د.إدريس لكريني
غطّت ظروف الحرب الباردة، على كثير من الأولويات الدولية التي مثلت تهديداً حقيقياً للسلم والأمن الدوليين، سواء تعلق الأمر بالإرهاب، أو الجريمة المنظمة، أو تلوث البيئة.
ورغم التحذيرات التي ظلّ الكثير من الباحثين والخبراء يطلقونها بصدد ما تتعرض له البيئة من تدمير، بفعل الصناعات والأنشطة غير المعقلنة للإنسان، من قطع للغابات، وتلويث للمياه والهواء جراء الصناعات المختلفة، بشكل يهدّد كوكب الأرض، إلا أن اهتمامات الساسة ظلت بعيدة عن هذه المجالات.
وقد كان لحادث «تشيرنوبيل» النووي بأوكرانيا عام 1986، الأثر الكبير في لفت أنظار العالم إلى المشاكل الناجمة عن تلوث البيئة، ذلك أن هذا الحادث الخطر الذي تجاوزت انعكاساته دول الاتحاد السوفييتي- سابقاً- إلى باقي دول أوروبا، أبرز بالملموس أن تمدّد المخاطر الناجمة عن التلوث البيئي لا تعترف بالحدود السياسية، أو الحواجز الجغرافية.
وقد مثل مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو بالبرازيل، 1992، ضمن ما سمي ب«مؤتمر الأرض» والذي عرف مشاركة دولية واسعة، مناسبة مهمة للتنبيه بأهمية تعزيز الجهود لمواجهة تلوث المناخ والبيئة.
واستكمالاً لهذه الجهود التي حقّق معها المجتمع الدولي مجموعة من المكتسبات، تحتضن الإمارات مؤتمر (Cop 28)، الذي يسعى إلى تحقيق تقدم على مستوى التعامل مع التحديات التي تواجه تغيّر المناخ، والتقليل من الانبعاثات التي تلوث البيئة، والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، والوقوف على مدى التقدم الذي تحققه الدول في هذا الصدد، وطرح مجموعة من التصورات والتدابير الكفيلة بتحقيق هذه الرهانات.
ويمثل المؤتمر مناسبة مهمة للتفاوض وتبادل الآراء والمواقف، بهدف تركيز المبادرات والجهود التي انطلقت قبل 28 عاماً، لوضع مداخل كفيلة بوقف الخطر الناجم عن تلوث البيئة، في إطار من التشاركية بين الدول والمنظمات غير الحكومية، والشركات والأفراد، في ضوء عدد من المعاهدات ذات الصلة.
ويأتي تنظيم هذا المؤتمر في ظرفية دولية حبلى بالتحديات التي يطرحها الارتفاع الملحوظ في درجة حرارة الأرض المسجلة خلال السنوات الأخيرة، وتنامي الكوارث الناجمة عن الفيضانات والسيول، إضافة إلى تزايد المخاوف من تنامي التهديدات التي تواجه الأمن الغذائي العالمي بسبب الجفاف، والنزاعات العسكرية.
إن احتضان الإمارات لهذا اللقاء ينسجم مع انخراطها الجدّي والمبكر في الجهود الرامية إلى الحد من مخاطر التغيّر المناخي، وتمكّنها من بناء اقتصاد متنوع، يوازن بين تحقيق التنمية وحماية البيئة، علاوة على تعهدها تقديم مساهمات بمليارات الدولارات في تمويل عدد من المشاريع المتصلة بالحد من تغيّر المناخ داخل القارة الإفريقية.
وتعد الإمارات من ضمن البلدان القليلة التي أعلنت عن هدفها المتعلق بتحقيق الحياد المناخي، ضمن أجل أقصاه 2050، بصورة تتيح الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر والطاقات المتجددة، بما يدعم الموازنة بين كسب رهانات تحقيق التنمية المستدامة من جهة، وحماية البيئة وسلامة المناخ من جهة أخرى. وتسعى إلى جعل هذه القمة بمثابة منبر عالمي يعزّز تيسير الولوج المتسارع إلى الاقتصاد الأخضر، وتحقيق التنمية المستدامة في إطار اقتصادات متنوعة.
وتراهن الكثير من الدول على هذا اللقاء في أن يشكل فرصة لاتخاذ قرارات حاسمة للتقليل المتدرج من الانبعاثات الضارة بالبيئة، تبعاً لمخرجات اتفاق باريس 2015، ومتابعة الجهود الدولية المعتمدة ميدانياً، في ما يتعلق بالحدّ من ارتفاع درجة حرارة الأرض، ومن الكوارث.
ولا يخلو كسب هذا الرهان من صعوبات يطرحها إصرار عدد من الدول الصناعية على المضي في استعمال الغاز الأحفوري، وتردّد دول أخرى عن الوفاء بتقديم مساعدات للدول الفقيرة لمواجهة الانعكاسات التي يخلفها التغير المناخي في إطار من التعاون والتضامن الدوليين.
نقلا عن الخليج