تسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى فرض قيود على صادرات أو واردات إيران العسكرية، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في اقتراب موعد رفع الحظر الأممي المفروض على الصواريخ والمسيرات، وتطوير قدرات الجيش الإيراني، وتوسيع نطاق التعاون العسكري بين إيران وكل من روسيا وطاجيكستان، وتعرض الإدارة الأمريكية لانتقادات داخلية قوية بسبب سياستها تجاه إيران.
فما زالت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حريصة على اتخاذ مزيد من الإجراءات التي تسعى من خلالها إلى تقييد قدرة إيران على تطوير ترسانتها العسكرية على مختلف الأصعدة، وخاصة فيما يتعلق بالطائرات من دون طيار والصواريخ الباليستية والمقاتلات، في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر بين الطرفين، سواء نتيجة عدم الوصول إلى تسوية لأزمة الاتفاق النووي الإيراني، أو بسبب الدعم العسكري الإيراني لروسيا في الحرب ضد أوكرانيا، أو بسبب استمرار استهداف المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
إذ تعهد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في 20 أبريل الماضي، بعرقلة السعي الإيراني للانخراط في سوق الأسلحة، موجهاً اتهامات لإيران بـ”السعي إلى زعزعة الاستقرار”، وذلك في سياق تعقيبه على فرض حزمة جديدة من العقوبات من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، قبل ذلك بيوم واحد، واستهدفت بعض الشركات الدولية التي اتهمت بمساعدة إيران في الحصول على بعض المعدات المرتبطة ببرنامج المسيرات.
اعتبارات عديدة
يمكن تفسير اتجاه واشنطن إلى إعلان التزامها بعرقلة مساعي إيران إلى تطوير قدراتها العسكرية في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- قرب انتهاء الحظر الأممي على برنامج الصواريخ الباليستية: يقترب موعد رفع الحظر الأممي المفروض على إيران بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2231 الخاص ببرنامج الصواريخ الباليستية، والذي يتضمن منع الدول من نقل أو استلام صواريخ باليستية أو طائرات من دون طيار يزيد مداها على 300 كيلومتر وحمولتها عن 500 كيلوجرام. وينص القرار على أن هذا القيد سوف يتم رفعه في 18 أكتوبر 2023 بعد مرور ثماني سنوات من تاريخ اعتماد خطة العمل المشتركة، أو ما يسمى بـ”الاتفاق النووي” في 18 أكتوبر 2015.
وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن إيران حرصت على عدم نقل مسيرات إلى روسيا يزيد مداها على 300 كيلومتر لكي لا تتورط في انتهاك قرار مجلس الأمن على نحو كان من الممكن أن يدفع الدول الغربية إلى المطالبة بتفعيل ما يسمى بآلية “سناب باك” أو العودة التلقائية للعقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران قبل الوصول إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015.
ورغم أن أوكرانيا نفسها سبق أن حثت الدول الغربية على تبني هذه الخطوة، إلا أنها في النهاية لم تتمكن من تحقيق نتائج بارزة في هذا السياق، أولاً في ظل نجاح إيران في استغلال ما يمكن تسميته بـ”الثغرات” التي يعاني منها الاتفاق النووي، وثانياً في ظل عزوف الدول الغربية عن تعزيز فرص انهيار الاتفاق النووي الحالي الذي يعني المغامرة بمواجهة صراع عسكري جديد في منطقة الشرق الأوسط.
2- اتجاه إيران إلى تطوير قدراتها في مجال المسيرات: بدأت إيران في تطوير قدراتها بشكل كبير في مجال المسيرات تحديداً، حيث أشارت تقارير عديدة، في 5 فبراير الماضي، إلى أنها وقّعت اتفاقاً مع روسيا لبناء مصنع لإنتاج المسيرات الإيرانية في روسيا يمكنه أن ينتج آلاف الطائرات سنوياً. كما افتتحت إيران، في 17 مايو الماضي، مصنعاً لإنتاج طائرات “أبابيل 2” في طاجيكستان، بحضور رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقري ووزير الدفاع الطاجيكي شير علي ميرزا، وذلك في سياق رفع مستوى التعاون العسكري بين الدولتين.
ويعني ذلك أن إيران بدأت تستعد لتصدير طائراتها المسيرة إلى بعض دول الجوار، ولا سيما روسيا وعدداً من دول آسيا الوسطى، وتستعد في الوقت الحالي لرفع الحظر المفروض عليها في 18 أكتوبر القادم من أجل تحقيق هذا الهدف. وقد سبق أن أشار المستشار العسكري للمرشد الأعلى للجمهورية يحيى رحيم صفوي، في 18 أكتوبر 2022، إلى أن 22 دولة أرسلت طلبات إلى إيران لشراء المسيرات، من بينها أرمينيا والجزائر وصربيا وطاجيكستان. وكان لافتاً أن صفوي أدلى بهذا التصريح في 18 أكتوبر وهو تاريخ يوم اعتماد الاتفاق النووي ويوم رفع الحظر الخاص بالصواريخ والمسيرات.
3- تعزيز قدرات الجيش الإيراني في قطاع المسيرات: كان لافتاً أن الجيش الإيراني تمكن خلال الفترة الماضية من تعزيز قدراته العسكرية، وهو توجه كان يتعرض لقيود شديدة في مراحل سابقة نتيجة اعتراض الحرس الثوري على ذلك وحرص النظام على منح الأولوية لتطوير قدرات الأخير. وفي هذا الصدد، أعلن الجيش الإيراني، في 20 أبريل الجاري، أنه سيتم تزويده بما يزيد على 200 طائرة من دون طيار جديدة، تمتلك تقنيات عالية وقدرات صاروخية وأنظمة حرب إلكترونية، وأشار إلى أنه تم تصميم تلك المسيرات لأغراض الاستطلاع والهجوم، حيث يمكن أن تحمل صواريخ جو – جو، وجو – أرض، وقنابل بعيدة المدى.
وربما يكون لذلك تداعيات ليس فقط على تطوير قدرات الجيش الإيراني، وإنما على توسيع نطاق التعاون العسكري مع بعض الدول، خاصة أن الجيش هو الذي يقود مبادرات التعاون، وليس الحرس الثوري الذي تتمثل مهامه الرئيسية في إدارة العمليات الخارجية عبر المليشيات التي يقوم بتأسيسها وتدريبها في مناطق الصراعات. ويبدو ذلك جلياً في أن الجيش كان هو الرقم المهم في جهود تطوير العلاقات العسكرية مع روسيا وطاجيكستان عبر تدشين مصانع لإنتاج المسيرات في كلتا الدولتين.
4- استمرار استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة: يمثل التعهد الذي أعلنه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن نتيجة مباشرة للاستهداف المتكرر من جانب المليشيات الموالية لإيران للمصالح الأمريكية في كل من العراق وسوريا، وكان آخره الهجوم الذي تم شنه ضد قاعدة أمريكية في شمال سوريا في 9 أبريل الجاري. ورغم أنه لم تتضح بعد هوية الجهة التي نفذت الهجوم، وغيره من الهجمات السابقة، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية دائماً ما توجه اتهامات مباشرة وغير مباشرة إلى إيران بالمسؤولية عنها عبر منحها الضوء الأخضر للمليشيات الموالية لها للقيام بمثل تلك المهام.
5- تصاعد الضغوط الداخلية على إدارة بايدن: تتعرض إدارة الرئيس بايدن، الذي أعلن في 25 أبريل الجاري ترشحه رسمياً للانتخابات الرئاسية القادمة، لانتقادات وضغوط داخلية قوية، سواء من جانب الحزب الجمهوري، أو من قبل بعض نواب الحزب الديمقراطي. وتستند الاتجاهات التي تشن تلك الحملة إلى اعتبارات عديدة، منها أن الإجراءات التي تتخذها الإدارة الأمريكية لتقليص حدة التهديدات التي تفرضها الأنشطة الإيرانية سواء على المستوى الإقليمي أو على الصعيد العسكري والنووي، لم تنجح في دفع إيران إلى إجراء تغيير في سياساتها أو الاستجابة للضغوط التي تعرضت لها من أجل الوصول إلى اتفاق نووي جديد خلال المفاوضات التي أجريت في فيينا منذ أبريل 2021 وتعثرت في أغسطس 2022.
ومن هنا، فإن الإدارة تسعى في الوقت الحالي إلى تأكيد أن لديها من الخيارات ما تستطيع من خلاله تحجيم الطموحات النووية والإقليمية، أو على الأقل تقليص مستوى الخطوة الذي تمثله على المصالح الأمريكية في المنطقة.
رسالة مزدوجة
يمكن القول في النهاية إن هذه الاعتبارات في مجملها سوف تدفع الإدارة الأمريكية خلال المرحلة القادمة إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية التي تهدف من خلالها إلى توجيه رسالة مزدوجة إلى إيران والداخل الأمريكي. إذ إنها تستهدف تأكيد أن مُضيّ إيران قدماً في سياستها المتشددة الحالية سوف يفرض عليها مزيداً من الضغوط والعقوبات الأمريكية. كما أنها تسعى إلى استقطاب مزيد من الدعم الداخلي لسياستها قبل إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر 2024 والتي يسعى الرئيس بايدن إلى الفوز بولاية جديدة من خلالها.