمثل في روسيا وإيران.
وبحسب تحليل لمصرف “آي إن جي” الهولندي، في 20 أغسطس الجاري، فإن مجموعة بريكس سوف تستفيد من عضوية الدول المُصدرة للنفط والغاز، وهي السعودية والإمارات وإيران، لأن عضويتها تتوافق مع محاولات المجموعة تعميق الحوار حول استخدام عملات أخرى، غير الدولار، في تجارة النفط، كـ”اتجاه” لمحاصرة هيمنة الدولار على التجارة العالمية.
رغبة مزدوجة
في هذا السياق، ومع إعراب عديد من الدول عن رغبتها في الانضمام إلى مجموعة بريكس، يمكن القول إنّه من المتوقع أن تُصبح المجموعة لاعباً عالمياً، ولا سيما في إطار تنوع إمكانات الدول التي تسعى للانضمام إليها. وإن كان هذا يأتي في إطار الاهتمام العربي بالانضمام إلى المجموعة، إلا أن الدول العربية، فيما يبدو، لا ترى تعارضاً بين انخراطها المستقبلي في بريكس، وبين وجودها في تكتلات اقتصادية أخرى، إقليمية أو عالمية.
رغم ذلك، يبدو بوضوح التركيز العربي على الاستفادة من الهدف العلني لمجموعة بريكس، أي إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب؛ خاصة بعد تطور الأحداث على المستوى العالمي، وتحديداً في إطار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من انقسام على ساحة العلاقات الدولية. بل، وربما يكون هذا هو الأهم، في إطار ظهور “رغبة مزدوجة”، لدى بريكس من جهة، ولدى الدول العربية التي انضمت إليها من جهة أخرى، في الاستفادة المشتركة من هذا الانضمام، خاصة في المجالات الاقتصادية.