أعباء مضاعفة:
ما إشكاليات ارتفاع المديونية على الاقتصاد الأردني؟

أعباء مضاعفة:

ما إشكاليات ارتفاع المديونية على الاقتصاد الأردني؟



ما زالت المديونية في الأردن تتزايد عاماً بعد آخر، منذ جائحة كورونا، ومروراً بموجة اللجوء السوري إلى الأردن، وصولاً إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، بشكل أصبح فيه الدين العام يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي. ورغم محاولات الحكومة إطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، ومعالجة الإسراف في النفقات الحكومية، وتحديث القطاع العام؛ إلا أن الهوة بين الإيرادات والنفقات تبقى كبيرة، بما يؤثر على المشهد الاقتصادي في البلاد، وبما ينتج عنها من تداعيات اجتماعية تزيد من أعباء الظروف المعيشية للمواطن الأردني.

فقد أظهرت إحصاءات وزارة المالية، التي نُشرت على الموقع الإلكتروني للوزارة، مؤخراً، أن الدين العام للأردن وصل، نهاية مايو الماضي، إلى 19.4 مليار دولار، وأن الدين الخارجي قارب 21.4 مليار دولار. ويعني ذلك، بلغة الأرقام، أن ديون الأردن قد زادت بما نسبته 1.2 بالمائة مقارنة مع عام 2021، وأن مديونية الأردن قد ارتفعت لتصل إلى نحو 41 مليار دولار، وبذلك تصل نسبتها إلى 110.6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري.

ويرى البعض أن الرقم الحقيقي للمديونية يتجاوز ذلك، من منظور أن الحكومة الأردنية وبالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، لا تحتسب -ضمن دينها العام- ديونها من صندوق أموال الضمان الاجتماعي، والتي تبلغ 9 مليارات دولار، الأمر الذي يرفع المديونية لتتجاوز 50 مليار دولار.

مؤشرات اقتصادية

ثمة مؤشرات اقتصادية سلبية ترسم ملامح المشهد الاقتصادي الأردني، لعل أهمها ما يلي:

1- تجاوز الدين العام للناتج المحلي الإجمالي: وفقاً للتوقعات، فإن أداء الأردن الاقتصادي سوف يستمر على النهج ذاته، من حيث تجاوز الدين العام للناتج المحلي الإجمالي، خاصة أن النفقات الجارية تشكل معظم بنود الإنفاق. والملاحظ أن زيادة الدين العام هي زيادة متوقعة، لما لها من علاقة مباشرة بـ”عجز الموازنة”، والحصول على ديون من أجل دفع ديون أخرى استحق موعدها، ولا تستطيع الحكومة سدادها من الموارد المحلية.

ورغم أن الاستدانة تُعد إحدى الطرق لمواجهة انخفاض الإيرادات مقابل زيادة الإنفاق، سواء الجاري أو التشغيلي؛ إلا أن زيادة حجم الدين العام، حتى وإن تجاوز الناتج المحلي الإجمالي، كما هو في الحالة الأردنية، لا يشكل خطورة كبيرة، في رأي بعض الاقتصاديين؛ بل ولا يوقف عملية الاقتراض، طالما كان موجهاً للمشاريع الاستراتيجية والتنموية والاستثمارية.

رغم ذلك، تبقى التأثيرات الناتجة عن زيادة حجم الدين العام تأثيرات سلبية؛ ليس فقط على ملامح المشهد الاقتصادي، ولكن -وهذا هو الأهم- على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للمواطنين.

2- تراجع الإيرادات المحلية من الضرائب: في عرضه لموازنة 2022، نهاية ديسمبر الماضي، قال وزير المالية الأردني، محمد العسعس، إن الإيرادات المحلية تشكل نحو 88.4 بالمائة من النفقات الجارية. ورغم تطمينات الوزير بأن الاقتصاد الأردني قد اقترب، أكثر من أي وقت مضى، من الاعتماد على ذاته؛ إلا أن النسبة المرتفعة بهذا الشكل للإيرادات المحلية، بخصوص الإنفاق، لا تعني سوى أن الاقتصاد يعتمد على الضرائب و”الجباية” كمصدر للإيرادات؛ بل يؤشر إلى أن الحكومة تبني موازنتها على الضرائب والرسوم.

وهنا، يبدو المأزق المالي بوضوح؛ إذ تراجعت إيرادات الضرائب لعام 2021، وهي التي يتم توريدها في عام 2022، نتيجة تراجع الدخل والأرباح لأفضل “زبائن” الإيراد الضريبي، أي الشركات الكبرى والبنوك الذين يشكلون 0.25 بالمائة ويدفعون 80 بالمائة من الضرائب؛ هذا فضلاً عن تراجع المنح والمساعدات الخارجية، من 851 مليون دينار إلى 577 مليون دينار أردني.

3- عجز الموازنة العامة وتضخم الرواتب: من جهة العجز في الموازنة، فهو يُمثل أكبر مُغذٍ للمديونية، فمشكلة الدين العام في الأردن أن الحكومة، مثلها مثل حكومات كثيرة في الاقتصادات الناشئة، تعتمد على الدين لتمويل النفقات الجارية (الأجور والرواتب، والنفقات التشغيلية لمؤسسات الدولة) بشكل رئيسي، وهذا ما يُسهم في مراكمة الدين سنوياً.

والملاحظ أن فاتورة رواتب موظفي الأجهزة الحكومية، على اختلاف أذرعها ودوائرها، كما يشير د. عبد الباسط العثامنة، في حوار له (البيان: 17 أغسطس الجاري)، 550 مليون دينار شهرياً، أي ما يعادل 6.6 مليارات دينار سنوياً، وهو رقم يعتبر مكلفاً ومرهقاً جداً على ميزانية دولة كالأردن؛ حيث قيمة الرواتب السنوية تعادل ما نسبته 54.2 بالمائة، من موازنة الدولة الأردنية، للسنة المالية الحالية 2022.

4- توقعات المؤسسات المالية الدولية: في نهاية العام الماضي 2021، توقع تقرير البنك الدولي أن يصل الدين العام الأردني إلى قرابة 50 مليار دولار، بحلول نهاية العام الجاري 2022. وحول التضخم، توقعت مؤسسة “فيتش سوليوشنز”، الذراع البحثية لوكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، ارتفاع متوسط التضخم للعام الجاري من 2.9 إلى 3.6 بالمائة، على أساس سنوي في أبريل الماضي.

واللافت أن هذه التوقعات تأتي بصورة شبه واقعية، إذ إنّ الأردن كان قد شهد، خلال العام الماضي، نسبة دين مرتفعة بلغت 108 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، حتى نهاية مايو 2021، وهي النسبة التي ازدادت في خلال عام واحد لتصل، مع نهاية مايو الماضي، إلى 110.6 بالمائة من الناتج.

تداعيات اجتماعية

بالطبع، فإن كثيراً من دول العالم، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان، وهي دول صناعية كبرى، تبقى موازناتها مثقلة بالديون، مثلها في ذلك مثل عدد من الاقتصادات الناشئة؛ إلا أن حجم الاقتصادات المشار إليها كبير إلى الدرجة التي تكفي لتجاوز أي أزمة أو ركود؛ لكن بالنسبة للاقتصادات النامية، أو الناشئة، فإن التداعيات الاجتماعية للأزمات الاقتصادية، تتضاعف حدتها بالنسبة إلى هذه الاقتصادات، ولا يتوقف الأمر عند مجرد المؤشرات الاقتصادية.

وذلك ما يبدو بوضوح بالنسبة إلى ارتفاع المديونية الأردنية، إذ إن له عدداً من التداعيات الاجتماعية، أهمها ما يلي:

1- النمو السكاني وارتفاع أسعار السلع والخدمات: رغم أن صندوق النقد الدولي كان قد توقع في تقرير له، في أكتوبر من العام الماضي، أن يتسارع النمو الاقتصادي الحقيقي للأردن، خلال العام 2022، مسجلاً 2.7 بالمائة، ورغم أن تقرير “آفاق الاقتصاد العربي” الصادر عن صندوق النقد العربي، في أبريل الماضي، كان قد توقع أن يسجل الاقتصاد الأردني نمواً بنسبة 3 بالمائة، وهي نسبة نمو تقارب تلك التي توقعها تقرير صندوق النقد الدولي في ظل تعافي الاقتصاد العالمي، والتدرج في احتواء التداعيات الناتجة عن جائحة كورونا؛ إلا أن معدلات النمو المتوقعة تلك تضاعف مقابلها النمو السكاني، خصوصاً مع موجة اللجوء السوري إلى الأردن منذ عام 2011، مما ساهم في تراجع مستوى معيشة المواطن الأردني.

ومع أن الحكومة قد تعهدت بعدم فرض ضرائب جديدة، خلال العام الجاري، إلا أن هناك إعادة نظر في تعرفة الكهرباء والمياه، وغيرها من الخدمات، وهو ما سوف يشكل عبئاً على المواطن. هذا، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع، حتى الغذائية منها، جراء الحرب الروسية الأوكرانية.

2- المتعطلون عن العمل وتزايد نسبة الفقر: ما يبدو أنه يسبب قلقاً للسلطات الأردنية، هو جيوش المتعطلين عن العمل، الذين ارتفعت أعدادهم بسبب جائحة كورونا وما خلفته من فقدان للوظائف، قدّره المرصد العمالي بحوالي 140 ألف وظيفة في 2020.

ورغم تراجع معدلات البطالة، بشكل طفيف، في عام 2021، مع فتح القطاعات الاقتصادية؛ إلا أنها ما زالت تُحلق عالياً. فقد بلغ معدل البطالة، خلال الربع الثاني من العام الماضي، 24.8 بالمائة، بانخفاض مقداره 0.2 نقطة مئوية عن الربع الأول، وبارتفاع مقداره 1.9 نقطة مئوية عن الربع الثاني من العام الذي يسبقه 2020، وذلك بحسب الأرقام المنشورة عن دائرة الإحصاءات العامة.

وتبعاً لدراسة صادرة عن مركز “ستراتيجيكس”، حول ملامح المشهد الأردني 2022، تضمنت إشارات إلى تقرير مشترك للبنك الدولي والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة؛ فقد ازداد الفقر في الأردن حوالي 38 نقطة مئوية بين الأردنيين نتيجة جائحة كورونا. وقدر وزير التخطيط والتعاون الدولي، ناصر الشريدة، نسبة الفقر “مرحلياً”، في عام 2021، بحوالي 24 بالمائة، بارتفاع حوالي 6 بالمائة عن عام 2020.

وتبعاً لذلك، أعلنت الحكومة الأردنية عن وضع خطة تقوم في محتواها على خارطة طريق لمدة عامين، تبدأ من عام 2022، لمواجهة هذه المشكلة المرتبطة بازدياد البطالة.

نفقات واقتراض

في هذا السياق، يبدو من المنطقي أن تُطلق اللجنة المالية، في مجلس النواب الأردني، تحذيرات من استمرار ارتفاع مديونية الأردن، بشقيها الداخلي والخارجي، كما يبدو من المنطقي أن يعود ارتفاع الدين العام بشكل يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي، إلى السلوك الاقتصادي للحكومة، ذلك الذي يقوم على التوسع في الاقتراض.

وفي إطار مؤشرات حول إقدام الحكومة على اقتراض 8 مليارات دولار خلال العام الحالي، يبدو أن الأعباء الاجتماعية سوف تتزايد، خصوصاً بالنسبة لذوي الدخل المحدود من الأردنيين، وهو ما يستدعي إعادة النظر في سياسات “الاقتراض”، مع خفض حقيقي للنفقات، على الأقل تماشياً مع ما أعلنته الحكومة قبل أسابيع من “ثورة بيضاء” وخطة لترشيق القطاع العام وتحديثه عبر إلغاء وزارات ودمج أخرى.