دوافع خمسة:
لماذا يعترض “الدبيبة” على تعيين “بينتالي” مبعوثاً أممياً جديداً إلى ليبيا؟

دوافع خمسة:

لماذا يعترض “الدبيبة” على تعيين “بينتالي” مبعوثاً أممياً جديداً إلى ليبيا؟



سجل مندوب ليبيا لدى مجلس الأمن والممثل لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية الطاهر السني في سابقة هي الأولى من نوعها اعتراض حكومته على ترشيح الأمين العام للأمم المتحدة السنغالي عبد الله بينتالي كمبعوث جديد إلى ليبيا، في ظل شغور المنصب منذ استقالة يان كوبيتش المبعوث السابق في نوفمبر 2021، والذي خلفته ستيفاني وليامز كممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة والتي أعلنت الأمم المتحدة انتهاء مهمتها (31 يوليو 2022). وأرجع السني موقف الاعتراض بناء على عدم استشارة الأمم المتحدة لحكومته، وهو ما ردّ عليه المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك بأنه لن يتم الإعلان عن شخصية المرشح قبل استيفاء الموافقات والإجراءات اللازمة لذلك في خطاب رسمي من رئيس مجلس الأمن إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش ليصبح التعيين نافذاً.

وفقاً لهذا السياق، تَفَادى دوجاريك الإشارة إلى اعتراض السني وطلب إجراء مشاورات مع حكومة الوحدة الوطنية، بتأكيده على أن قرار تعيين مبعوث جديد لا يزال في طور الإجراءات التي تتطلب فقط موافقة أعضاء مجلس الأمن، مما يعني أن الأمر لا يتوقف بالأساس على قبول حكومة الوحدة من عدمه، إذ يتم التعامل معها كطرف في الأزمة الليبية وليست كحكومة شرعية معترف بها، إذ سبق وأكد دوجاريك في فبراير الماضي أن قرار تعيين الحكومات شأن سيادي ولا علاقة للأمم المتحدة به، وذلك بعد جدل حيال موقف المنظمة الدولية من الحكومتين المتصارعتين على السلطة في ليبيا.

وتشير تسريبات دبلوماسية لكواليس جلسة المشاورات التي عقدها مجلس الأمن منتصف الشهر الجاري إلى أنه لم يسجل أي طرف من أعضاء مجلس الأمن اعتراضه على ترشيح بينتالي، ولا سيما روسيا والصين اللتين كانتا تعارضان على الدوام تعيين مبعوث أمريكي، خاصة حينما تردد اسم وليامز أكثر من مرة في هذا الصدد. وألمح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حينها إلى أن واشنطن تضغط لوضع شخصية أمريكية على رأس البعثة لتلبية أجندة الولايات المتحدة. بينما دعمت كل من موسكو وبكين تعيين شخصية أفريقية للمنصب، وهو ما أكد عليه لافروف في جولته الأفريقية في يوليو المنقضي. وعملياً لو كانت هناك معارضة داخل مجلس الأمن لتسرب الأمر على غرار ما جرى بشأن وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم الذي كان مرشحاً للمنصب ذاته؛ إلا أن الاعتراض عليه من جانب بعض الأعضاء في المجلس تم تسريبه فوراً، وبالتالي جرى البحث عن مندوب جديد.

يطرح هذا السياق تساؤلاً حول دوافع اعتراض حكومة الدبيبة على تعيين بينتالي، التي عرضها “السني” في مجلس الأمن، ثم عاد مرة أخرى ليقول على حسابه على موقع “تويتر” للتواصل الاجتماعي إنه لا يقبل بالمزايدة، وإن المسألة تتعلق بحسابات وطنية. لكن يمكن تصور أن ثمة حسابات خاصة بحكومة الدبيبة لإحباط عملية تعيين مبعوث جديد، وهو ما يمكن التطرق إليه في النقاط التالية:

تصفية حسابات

1- محاولة رد الاعتبار لموقف الجزائر بعد الاعتراض على وزير خارجيتها كمبعوث أممي: على الأرجح فإن حكومة الدبيبة ربما اعترضت من باب تصفية الحسابات، إذ إنها لم تكن الطرف المعترض على تعيين الجزائري صبري بوقادوم، بل على العكس ربما كانت حكومة الدبيبة لديها رغبة أكيدة في توليه هذا المنصب لاعتبارات تتعلق بالعلاقات القوية بين حكومة الدبيبة والجزائر. لكن من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن التسريبات التي طالت “بوقادم” كانت من جانب أعضاء في المجلس لاعتبارات تتعلق بوجود ملامح انحياز لحكومة الدبيبة، وهو ما يكفي للطعن على ترشحه، وبالتالي تفتعل حكومة الدبيبة أزمة كنوع من رد الاعتبار لموقف الجزائر.

خلفية “بينتالي”

2- التخوف من تسريع وتيرة إدماج النظام السابق في العملية السياسية: لعبد الله بينتالي رصيد دبلوماسي في ملف المصالحة السياسية والاجتماعية في دول أفريقيا الوسطى التي يمثل الأمين العام للأمم المتحدة فيها كمستشار خاص منذ عام 2012، وهذه الخلفية هامة في الحالة الليبية في ظل المنعطف الحالي، وذلك من خلفية أخرى تتعلق بدور الاتحاد الأفريقي على الساحة الليبية من خلال اللجنة الخاصة رفيعة المستوى التي يترأسها الرئيس الكونغولي دينيس غاووسو، وتتولى هذه اللجنة ملف المصالحة الليبية، وعقد الشهر قبل الماضي لقاء مع الأطياف الليبية من بينها ممثلون عن النظام السابق، ودعت اللجنة أيضاً الأمين العام لترشيح مبعوث أفريقي. وبالتالي، من المرجح أن لدى حكومة الدبيبة تحفظاً يتعلق بموقف اللجنة من النظام السابق، ومخاوفها من تبني اللجنة مع المبعوث الجديد تسريع وتيرة إدماج النظام السابق وزيادة حضوره في العملية السياسية.

إرباك المشهد

3- محاولة إبقاء حكومة الدبيبة كأمر واقع في السلطة بطرابلس: طالما أن حكومة الدبيبة لن تحظى بشخصية تميل إليها كمبعوث فربما تسعى إلى إرباك المشهد لإطالة مدة بقائها كحكومة أمر واقع في السلطة في طرابلس. ففي السابق كانت مستفيدة من وضع مستشار خاص وليس مبعوثاً أممياً على رأس البعثة، وحالياً تتعاطى مع مبعوث بالإنابة هو ريزدون زنينغا، كما أنها كانت مستفيدة أيضاً من الخلاف الروسي الأمريكي حول تولي ستيفاني منصب المبعوث، وهو ما أضعف موقف ستيفاني ودفعها في الأخير إلى طلب إنهاء مهمتها، مع الوضع في الاعتبار أن هذا السياق لم يكن حصراً على حكومة الدبيبة وإنما مجلس النواب أيضاً، إذ إن كل طرف كان يريد اعترافاً من ستيفاني بأن “باشاغا” هو من يمثل الحكومة الشرعية.

كسب الوقت

4- إطالة وقت الأزمة السياسية الليبية: ربما تسعى حكومة الدبيبة أيضاً إلى كسب الوقت لإطالة أمد غياب مبعوث أممي، بينما تسعى إلى مراكمة مواقف سياسية تُبقي عليها في موقعها في طرابلس، وربما يعمق طول وقت الأزمة ذاتها من التعقيدات السياسية التي تتطلب من أي مبعوث أممي مرحلة لفهم طبيعة الأزمة الليبية ومراكز القوى والأطراف، وغالباً ما يردد الليبيون أنفسهم أن أي مبعوث أممي يحتاج إلى فترة تمهيدية لستة أشهر على الأقل لفهم الحالة الليبية، على الرغم من أنها ليست مسألة حتمية، خاصة حينما يكون المبعوث قادماً من أفريقيا، وعمل في ساحة قريبة الشبه بل وربما تأثرت بالحالة الليبية إلى حد كبير، وبالتالي فإن محاولات تأجيل وصوله أو إبعاده تصب في مصلحتها أيضاً.

استدعاء الشرعية

5- محاولة اختبار موقف المجلس من شرعية حكومة الدبيبة: بينما كانت ستيفاني تتفادى التطرق لقضية الشرعية، والتأكيد على أن الأمر سيادي وأن الأمم المتحدة ليست معنية بتعيين الحكومات أو منحها المشروعية؛ إلا أنها كانت تؤكد في الوقت ذاته على أن أجسام السلطة التي تشكلت في إطار الحوار السياسي في جنيف قد انتهت، وبالتالي تفتقر كافة الأطراف إلى المشروعية السياسية، ولا تريد حكومة الدبيبة البدء من النقطة ذاتها مع المبعوث الجديد، لكن وجود شخصية مثل بينتالي تتعامل مع الكافة بحكم كونهم أطراف أزمة يسحب منها هذه الورقة، بالإضافة إلى أن تسجيلها موقف اعتراض في مجلس الأمن قد يشكل من زاوية أخرى محاولة اختبار موقف المجلس من شرعية حكومة الدبيبة التي يمثلها الثني، فإذا تعاطى مجلس الأمن مع الاعتراض إيجاباً فعلى الأرجح ستفسره حكومة الدبيبة لصالحها والعكس.

معضلة الاختيار

في الحاصل الأخير، لا يعتقد أن مجلس الأمن سيتوقف عند مطالبة حكومة الوحدة الوطنية باستبعاد “بينتالي”، ففي الأخير فإن الحكومة الليبية ليست طرفاً في مسألة الاختيار، وهي دولة تحت الفصل السابع من الأمم المتحدة، خاصة وأنه وفقاً للوائح الأمم المتحدة فإن عامل الاختيار معلق فقط على عاتق مجلس الأمن، وحضور ممثل عن حكومة الدبيبة ليس اعترافاً بالحكومة، وإنما يمثل اعترافاً بوجود الدولة، كما هو السياق ذاته في حالة سوريا أو حالات أخرى.

لكن في الوقت ذاته قد يكون قبول الأطراف المحليين للمبعوث قيمة مضافة لصالح تسوية الأزمة، لكن لوجستياً لو توقف ترشيح المبعوث على قبول الأطراف المحليين فلا يعتقد أن الأمم المتحدة سيكون لديها ممثلون في الكثير من الأزمات. أيضاً هناك بوابات خلفية لعرقلة بعض الأطراف لترشح مبعوث بالتفاف غير مباشر عبر أحد الأعضاء في مجلس الأمن لتقديم الاعتراض لصالحها أو لصالح حليف لها بشكل أو بآخر.