تراكم الخلافات:
لماذا وصل التوتر بين الجزائر والمغرب إلى مستوى قطع العلاقات؟

تراكم الخلافات:

لماذا وصل التوتر بين الجزائر والمغرب إلى مستوى قطع العلاقات؟



لم يكن القرار الذي اتخذته الجزائر، في 24 أغسطس الجاري، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، مفاجئاً حتى بالنسبة للأخيرة. إذ أن هذه الخطوة كانت محصلة خلافات متراكمة بين الطرفين تصاعدت حدتها في الفترة الأخيرة، على خلفية التباين في التعامل مع بعض الملفات الداخلية والإقليمية، لاسيما ما يتعلق باستمرار التباين حول قضية الصحراء، وهو الملف الأكثر صعوبة، فضلاً عن تبادل الاتهامات الخاصة بالتدخل في الشئون الداخلية، إلى جانب تفاقم التنافس على المستوى الإقليمي سواء فيما يتعلق بمحاولة كل طرف تعزيز حضوره على الصعيد الأفريقي سياسياً واقتصادياً، أو فيما يتصل بموقفهما من التمدد الإيراني في المنطقة، الأمر الذي يفسر اعتبار كلتا الدولتين مصدر تهديد للأمن الوطني للدولة الأخرى، وفقاً للمدركات السائدة لدى نخبتى الحكم فيهما.

رسائل مسبقة

أعلن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في 24 أغسطس الجاري، قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب ابتداءً من اليوم نفسه، مضيفاً أن القنصليات سوف تظل مفتوحة، ومرجحاً عدم تأثر المواطنين من البلدين بهذا القرار. وهنا تجدر الإشارة إلى ملاحظتين رئيسيتين: الأولى، أن الجزائر مهدت الطريق أمام هذا القرار، قبل ذلك بنحو أسبوع، عندم ألمحت، في 18 من الشهر نفسه، إلى أنها سوف تعيد النظر في علاقاتها مع المغرب بعد اتهامها بالقيام بـ”أعمال عدائية”.

والثانية، أن القرار جاء بعد فترة وجيزة من الدعوة الجديدة التي وجهها العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى الجزائر، في أول أغسطس الجاري، بفتح الحدود بين الطرفين والمغلقة منذ عام 1994، كما جاء بعد أيام من إصداره تعليمات إلى وزيرى الخارجية والداخلية بالتعبير لنظيريهما الجزائريين عن استعداد المملكة للمساعدة في جهود إطفاء الحرائق التي اندلعت في الجزائر خلال الفترة الأخيرة.

تفسيرات متعددة

يمكن القول إن ثمة أسباباً عديدة أدت إلى وصول العلاقات بين الجزائر والمغرب إلى هذا المستوى، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تغير التوازنات في ملف الصحراء: ما زال ملف الصحراء يمثل الرقم الصعب في الخلافات بين الجزائر والمغرب. صحيح أن الخلاف حول هذا الملف ليس جديداً، إلا أنه بدا متجدداً بفعل التطورات المتعددة التي شهدها في الفترة الأخيرة، لاسيما ما يتعلق بنجاح المغرب في استقطاب تأييد العديد من القوى الدولية والإقليمية لموقفها إزاءه. وقد كان اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، في 10 ديسمبر 2020، بـ”مغربية الصحراء” بمثابة التطور الأهم الذي عزز الموقف المغربي على المستويين الأفريقي والدولي، على نحو اعتبرته اتجاهات عديدة بمثابة “إنجاز أو انتصار جيوسياسي” غير مسبوق للمغرب. وقد أثار هذا القرار استياء الجزائر، التي أكدت أنه “ليس له أثر قانوني لأنه يتعارض مع جميع قرارات الأمم المتحدة وخاصة قرارات مجلس الأمن بشأن مسألة الصحراء”.

2- تعزيز الحضور المغربي على المستوى الأفريقي: أجرت الرباط تغييراً رئيسياً في سياستها إزاء العلاقات مع الدول الأفريقية منذ عام 2017 عندما استعادت عضوية الاتحاد الأفريقي في 30 يناير من هذا العام، بعد نحو 32 عاماً انسحبت خلالها من منظمة الوحدة الأفريقية على خلفية القرار الذي اتخذته في عام 1984 بقبول عضوية ما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية”. وهنا، فإن هذه الخطوة التي اتخذتها المغرب كشفت عن إدراكها لحجم التأثير الذي فرضه غيابها عن الساحة الأفريقية على موقعها إزاء الأزمة، خاصة في ظل الحضور الجزائري القوي على الساحة الأفريقية وعلاقاتها القوية مع العديد من القوى الأفريقية المحورية على غرار نيجيريا وجنوب أفريقيا وأثيوبيا (التي تستضيف مقر الاتحاد الأفريقي).

ووفقاً لتقارير عديدة، فإن العاهل المغربي الملك محمد السادس قام بنحو 50 زيارة إلى 27 دولة أفريقية في الفترة من عام 2000 وحتى عام 2017، في إشارة إلى تزايد اهتمام الرباط بتعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية والحصول على دعم الأخيرة لموقفها من قضية الصحراء. وطبقاً لتقرير صادر عن مديرية الدراسات والتوقعات المالية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية المغربية، في بداية أبريل 2021، فإن الاستثمارات المغربية في القارة الأفريقية ارتفعت من 907 مليون درهم في عام 2007 إلى 5.4 مليار درهم في عام 2019 (الدولار= 8.99 درهم)، بما يمثل نحو 47% من إجمالي الاستثمارات المغربية في الخارج. وتتوزع الاستثمارات على العديد من الدول الأفريقية مثل كوت ديفوار (13% من الاستثمارات المغربية المباشرة للقارة الأفريقية في عام 2019)، وتشاد (12%)، والسنغال (9%) ومدغشقر (7%) والكاميرون (4%) وجزر موريشيوس (3%).

وكانت مالاوي، على سبيل المثال، إحدى الدول الأفريقية التي غيرت موقفها إزاء جبهة البوليساريو، بعد أن سحبت اعترافها بها في عام 2017 بالتزامن مع عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، وكانت إحدى الدول التي افتتحت قنصلية لها في مدينة العيون بالصحراء، ليصل عدد الدول التي افتتحت قنصليات في الأخيرة إلى 24 دولة، حتى نهاية يوليو 2021.

3- تصاعد الصراع على ممرات الطاقة: اتسع نطاق التنافس بين الجزائر والمغرب على التحول إلى محور استراتيجي لنقل الطاقة من الدول الأفريقية إلى نظيرتها الأوروبية. واللافت في هذا السياق، هو أن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة أشار، عقب إعلان قرار قطع العلاقات الدبلوماسية، إلى هذا الملف تحديداً، عندما ركز على الإجراءات التي سوف تتخذها دولته فيما يتعلق بخط الأنابيب الذي يمد أوروبا بالغاز الجزائري عبر الأراضي المغربية، والذي ينتهي الاتفاق الخاص به في 31 أكتوبر القادم، حيث قال في هذا السياق: “فيما يخص ملف الغاز، سيتم اتخاذ قرار لشركة المحروقات (سوناطراك)، بعد إجراء تقييم وفق الاعتبارات الدولية وما يتناسب مع الوضع الجديد”. ورغم أن المغرب أعلنت رغبتها، قبل الخطوة الجزائرية الأخيرة، في تمديد الاتفاق، إلا أن تصريحات لعمامرة تشير إلى أن مستقبل هذا الاتفاق بات يكتنفه الغموض، لاسيما بعد أن أشارت وسائل الإعلام الجزائرية إلى أن السلطات الجزائرية قد تقدم على وقف العمل بالاتفاق.

وتشير تقارير جزائرية إلى أن المغرب حصلت على إيرادات من عبور الغاز الجزائري من أراضيها تقدر بـ170 مليون دولار في عام 2018، انخفضت إلى 113 مليون دولار في عام 2019، ثم إلى 56 مليون دولار في عام 2020. ووفقاً لذلك، فإن المغرب تحصل على هذه الإيرادات في صورة غاز طبيعي تقدر كميته بنحو 600 مليون متر مكعب سنوياً.

وهنا، لا يمكن فصل الجدل المتصاعد حول هذا الخط عن الجهود التي تبذلها المغرب لتدشين مشروع استراتيجي جديد مع نيجيريا لنقل الغاز النيجيري إلى الدول الأوروبية عبر خط أنابيب يمر بـ13 دولة أفريقية حتى يصل إلى المغرب وفقاً للاتفاق الموقع بين الطرفين في يونيو 2018. هذا الخط تحديداً يطرح دلالتين أساسيتين: الأولى، أن المغرب بدأت تبحث عن توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها فيما يتعلق بتوفير مصادر جديدة لإمدادها بالغاز، لاسيما في ظل استمرار الخلافات مع الجزائر التي انتهت بقطع العلاقات الدبلوماسية. والثانية، أن المغرب حاولت استثمار علاقاتها المتنامية مع بعض القوى الأفريقية، لاسيما نيجيريا، على المستوى الاقتصادي، من أجل تغيير، أو على الأقل تحييد موقفها، من قضية الصحراء.

4- تبادل الاتهامات بالتدخل في الشئون الداخلية: ففي مقابل الاتهامات التي توجهها المغرب باستمرار إلى الجزائر بالتدخل في شئونها الداخلية عبر دعم جبهة البوليساريو، فإن الجزائر بدأت بدورها في توجيه اتهامات للمغرب بدعم بعض الأطراف الانفصالية في الداخل. ففي 18 يوليو الفائت، أعلنت الجزائر استدعاء سفيرها لدى الرباط فوراً للتشاور، وكشف بيان وزارة الخارجية الجزائرية أنها “طلبت توضيحاً من المملكة المغربية بخصوص موقفها النهائي من الوضع بالغ الخطورة الناجم عن التصريحات المرفوضة لسفيرها بنيويورك، ونظراً لغياب صدى إيجابي ومناسب من الجانب المغربي، تقرر اليوم استدعاء سفير الجزائر بالرباط”، مشيرة إلى أن السفير المغربي في الأمم المتحدة قام بتوزيع وثيقة على وزراء خارجية دول عدم الانحياز يومى 13 و14 يوليو الفائت، اعتبرت أن
“منطقة القبائل الأمازيغية شرق الجزائر تحت الاستعمار، ودعت إلى منحها حق تقرير المصير”.

ولا ينفصل ذلك من دون شك، عن الاتهامات التي وجهتها الجزائر، في 18 أغسطس الجاري، إلى المغرب بـ”التورط في الحرائق” التي اندلعت في الأولى خلال الفترة الماضية- رغم أن الرباط قدمت عرضاً بالمساهمة في جهود إطفاءها، وتجاهلت الجزائر الرد- فضلاً عن اتهامها بدعم حركة “ماك” التى صنفتها السلطات الجزائرية- مع حركة رشاد- كجماعتين إرهابيتين في مايو الماضي بسبب اتهامهما بالتخطيط لارتكاب أعمال إرهابية وتهديد الأمن القومي الجزائري.

5- التباين في التعامل مع التمدد الإيراني: تتباين سياسة الدولتين في التعامل مع بعض القوى الإقليمية، لاسيما إيران التي سعت إلى تعزيز حضورها في منطقة شمال أفريقيا خلال الفترة الماضية مستغلة في هذا السياق علاقاتها القوية مع الجزائر. فقد أعلنت المغرب قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في 2 مايو 2018، بعد تأكدها من دعم إيران وحزب الله اللبناني لجبهة البوليساريو. فيما اتخذت الجزائر خطوات إجرائية عديدة لتطوير علاقاتها مع إيران، كان آخرها حضور رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي في 5 أغسطس الجاري.

وقد كان لافتاً أن العلاقات الجزائرية- الإيرانية كانت حاضرة خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إلى الرباط، خلال الفترة (11- 13 أغسطس الجاري)، حيث أعرب عن قلقه من “التقارب الجزائري- الإيراني”، موجهاً انتقادات للجزائر بشن حملة ضد قبول إسرائيل بصفة مراقب في الاتحاد الأفريقي. إذ ترى القيادة السياسية الجزائرية أن المغرب لجأت لذلك في إطار “الاستقواء” بإسرائيل لتهديد الأمن القومي الجزائري، ووجهت الجزائر اتهاماً للمغرب بتحريض وزير الخارجية الإسرائيلي للإدلاء بهذه التصريحات التي وصفتها بـ”المغلوطة” والتي “تمس السيادة الجزائرية”.

ملفات مفتوحة

في النهاية، ربما يمكن القول إن قطع العلاقات الدبلوماسية قد لا يكون الخطوة الأخيرة في الأزمة بين الجزائر والمغرب، لاسيما أن ثمة ملفات عديدة بين الطرفين ما زالت مفتوحة، خاصة على صعيد العلاقات الثنائية، بما يشير إلى أن رسائل التوتر قد تستمر بين الدولتين خلال المرحلة القادمة.