تكتسب الزيارة التي قام بها رئيس وزراء النيجر علي لمين زيني إلى المغرب، في 12 فبراير الجاري، أهميتها من التوقيت الذي أجريت فيه، حيث تأتي بعد إعلان النيجر انضمامها إلى المبادرة الأطلسية، وتُشير بوضوح إلى عزم المغرب توسيع نطاق علاقاتها الخارجية في اتجاه دول الغرب الأفريقي، خاصة بعد انسحاب النيجر ومالي وبوركينافاسو من الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، على نحو ساهم في تصعيد حدة التوتر مع بعض دول المنطقة. ومن هنا، تسعى النيجر إلى تقليص حدة الضغوط التي فرضتها “إيكواس” عليها، في حين تحاول المغرب استقطاب مزيد من الدعم الإقليمي لمقاربتها إزاء بعض القضايا، ولا سيما قضية الصحراء.
أهداف عديدة
تعتبر الزيارة التي قام بها رئيس وزراء النيجر علي لمين زيني إلى المغرب الأولى من نوعها منذ تنصيب الحكومة النيجرية الحالية. ويمكن القول إن النيجر والمغرب تسعيان عبر تلك الزيارة إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:
1- تطوير التعاون السياسي والعسكري: تُشير تشكيلة الوفد المرافق لرئيس الوزراء النيجري إلى ثِقل الزيارة، ورغبة النيجر في توسيع نطاق علاقاتها مع المغرب، ولا سيما على المستويين العسكري والأمني، فضلاً عن الاستفادة من خبرة المغرب في مكافحة الإرهاب، حيث تواجه البلاد هجمات إرهابية متنامية على حدودها الغربية والشرقية على حد سواء، ناهيك عن اهتمام النيجر برفع مستوى تعاونها على الصعيد السياسي مع المغرب، خاصة بعد انضمامها إلى المبادرة الأطلسية التي طرحها العاهل المغربي الملك محمد السادس، والتي تتيح للنيجر منفذاً بحرياً على المحيط الأطلسي.
2- احتواء تداعيات الانسحاب من “إيكواس”: تأتي هذه الزيارة بعد فترة وجيزة من إعلان النيجر ومالي وبوركينافاسو انسحابهم من التكتل الإقليمي الذي يضم دولاً عديدة في الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” في 28 يناير الفائت، ومن ثم تحاول النيجر توسيع نطاق شراكاتها الإقليمية مع بعض دول الشمال الأفريقي، وخاصة مع المغرب، التي حرصت على تبني موقف محايد ولم تتأثر علاقاتها بالنيجر منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد في 26 يوليو الماضي، فضلاً عن الاستثمارات المغربية الكبيرة في النيجر، وخاصة في الفوسفات والقطاع المصرفي، إلى جانب البنية التحتية والاتصالات، الأمر الذي يجعل استقرار الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني في النيجر هدفاً استراتيجياً مهماً بالنسبة للرباط.
3- موازنة الضغوط الجزائرية على دول الساحل: تتقاسم المغرب مع دول تحالف الساحل (مالي، والنيجر، وبوركينافاسو)، وفقاً لاتجاهات عديدة، اهتماماً خاصاً بتحييد محاولات الجزائر تعزيز دورها في عملية صياغة الترتيبات السياسية التي تجري في تلك المنطقة، حيث كانت الجزائر قد أعلنت عن فرض عقوبات اقتصادية بإلغاء القروض التي وعدت بتقديمها لدول الساحل، بعد أن انضمت بعض تلك الدول إلى المبادرة الأطلسية.
ومع ذلك، تصر النيجر ومالي على المضيّ قدماً في تعزيز علاقاتهما مع المغرب، حيث اتخذت مالي عدة إجراءات لتحييد تأثير الضغوط الجزائرية على السياسة الداخلية، وخاصة فيما يتعلق بالمفاوضات الجارية بين الحكومة المالية والجماعات المسلحة في شمال مالي.
انعكاسات محتملة
من المتوقّع أن تفرض تحركات النيجر وحلفائها من دول الساحل لتعزيز التقارب السياسي والاقتصادي مع المغرب انعكاسات عديدة على صعيد منطقة المغرب العربي والساحل الأفريقي على حد سواء، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1- تصعيد التوتر في العلاقات مع الجزائر: لا يستبعد مراقبون أن تشهد مرحلة ما بعد هذه الزيارة إعلان نيامي عن موقف أكثر وضوحاً بخصوص قضية الصحراء، بعدما ظلت لفترة طويلة تلتزم موقفاً محايداً وداعماً لقرارات الأمم المتحدة بشأن هذا الملف، وخاصة في ظل علاقاتها المتأزمة مع الجزائر.
كما يتوقع أن يتم بحث آليات تنفيذ المبادرة الأطلسية المغربية التي انخرطت فيها النيجر عبر ميناء الداخلة الأطلسي الجديد، وهو الأمر الذي يرجح معه تصاعد التوتر بين الجزائر وجيرانها، حيث تنظر الأولى بقلق شديد للتقارب بين المغرب وهذه الدول، لا سيما في ظل احتمال اتجاه تلك الدول إلى تبني رؤية أقرب إلى السياسة المغربية إزاء قضية الصحراء.
2- رفع مستوى التنسيق بين الجزائر وموريتانيا: تعتبر موريتانيا حتى الآن الدولة الوحيدة في دول مجموعة الساحل الخمس التي لم تنضم إلى مبادرة المغرب الأطلسية. وتبدي الجزائر قلقاً من احتمال انضمامها على غرار الدول الأربع (مالي، والنيجر، وبوركينافاسو، وتشاد). لذلك من المحتمل أن تتجه الجزائر إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع موريتانيا لدفعها إلى تبني موقف مختلف من المبادرة الأطلسية.
3- تعزيز التعاون في مشروعات الطاقة: تُعوِّل النيجر على خط أنابيب الغاز مع المغرب مستقبلاً لضمان إمدادات الغاز الطبيعي النيجيري وتعزيز موقعها الاستراتيجي لدى الدول الأوروبية، بينما تراهن الجزائر بشكل كبير على النيجر في مشروعها المشترك مع نيجيريا، الذي لا يمكن إتمامه دون المرور عبر أراضيها.
وتُشير التقارير إلى أن الجزائر أرسلت وفداً إلى الجنرال عبد الرحمن تياني رئيس السلطة الانتقالية في النيجر، بخصوص خط الغاز الذي دخل مرحلة جمود منذ الانقلاب الذي أطاح بالرئيس السابق محمد بازوم، في 26 يوليو الماضي، مطالبة بمعرفة مصيره، لكن الأمور أصبحت أكثر صعوبة منذ تكذيب نيامي خبر قبولها بعرض الوساطة الذي قدمته الجزائر، في 3 أكتوبر الفائت. ومع ذلك، يبدو أن نيامي تتجه نحو منح الأولوية للتعاون مع الرباط التي تشارك أبوجا في مشروع أكبر، هو مشروع الغاز المغربي-النيجيري.
ختاماً، يمكن القول إن منطقة الساحل الأفريقي تشهد إعادة صياغة لخريطة التفاعلات الإقليمية بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر في 26 يوليو الماضي، والذي أطاح بالنفوذ الفرنسي في النيجر، حيث تسعى النيجر ومالي وبوركينافاسو إلى إعادة تحديد اتجاهات سياساتها الخارجية عبر توسيع هامش الخيارات وحرية الحركة المتاحة على الساحتين الإقليمية والدولية، على نحو سوف يكون له دور أساسي في الترتيبات السياسية والأمنية التي يجري العمل على صياغتها في منطقة الساحل خلال المرحلة القادمة.