يبدي الاتحاد الأوروبي اهتماماً خاصاً بتحقيق الاستقرار في السودان، غير أن دوره ظل محدوداً منذ بداية الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، واقتصر على ضمان وصول المساعدات الإنسانية، وتوجيه الإدانات لطرفي الصراع ودعوتهما للجلوس إلى مائدة التفاوض.
لكن الاتحاد الأوروبي اتجه إلى محاولة تعزيز دوره في تحقيق الاستقرار السياسي من خلال الإعلان عن خطة لوقف الصراع في السودان، في 9 أغسطس الجاري، تتضمن فرض عقوبات وإجراء مشاورات مع الأحزاب والقوى السياسية السودانية.
ومع ذلك، يُواجَه الدور الأوروبي في السودان العديد من التحديات، ولا سيما فيما يتعلق بغياب التوافق الأوروبي حول تسوية الأزمة السودانية، وتراجع تأثير خيار العقوبات، والتأثير المحدود للاتحاد الأوروبي في الملف السوداني مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين.
دوافع رئيسية
كشف المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي لويس ميغيل بوينو، في 9 أغسطس الجاري، عن خطة تستهدف تعزيز احتمالات الوصول إلى تسوية للصراع المسلح في السودان. وتعتمد الخطة على أكثر من آلية. إذ أنها تشير تحديداً، حسب ما جاء في تصريحات بوينو إلى قناة “سكاى نيوز عربية”، في 9 أغسطس الجاري، إلى أن المدعي العام في المحكمة الجنائية يحقق في الجرائم على الأرض.
كما أنها تولي اهتماماً خاصاً بإيصال المساعدات الإنسانية دون التعرض لقيود يفرضها استمرار الاشتباكات المسلحة بين الطرفين، فضلاً عن استضافة ممثلين عن الأحزاب السياسية والمجتمع المدني في السودان، وتعزيز الجهود التي تبذلها المبعوثة الخاصة للاتحاد الأوروبي للقرن الإفريقي أنيت ويبر.
ويمكن القول إن ثمة جملة من العوامل التي دفعت الاتحاد الأوروبي للإعلان عن هذه الخطة في هذا التوقيت، ومن أهمها:
1- تعزيز دور الاتحاد الأوروبي في السودان: ظل الاتحاد الأوروبي يحافظ على موقف محايد تجاه الصراع، واكتفى بإدانة الأعمال العدائية والدعوة لوقف القتال واللجوء للحوار لحل الأزمة سياسياً، بهدف الحفاظ على المصالح الأوروبية في السودان، وإجلاء الرعايا الأوروبيين وتأمين دخول المساعدات الإنسانية. وقد تأثرت بالفعل هذه المصالح، خاصة على المستوى الاقتصادي، حيث كان التبادل التجاري بين الاتحاد والسودان قد وصل في عام 2022 إلى 1.443 مليار يورو.
وهنا، فإن استمرار الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يعني أنه لا يزال هناك تهديد مباشر لمصالح الاتحاد الأوروبي، ومن ثم اتجه الأخير إلى تصعيد ضغوطه على السودان من خلال التهديد بخيار العقوبات بهدف وقف القتال وإيجاد مخرج سياسي للأزمة.
2- وضع حد للصراع المسلح: اقترب الصراع المسلح بين الطرفين من شهره الخامس، حيث كثّف الجيش السوداني عملياته لتحقيق مكاسب في العاصمة الخرطوم، إذ شن ضربات جوية وقصفاً بالمدفعية الثقيلة في محاولة للاستيلاء على جسر عبر نهر النيل، في حين جاء الرد قوياً من قوات الدعم السريع، مما أدى إلى احتدام الاشتباكات في الأحياء السكنية وسقوط ضحايا مدنيين وحالات نزوح، بشكل أثار مخاوف الاتحاد الأوروبي من التداعيات التي يمكن أن يفرضها ذلك، خاصة على صعيد التأثيرات التي يمكن أن يتعرض لها المدنيون.
3- تصاعد نفوذ القوى المنافسة: يبدي الاتحاد الأوروبي قلقاً من تمدد دور القوى المنافسة مثل الصين وروسيا، خاصة أن هناك مخاوف من أن تسعى هذه القوى لسد الفراغ في السودان، وتحديداً مجموعة “فاجنر” الروسية، مما قد يؤدي لإطالة أمد الحرب وتحويلها إلى حرب بالوكالة بين روسيا والدول الأوروبية.
4- تزايد معدلات الهجرة غير الشرعية: لا تستبعد الدول الأوروبية أن ينتج عن هذا الصراع موجات جديدة من اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا المثقلة أساساً باللاجئين من دول الصراعات بالمنطقة. وتشير تقارير دولية إلى نزوح أكثر من 3 ملايين شخص من السودان خلال الأشهر الثلاثة الأولى من بدء الصراع في 15 أبريل الماضي، إذ نزح منهم حوالي 2.4 مليون شخص في الداخل، وعبر الباقي إلى البلدان المجاورة.
وتعتبر السودان إحدى أكبر الدول الطاردة للاجئين. فضلاً عن حدودها التي يسهل اختراقها، فهي بمثابة مركز عبور رئيسي للاجئين والمهاجرين من القرن الأفريقي، على أمل الوصول إلى أوروبا. وكان للسودان دور حاسم في جهود الاتحاد الأوروبي، خاصة على مدى السنوات العشر الماضية، وخاصة بعد إطلاق مبادرة طريق هجرة الاتحاد الأوروبي في القرن الأفريقي والمعروفة باسم “عملية الخرطوم”، والتي وُصفت بأنها “منصة للتعاون السياسي بين الدول الواقعة على طول طريق الهجرة بين القرن الأفريقي وأوروبا”.
5- انتقال عدوى الصراع إلى بعض دول الجوار: ترى الدول الأوروبية أن انتقال عدوى الصراع السوداني إلى بعض دول الجوار، وبشكل خاص إثيوبيا وإريتريا، احتمال قائم بقوة، وهو ما قد يؤدي إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار ستهدد أوروبا بلا شك، وخاصةً في حال استغلال المنظمات الإرهابية هذه الفوضى لتهديد الدول الأوروبية.
تحديات محتملة
يُواجَه الدور الأوروبي في السودان العديد من التحديات، التي يمكن تناولها على النحو التالي:
1- غياب موقف أوروبي موحد: وهو ما يفرضه اختلاف وجهات نظر الدول الأعضاء في الاتحاد في التعامل مع الصراعات الأفريقية بصفة عامة وفي السودان بصفة خاصة، فعلى سبيل المثال تدعم فرنسا تدخلاً عسكرياً في النيجر بعد الانقلاب الذي وقع في 26 يوليو الفائت فيما ترفض إيطاليا ذلك، والأمر ذاته بالنسبة للسودان، وهو ما يؤثر، من دون شك، على حدود الانخراط الأوروبي في الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية للأزمة فيها.
2- تراجع تداعيات خيار العقوبات: يرى مراقبون أن فرض مزيد من العقوبات أصبح خياراً غير فعال، خاصة أنه لا توجد مصالح مباشرة لقوات الدعم السريع أو للجيش في أوروبا حتى يمكن تجميد حساباتها أو معاقبتها، وبالتالي تعزيز فرص دفع الطرفين إلى تغيير موقفيهما والاستجابة للجهود المبذولة من أجل وقف الصراع المسلح.
3- التأثير المحدود في الملف: ويمكن تفسير ذلك في ضوء انشغال الاتحاد الأوروبي بمواجهة تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، واعتماد الاتحاد على الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة ملف السودان نظراً لامتلاكها النفوذ الأكبر لمواجهة الدور الروسي، علاوة على اعتماده على دور الدول الإقليمية الفاعلة في المنطقة لوضع حد للأزمة في السودان.
تحركات مستمرة
خلاصة القول، تهدف خطة الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز الدور الأوروبي في السودان، وخاصة في الوقت الذي تعمل فيه روسيا والصين على زيادة حضورهما في هذا الملف، وهو ما يرجح من احتمال إقدام الاتحاد والدول الأوروبية خلال المرحلة القادمة على اتخاذ مزيد من الإجراءات التي يمكن من خلالها تعزيز هذا الدور واحتواء تراجع تأثير أوراق الضغط المتاحة في المرحلة الحالية.