ملف الصحراء:
لماذا تنامت وتيرة التنافس المغربي-الجزائري حول استمالة موريتانيا؟

ملف الصحراء:

لماذا تنامت وتيرة التنافس المغربي-الجزائري حول استمالة موريتانيا؟



في 7 يونيو الجاري، قام وفد عسكري مغربي بزيارة نواكشوط بعد أيام قليلة من زيارة وفد عسكري موريتاني للمغرب، في 24 مايو الماضي. وجاءت زيارة الوفد العسكري المغربي، عقب زيارة وفد جزائري، في 6 يونيو الجاري، لنواكشوط لتوقيع اتفاقيات تجارية مع الجانب الموريتاني. وقد سبقتها زيارات لمسؤولين عسكريين موريتانيين للجزائر والمغرب خلال الأسبوع الأخير من مايو الماضي، وهو ما يُثير تساؤلات حول عوامل تصاعد التنافس الجزائري-المغربي على استمالة موريتانيا في هذا التوقيت.

مؤشرات التنافس

ثمة مؤشرات عديدة على تصاعد التنافس الجزائري-المغربي على استمالة موريتانيا، ومن أهمها:

1- تزايد الزيارات الرسمية، ففي 7 يونيو الجاري، قام وفد عسكري مغربي بزيارة موريتانيا، وأجرى مباحثات مع قائد الأكاديمية العسكرية لموريتانيا، وجاءت الزيارة بعد أسبوعين من انعقاد الدورة الثالثة للجنة العسكرية المغربية الموريتانية المشتركة، في 24 مايو الماضي بالرباط. فيما شهدت نواكشوط زيارة وزير الطاقة الجزائري، في 6 يونيو الجاري، هي الثانية له خلال 3 أشهر فقط، بعدما سبق له أن حل بموريتانيا في 29 مارس الماضي على رأس وفد يضم عددا من كبار المدراء في قطاع الطاقة. وقد سيقت هذه الزيارات زيارات لمسؤولين مغاربة وجزائريين خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

2- تنافس تجاري واقتصادي، حيث وقعت موريتانيا والجزائر خلال زيارة وزير الطاقة في 6 يونيو على عدد من الاتفاقيات التجارية، ولا سيما في مجال تصدير الغاز الجزائري إلى موريتانيا. وأشارت الاتفاقيات الموقّعة بين موريتانيا والجزائر في مجال الطاقة، إلى دراسة فرص إنشاء وبناء خط أنابيب نقل الغاز بين البلدين. فيما وقّع المغرب في 11 مارس الماضي على 13 اتفاقية مع موريتانيا، تشمل التعاون في مجال التجارة والاستثمار، والصناعة والسياحة، والإسكان، والبيئة، والتنمية المستدامة، والأمن، والصحة، والثقافة، والزراعة، والصيد البحري، والإيداع والتدبير، والتكوين المهني.

3- اهتمام موريتاني متوازن، حيثتحرص موريتانيا على الحفاظ على علاقات عسكرية مميزة مع الجزائر والمغرب على حد سواء، ففي 16 مايو الماضي، قام وفد قضائي موريتاني رفيع بزيارة الرباط لتعزيز التعاون القضائي بين البلدين، ثم في 30 مايو الماضي، قام قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية، الجنرال المختار بول شعبان، بزيارة الرباط، لترؤس وفد بلاده في الاجتماع الثالث للجنة العسكرية المختلطة المغربية الموريتانية، والتي تمحورت أشغالها حول حصيلة أنشطة التعاون الثنائي، والأنشطة العسكرية المخطط لها، والمرتبطة أساساً بمجالات التكوين والتدريب العملياتي، والدعم التقني وتبادل الزيارات والخبرات. كما جاءت هذه الزيارة عقب زيارة وفد عسكري موريتاني بقيادة قائد أركان سلاح الجو الموريتاني الجنرال حمادي آل مولود للجزائر، حيث قام بزيارة منشآت عسكرية ذات طابع صناعي تختص بصناعة وصيانة وتجديد الطائرات والمروحيات التابعة للجيش الجوي. ووقّعت القوات الجوية الموريتانية في 30 مايو اتفاقية تعاون مع نظيرتها الجزائرية.

ولعلّ ذلك يعكس موقفاً موريتانياً براجماتياً، حيث تحافظ موريتانيا على موقف محايد تجاه الصراع بين الجارتين، وهو ما يغري كل طرف في سياق انفتاح موريتانيا على التعاون الاقتصادي والأمني معهما في محاولة مساومة موريتانيا على موقفها. ويشعر المغرب بثقة كبيرة في قدرته على تغيير الموقف الموريتاني وذلك في ضوء تزايد الدعم الدولي للمقترح المغربي، بينما تسارع الجزائر الخطى لمنع موريتانيا من الاصطفاف مع المغرب، ولدى موريتانيا اتصالات وعلاقات ممتدة معسكان الصحراء،وقد يؤدي تغيير موقفها إلى إحراز المغرب إنجازاً كبيراً في هذا الملف، وربما تعمل الدول الصديقة والحليفة للمغرب على تعزيز سياسة المغرب عبر إغراء موريتانيا بالمزيد من الحوافز الاقتصادية والتجارية، خاصة أن الجزائر بدأت تشعر بعزلة أوروبية في ضوء علاقاتها مع موسكو.

عوامل محفزة

ثمة متغيرات محفزة لهذا التنافس في هذا التوقيت، أهمها:

1- التصعيد الدبلوماسي الجزائري ضد المغرب، حيث يُعد تصاعد التنافس بين الجارتين على استمالة موريتانيا امتداداً لسياسة التصعيد الدبلوماسي بين الجانبين. فعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة «الشروق» الجزائرية، في 12 يونيو الجاري، أن النظام المغربي يواجه اتهامات أمام لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، تتّهم الرباط بـ”تعذيب” ناشطين صحراويين. فيما امتد هذا التصعيد إلى حد ممارسة الجزائر ضغوطاً على الدول المؤيدة لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء.

ففي 10 يونيو الجاري، علقت الجزائر اتفاقية الصداقة مع إسبانيا على خلفية موقفها الداعم للمقترح المغربي. وقررت فرض عقوبات تجارية على مدريد بإيقاف التعامل التجاري معها. ويرى مراقبون أن الجزائر تستخدم سلاح العقوبات التجارية كتحذير مسبق للدول التي تفكر في إعلان مواقف صريحة من قضية الصحراء. لذلك اتّجهت الجزائر أيضاً إلى تكثيف المناورات العسكرية بالقرب من الحدود المغربية استباقاً لمناورات الأسد الأفريقي الذي تقودها الولايات المتحدة في منطقة وتشمل جزءاً من الصحراء.

2- مخاوف جزائرية من تحول موقف موريتانيا بعد تزايد الدعم الأوروبي للمغرب، فعلى سبيل المثال، اتجهت الحكومة الألمانية نحو تعزيز علاقاتها مع المغرب، حيث قام وفد أمني ألماني بقيادة مدير عام الشرطة الألمانية دييتر رومان، بزيارة الرباط في 11 يونيو الجاري، لبحث سبل تطوير آليات التعاون الثنائي بالمجال الأمني. وجاء ذلك في سياق تحوّل الموقف الألماني ودعم برلين للمقترح المغربي حول الصحراء، فيما تنظر العديد من الدول الأوروبية بقلق إزاء تطور العلاقات الروسية-الجزائرية.

ومثال ذلك الاتهامات الألمانية الأخيرة التي جاءت على لسان وزيرة الاقتصاد ناديا كالفينو، في 13 يونيو الجاري، للجزائر بالانحياز بشكل متزايد إلى روسيا. ويبدو أن ثمة اتساعاً لمجالات التعاون والاستثمار بين المغرب ودول أوروبية عدة، وتحديداً بالنسبة إلى الطاقة المتجددة والعمل الحثيث لمد أنابيب الغاز النيجيري إلى أوروبا عبر المغرب. ولطالما عوّلت الجزائر على موقف أوروبي محايد باعتباره داعماً لموقفها حيال الصحراء، لكنها باتت تشعر مع تزايد الاعتراف الأوروبي بأن الملف يهتز بين يدي دبلوماسيتها، لذا تعمل على إغراء موريتانيا ومنع اصطفافها مع المغرب.

3- قلق جزائري من تنفيذ المشروع المغربي خط أنابيب الغاز (نيجيريا-المغرب-أوروبا)، والذي يمر عبر موريتانيا، وخاصة بعد مصادقة نيجيريا رسمياً على تنفيذ المشروع في 1 يونيو الجاري.لذلك تتوجس الجزائر من التنافسية التي يمكن أن يشكلها مشروع أنبوب الغاز النيجيري الجديد على حصة صادراتها من الغاز إلى السوق الأوروبية، وأضحت الأراضي الموريتانية آخر رقعة جغرافية يُنتظر انضمامها إلى المشروع لتنزيله على أرض الواقع، حيث يمتد الخط على مسافة 5660 كم مروراً بموريتانيا قبل أن يصل إلى المغرب ليعبر مضيق جبل طارق إلى إسبانيا لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا.

ويندرج التنافس بخصوص مشروع أنبوب الغاز النيجيري بين المغرب والجزائر ضمن “معركة الغاز” التي أشعلتها الحرب الروسية الأوكرانية، في ظلّ التوجه الأوروبي للبحث عن مصادر بديلة للغاز الروسي. لذلك وقّعت الجزائر مع موريتانيا، في 6 يونيو الجاري، اتفاقيات عدة بشأن المحروقات والغاز، يتعلق إحداها بإمكانية تركيب خط لنقل الغاز بين البلدين، في محاولة لتعويض أنبوب الغاز المغاربي.

4- توظيف موريتانيا للتنافس الجزائري المغربي لتحقيق مكاسب اقتصادية، حيث يَعتبر المغرب موريتانيا بمثابة بوابة الوصول إلى مجاله الحيوي الأفريقي، لذلك من المهم بالنسبة له تعزيز علاقات التعاون الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية مع نواكشوط لتيسير فعالية أكثر للمؤسسات الاقتصادية المغربية في الفضاء الأفريقي. بينما تعتبر الجزائر موريتانيا بمثابة بوابة الوصول إلى الأطلسي، وهي دولة تفتقر إلى الإمكانيات الاقتصادية والاجتماعية، وتحاول استغلال هذه الورقة لصالحها، كما تسعى الجزائر لزيادة استثماراتها في موريتانيا وغرب إفريقيا لمنافسة المغرب.

أما موريتانيا فتتخذ علاقات براجماتية مع الدولتين بالأساس، حيث تستفيد من تعميق الشراكة مع المغرب والجزائر على حد سواء، ولذلك تحاول الاستفادة من التوتر الجزائري المغربي في المجال الاقتصادي، ولا سيما بعد أن سارعت الجزائر إلى إقامة طرق برية وحدود بحرية لتعزيز العلاقات التجارية معها. كما أن موريتانيا لم تحقق الاكتفاء الذاتي في مجالات الطاقة والغاز، وهي تحاول استغلال الورقة الجزائرية لتحقيق هذا الاكتفاء. غير أن المغرب يبقى الوجهة المفضلة للموريتانيين بالنظر إلى القدرة التنافسية الهائلة للمغرب، وقرب موريتانيا الجغرافي منه.

خلاصة القول، تشهد نواكشوط زيارات مكثفة ومتعاقبة لوفود مغربية وجزائرية، لتعزيز التعاون على مختلف الأصعدة العسكرية والسياسية والتجارية، وهو ما يعكس رغبة البلدين في استمالة موريتانيا إزاء ملف الصحراء، فيما أبدت موريتانيا انفتاحها على الدولتين، وأكدت التزامها بالحياد تجاه الصراع بينهما. ويفسر هذا التنامي في التنافس المغربي-الجزائري بالتصعيد الدبلوماسي الجزائري ضد المغرب، والمخاوف الجزائرية من تأثير تزايد الدعم الأوروبي للمغرب على موقف موريتانيا إزاء الصحراء، والقلق الجزائري المتنامي من تنفيذ خط أنابيب الغاز (نيجيريا-المغرب-أوروبا)، وخاصة بعد موافقة نيجيريا على تنفيذ المشروع، ناهيك عن توظيف موريتانيا التنافس بين الجارتين لتحقيق مكاسب اقتصادية.