ماذا تعنى العودة السورية؟ – الحائط العربي
ماذا تعنى العودة السورية؟

ماذا تعنى العودة السورية؟



تكتسب القمة العربية، التى انطلقت، فى مدينة جدة، بالمملكة العربية السعودية، يوم الجمعة الماضى، أهمية كبيرة للعديد من الأسباب، ومع ذلك، فإن العنوان السورى سيمثل إحدى ذرى تلك الأهمية، بالنظر إلى أن مشاركة دمشق فى أعمال تلك القمة جاءت بعد 12 عاما من تجميد عضويتها بجامعة الدول العربية.

وكانت اللحظة التى وطأت فيها قدما الرئيس السورى بشار الأسد أرض المطار فى جدة لحظة حاسمة ومفصلية بحق، بل يمكن القول إنها عبرت أيضا عن تحول جيوسياسى جوهرى فى المنطقة العربية، التى ظلت، لأكثر من 12 سنة، رهينة لتفاعلات ما سُمى «الربيع العربى»، وأسيرة لتداعياته المُكلفة على الصعد كافة.

كانت حصيلة الانتفاضات التى ضربت العالم العربى قاسية ومريرة بالنسبة للدول التى ضُربت بتفاعلاتها المؤلمة، وكانت أيضا مُربكة لكثير من الدول التى لم تطلها نيران الانتفاضات، بينما طالتها شظاياها، أو شاركت بنشاط، وشغف أحيانا، فى توجيه مساراتها، أو الإفادة من تحولاتها.

وعند محاولة تحليل مدلول تلك العودة، التى عدّها وزير الخارجية السورى فيصل المقداد بمنزلة «عودة الحبيب إلى حبيبته»، ستبرز ثلاث نتائج، أولاها أن ثبات السلطة على الأرض فى الصراعات المُسلحة، أيا كانت تكلفته، يقوض احتمالات إطاحتها، ويسهل إعادة تأهيلها.

فرغم أن محصلة الانتفاضة فى سوريا كانت مريرة، إذ خلفت نحو نصف المليون قتيل، ونحو سبعة ملايين نازح داخلى، وستة ملايين لاجئ أو طالب لجوء، فضلا عن الخسائر المادية المليارية، فإن قدرة النظام السورى على الاحتفاظ بالسلطة كانت العامل الأكثر حسما فى إعادة التأهيل عربيا على الأقل.

وثانية تلك النتائج تتعلق بقابلية تلك الأزمة الكبيرة للتأثر بالتدخلات الخارجية.

.. إذ يبدو أن التحول الإقليمى الأخير الذى تمثل فى الاتفاق السعودى- الإيرانى، وتغيير بعض الدول المؤثرة نهجها حيال سوريا، على صعيد العلاقات الثنائية، كان عاملا مُهما.

ورغم أن بعض الدول العربية أبدت تحفظا على العودة السورية، وأن الغرب عموما، والولايات المتحدة تحديدا، لا تقبل بها، ولا تدعم الأطراف العربية التى تتبناها فى سعيها هذا، فإن تلك المواقف قد يمكن تليينها لاحقا كما لانت المواقف الأخرى.

أما النتيجة الثالثة، فتتجسد فى الإجابة عن السؤال الكبير الذى أرق المنطقة والعالم من ورائها، وهو السؤال الخاص بالآلية الأنجع لمعالجة أوضاع سياسية مأزومة ومُغلقة، تتحمل معظم المسؤولية عنها نظم حاكمة لم تستطع أن تلبى الحد الأدنى من معايير فاعلية الحكم، أو تقابل الحد الأدنى من توقعات شعوبها.

والشاهد أن أهم أثر لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وتطبيع العلاقات بينها وبين عدد لا بأس به من خصومها ونقادها، يتمثل فى هزيمة مفهوم الانتفاضات والتمرد المسلح وإسقاط الأنظمة السياسية أمام مفهوم الاستقرار والإصلاح التدريجى كحل لمشكلات المنطقة التاريخية.

فما حدث فى تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، ولاحقا فى السودان، سيعطى إجابة حاسمة عن سؤال الانتفاضات، باعتبارها: لا تصلح كحل لأزمات المنطقة.

ورغم أن تلك الإجابة لا تتضمن بالضرورة إيجاد الحل الناجع لتلك المشكلات، فإنها لا تُبقى بالضرورة سوى مفهوم الإصلاح صالحا للطرح فى الوقت الحالى.

لقد أدى اندلاع الانتفاضات إلى فوضى وخراب، وتردٍ اقتصادى، وانتهاكات مفزعة لحقوق الإنسان، وحروب أهلية، وترسيخ مواقع للإرهاب، وتهديد للسلم والاستقرار العالميين، وأزمات هجرة ولاجئين مفزعة ومكلفة، وتضعضع السيادة الوطنية لدول عديدة.

وبسبب القابلية الكبيرة للمنطقة للتأثر بالسياسات الخارجية، وخضوعها لحروب بالوكالة، وتدخلات متنوعة، وتفاقم ظاهرة الإرهاب، لم يعد لإرادة شعوبها صلة كبيرة بما سيحمله المستقبل من تطورات.

ثمة إشكال آخر لا يقل أهمية، إذ لا تكفى الموارد الاقتصادية المتوافرة والمنتظر توافرها فى بلدان الانتفاضات لتحقيق نقلات نوعية يمكن البناء عليها لتوطيد حكم أنظمة لن تنعم بالاستقرار الكافى فى ظل تجاذبات وتدخلات وأدوار مناوئة فى الداخل والخارج.

وبسبب توافق القوى المتكالبة على اتخاذ نقاط ارتكاز فى بلدان الانتفاضات صيانة لمصالحها وتحقيقا لمطامعها، وبسبب اتجاهها إلى سبل تقاسم ومشاركة واحترام مناطق النفوذ وآلياته، فى ظل اتقاء تداعيات الصدام، سيكون هناك محفز إضافى لقبول أنظمة لم تحقق النجاح فى امتحان فاعلية الحكم.

يبلور هذا صورة ما ستشهده سوريا لاحقا، وما يمثله عنوان إعادة تأهيل نظامها السياسى من صياغة لمستقبل هذه الدولة: الإصلاح الطوعى التدريجى البطىء غير مضمون النتائج، فى مقابل مفهوم التغيير الجذرى الغامض ومجهول العواقب والمستمد من طاقة الانتفاض.

نقلا عن المصري اليوم