رسالة للخصوم:
لماذا تفكر أنقرة في شراء مقاتلات تايفون البريطانية؟

رسالة للخصوم:

لماذا تفكر أنقرة في شراء مقاتلات تايفون البريطانية؟



أعلنت مصادر تركية وتقارير صحفية، في يونيو الجاري، عن مباحثات بين أنقرة ولندن بشأن إمكانية حصول الأولى على عدد من طائرات “يوروفايتر تايفون”، وهي طائرة حربية متقدمة من الجيل الخامس يصنعها تحالف شركات من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، وتُستخدم بفاعلية في سلاح جو العديد من الدول حول العالم. وتصاعد الحديث عن شراء تركيا صفقة محتملة من مقاتلات “تايفون”، بسبب استمرار تصاعد الضغوط داخل الكونجرس الأمريكي لمنع تمرير طلب تركي بشراء 40 طائرة مقاتلة من طراز F16 وتحديث 80 وحدة أخرى.

تحركات لافتة

في سياق مساعي تركيا لتعزيز تعاونها الدفاعي مع بريطانيا، حرصت الأولى على تطوير حجم الاتصالات العسكرية والدفاعية مع لندن، وكان آخرها الزيارة الرسمية لوزير الدفاع البريطاني بصحبة وزيرة الخارجية إلى أنقرة في 23 يونيو الجاري، لمناقشة عددٍ من القضايا، في الصدارة منها “صفقة تايفون”. كما سبق هذه الخطوة، زيارة قائد القوات الجوية التركية الجنرال حسن كوتشوكاكويز إلى لندن في مايو الماضي، ولقاؤه نظيره البريطاني، فضلاً عن تفقده مقر الشركة الرئيسية المصنعة لطائرة “تايفون”، وهو ما عزز التكهنات حول رغبة أنقرة في امتلاك الطائرة. ويشار إلى أن تنامي الحديث عن شراء تركيا طائرات “تايفون” تزامن مع إعلان المملكة المتحدة مؤخراً رفع القيود التي كانت قد فرضتها على تصدير الأسلحة إلى تركيا في عام 2019 بعد العملية العسكرية التي أطلقتها أنقرة على شمال سوريا.

اعتبارات متنوعة

يأتي مسعى تركيا للحصول على مقاتلات “تايفون” البريطانية ارتباطاً برغبتها في تحقيق عدد من الأهداف الرئيسية، التي يمكن بيانها فيما يلي:

1- مواجهة التحركات الأمريكية المضادة: تستهدف تركيا بصورة أساسية من وراء تعزيز التعاون العسكري مع بريطانيا بشكل عام، وتمرير صفقة طائرات “تايفون” بشكل خاص في الوقت الحالي، الرد على التحركات الأمريكية المناهضة للمصالح التركية، ويأتي على رأسها استبعاد أنقرة من برنامج إنتاج مقاتلات F35، فضلاً عن معارضة بعض المشرّعين الأمريكيين، بينهم ديمقراطيون بارزون داخل الكونجرس ومجلس الشيوخ، بيع أنقرة مقاتلات F16، بدعوى استمرار صلات أنقرة بروسيا، ناهيك عن القلق حيال الملف الحقوقي في الداخل التركي. يُضاف لذلك أن تركيا تحاول توجيه رسالة ضمنية للجانب الأمريكي بأن استبعاد أنقرة من بعض البرامج العسكرية، واستمرار عقوبات واشنطن على قطاع الصناعات الدفاعية التركية منذ عام 2020؛ لن يثني الأخيرة عن تطوير قدرات سلاحها الجوي، والمضيّ قدماً في تنويع شراكاتها العسكرية.

2- دعم سياسة الضغوط التركية على الخصوم: يمكن اعتبار حرص تركيا على تعزيز تعاونها العسكري مع بريطانيا، والاتجاه نحو شراء مقاتلات “تايفون” المعروفة بقدراتها القتالية الهائلة، أداة من أدوات الضغط التي تتبعها تركيا على خصومها الإقليميين، وبخاصة اليونان وقبرص، وكلاهما يحظى بدعم عسكري أمريكي واسع، كشف عنه إقامة الجيش الأمريكي 9 قواعد عسكرية في اليونان، فضلاً عن توقيع أثينا وواشنطن عدداً من الاتفاقيات العسكرية والدفاعية، كان أبرزها الاتفاق في عام 2021 على تحديث الاتفاق الدفاعي الموقع بين البلدين عام 1990. كما أن ثمة قلقاً تركياً من التوسع الحادث في برامج التسليح الجوي لعدد من دول المنطقة، وبخاصة مصر وإسرائيل وعدد من دول الخليج.

في هذا السياق، وفي ظل تعثر حصول تركيا على المقاتلات الأمريكية من طراز “إف 35” أو “إف 16” مقابل تصاعد فرص اليونان ودول إقليمية أخرى للحصول على طائرات “إف 35” تتجه الحكومة التركية إلى تعزيز التعاون العسكري مع بريطانيا للحصول على طائرات “تايفون”، لضمان استمرار التفوق الاستراتيجي لسلاح الجو التركي في المنطقة، ولا سيما في ظل تصاعد الرفض الدولي للتحركات التركية شرق المتوسط للتنقيب عن الطاقة. ويُشار -في هذا الصدد- إلى أن التحركات التركية للحصول على مقاتلات “تايفون” البريطانية تتوازى مع تصاعد ضغوط خصوم أنقرة الإقليميين والدوليين على المصالح التركية في مناطق نفوذها.

3- الارتقاء بالمصالح البراجماتية مع بريطانيا: حرصت تركيا على تعزيز علاقاتها مع بريطانيا، خاصة بعد خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي، وظهر ذلك في توقيع البلدين اتفاقية للتجارة الحرة في ديسمبر 2020. كما تعتبر بريطانيا ثاني أهم شريك تجاري لتركيا في أوروبا بعد ألمانيا، بينما تُعتبر بريطانيا سابع أكبر شريك تجاري لتركيا. ويُشار إلى أن بريطانيا كانت الأكثر استثماراً في تركيا، حيث بلغت الاستثمارات البريطانية خلال الفترة 2002-2021 ما يقرب من 12 ملياراً و802 مليون دولار، ناهيك عن اتجاه الشركات البريطانية لتوسيع استثماراتها بتركيا، في قطاعات اقتصادية وخدمية متنوعة.

في المقابل، فإن البراجماتية تفرض على تركيا تعزيز التعاون مع بريطانيا خلال المرحلة الحالية، وبخاصة في قطاع الصناعات الدفاعية، إذ تحدثت مصادر تركية مختلفة طوال الأشهر الماضية عن خطط لتوسيع التعاون مع شركات دفاعية بريطانية بهدف تطوير محرك الطائرة الوطنية التركية من الجيل الخامس TF-X المنتجة محلياً. كما أصبح التعاون الدفاعي مع لندن أكثر إلحاحاً في هذا التوقيت بعد أن تسببت الحرب في أوكرانيا في تعثر خطط أنقرة التي كانت تعتمد في تطوير صناعة محركات مقاتلاتها المحلية على الاستفادة من خبرات الشركات الدفاعية الأوكرانية، غير أن الأخيرة تعرضت لانتكاسة كبيرة ودمار هائل تحت تأثير الضربات العسكرية الروسية للمصانع الدفاعية الأوكرانية.

4- تعزيز الحضور الداخلي لحزب العدالة والتنمية: لا ينفصل حرص تركيا على تعزيز تعاونها الدفاعي مع بريطانيا، وإمكانية الاستعانة بمقاتلات تايفون، عن رغبة النظام الحاكم التركي في تعويض التراجع الحادث في شعبيته بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية. في هذا السياق، يمثل دفع التعاون العسكري مع بريطانيا أولوية ملحة لتركيا، خاصةً أن المنتجات العسكرية البريطانية تحظى بحضور واسع في أوساط النخبة والمجتمع في تركيا، ناهيك عن أن احتمال حصول تركيا على مقاتلات “تايفون” البريطانية يمكن أن يُسهم في احتفاظ النظام التركي بحضوره الشعبي أوساط قواعده وأنصاره وشركائه القوميين والمحافظين، خاصة أن قطاعاً واسعاً منهم يدعو لانعطافة البلاد بعيداً عن واشنطن والاتحاد الأوروبي.

إتمام مؤجل

ختاماً، يمكن القول إنه على الرغم من إعلان تركيا إمكانية الحصول على مقاتلات “تايفون البريطانية، إلا أنه من غير المحتمل أن تمضي أنقرة نحو إتمام الصفقة في هذا التوقيت، لاعتبارات متنوعة، منها أن تركيا لا تزال تُبدي حرصاً على تطوير علاقاتها العسكرية مع واشنطن، كما أنه حال موافقة الكونجرس الأمريكي على بيع طائرات F16 لتركيا فمن المرجح أن تتراجع تركيا عن شراء “تايفون”.