محفزات متجددة:
لماذا تصاعدت أزمة الشرق في السودان؟

محفزات متجددة:

لماذا تصاعدت أزمة الشرق في السودان؟



لا تزال أزمة إقليم الشرق في السودان مصدراً لتهديد الاستقرار السياسي والأمني في السودان، وخاصة مع وجود بعض المؤشرات الدالة على إمكانية تجدد تصاعد أزمة إقليم شرق السودان وتطورها بشكل يؤثر سلباً على المساعي الخاصة بتسوية الأزمة السياسية الممتدة في البلاد منذ الانقلاب العسكري على السلطة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021.

مؤشرات هامة

من أبرز المؤشرات الهامة على إمكانية تجدد أزمة إقليم شرق السودان (البحر الأحمر – كسلا – القضارف) ما يلي:

1- تهديد السلطات السودانية بالتصعيد: في 18 ديسمبر 2022، أصدر المجلس الأعلى لنظارات البجا بياناً منح فيه السلطات الانتقالية بالعاصمة الخرطوم مهلة زمنية تُقدر بأسبوع واحد فقط للاستجابة لمطالب أهالي شرق السودان، وخاصة فيما يتعلق بمسار الشرق في اتفاق السلام النهائي، وفي حالة انتهاء هذه المهلة دون الاستجابة لهذه المطالب أو تحقيقها فسوف ينفذ مجلس البجا تهديداته بالإغلاق الكامل للإقليم، وذلك على غرار ما تم تنفيذه في شهر سبتمبر 2021 عندما قاموا بإغلاق ميناء بورتسودان وكافة الطرق المؤدية إليه، مما تسبب وقتها في أزمة اقتصادية وسياسية لم تستطع الحكومة الانتقالية برئاسة المستقيل “عبد الله حمدوك” في ذلك الوقت التعامل معها أو حلها.

2- تأسيس قوة عسكرية خاصة بالإقليم: حيث أعلن “سيد علي أبو آمنة” الأمين السياسي للمجلس الأعلى لنظارات البجا شرق السودان، في مؤتمر صحفي عقده بالخرطوم، في 18 ديسمبر الجاري، عن البدء في عملية تشكيل أو تأسيس قوة عسكرية بغرض توفير الحماية والدفاع عن حقوق أهالي شرق السودان ومطالبهم المرفوعة للسلطات الانتقالية، حيث أكد على أن تلك القوات ستظل قائمة إلى حين إقرار نظام الحكم الفيدرالي في البلاد. ويعد تأسيس هذه القوات مخالفاً لما نص عليه الاتفاق الإطاري الذي وقعه تحالف قوى الحرية والتغيير والجيش في 5 ديسمبر الجاري، والذي ينص على تشكيل جيش نظامي يضم قوات الدعم السريع وعناصر الجماعات المسلحة، وذلك بغرض إيجاد جيش سوداني موحد بهوية وعقيدة واحدة.

3- رفض الاتفاق الإطاري بين قوى الحرية والتغيير والجيش: أعلن مجلس نظارات البجا رفضه الاتفاق الإطاري الموقع بين قوى الحرية والتغيير والجيش في 5 ديسمبر الجاري، وإعلانه عدم المشاركة في أية تسوية سياسية لا تتضمن تنفيذ مُقررات مؤتمر “سنكات” للقضايا المصيرية.

مطالب محددة

تتمثل الأسباب الرئيسية وراء تهديد مجلس نظارات البجا الحالي بالتصعيد وتجديد الأزمة في إقليم شرق السودان، في عدد من المطالب التي لم تستجب لها السلطات السودانية، ومن أهمها ما يلي:

1- إلغاء مسار الشرق في اتفاق جوبا للسلام: يطالب مجلس نظارات البجا بإلغاء مسار الشرق المنصوص عليه في اتفاقية جوبا للسلام التي وُقعت بين الحكومة الانتقالية وفصائل مسلحة وأحزاب بأقاليم دارفور والنيل الأزرق وشرق السودان، وكان هذا هو أحد المطالب الرئيسية التي تم رفعها من قبل ولم تستجب السلطات لذلك حتى الآن، وهو ما دفعهم لتجديد المطالبة بما نص عليه مؤتمر “سنكات” الأول الذي تم عقده في شهر سبتمبر 2020، وتنفيذ مقررات مؤتمر “سنكات” الثاني الذي تم عقده في شهر أغسطس 2022 والذي نص على  إلغاء أو تجميد مسار شرق السودان في اتفاق جوبا للسلام، وإعلان منبر تفاوضي تشارك فيه كل الكيانات السياسية والأهلية بالشرق، وتوفير الضمانات الدولية لهذا المنبر.

2- تصاعد المطالبة بمنح الإقليم الاستقلال: طالب “محمد الأمين ترك” رئيس “المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المُستقلة”، بمنح الإقليم الشرقي استقلاله بسبب التجاهل المتعمد الذي يجده من الحكومة السودانية، متهماً بعض المسؤولين المكلفين بمتابعة قضية شرق السودان بالتدخل السافر فيها، ومحاولة خلق انقسامات داخل الإقليم، ومن ذلك محاولة إيجاد مؤيدين للاتفاق الإطاري الموقَّع مع قوى الحرية والتغيير، وهو ما يتناقض مع توجهات مجلس البجا، وذلك على غرار ما قامت به الحكومة من قبل بإيجاد مؤيدين لمسار الشرق المختلف عليه والمطالبين بإلغائه.

3- تهميش الإقليم على المستوى التنموي: يدعي “عبد الله أوبشار” مقرر مجلس البجا، أن السلطات الانتقالية في البلاد منذ الحكومة الانتقالية التي ترأسها “عبد الله حمدوك” قبل استقالته، وأيضاً الجيش، ليس لديهم استعداد للجلوس مع ممثلي الشرق والنظر في قضاياهم المثارة وتقديم الحلول الفاعلة لها، وهو ما سيدفعهم نحو التصعيد التدريجي، واتهامه لبعض المسؤولين الحكوميين باختطاف قضية الشرق وتوظيفها لتحقيق أجندة خاصة ببعض القوى السياسية، وأن أهل الشرق لن يسمحوا لأي من هذه القوى السياسية بتوظيف أزمة الشرق لصالح تحقيق مكاسب حزبية ضيقة. وفي هذا الإطار، يتهم مجلس نظارات البجا قوى الحرية والتغيير بالتعامل السطحي مع أزمة إقليم الشرق.

4- المطالبة بصلاحيات أكبر في مواجهة السلطة الانتقالية: من أبرز الأسباب التي يستند إليها مجلس نظارات البجا في تصعيده الحالي ضد السلطات الانتقالية، هو عدم استشارته في بعض المشروعات الاقتصادية والتنموية التي تنوي الحكومة الحالية القيام بها في الإقليم على ساحل البحر الأحمر، حيث يطالبون بالجلوس معهم والحصول على موافقة أهل الشرق أولاً قبل تنفيذ أي من هذه المشروعات التي سيتم تنفيذها، ومن أبرزها الاتجاه لإقامة ميناء “أبو عمامة” على ساحل البحر الأحمر باستثمارات إماراتية تقدر بحوالي 6 مليارات دولار من قبل تحالف إماراتي يضم “شركة موانئ أبوظبي” وشركة “إنفيكتوس للاستثمار” وتوقيعه اتفاقاً مع الحكومة السودانية في 13 ديسمبر الجاري لتطوير وإدارة وتشغيل الميناء والمنطقة الاقتصادية على البحر الأحمر عبر إقامة منطقة اقتصادية ومطار ومنطقة تجارية وأخرى زراعية. ورغم إعلان مجلس البجا ترحيبه بهذا المشروع، إلا أنه طالب بأن يتم تنفيذ هذا المشروع في ظل وجود حكومة وطنية منتخبة، وأن يتم عبر هيئة الموانئ البحرية، مبررين ذلك بألا تتضرر الموانئ الأخرى بالبلاد، كما دعا المجلس إلى مراجعة الأخطاء والطريقة التي تم بها عقد هذه الصفقة.

5- حل النزاعات العرقية والقبلية في مدن الشرق: يرى مجلس نظارات البجا أن السلطات الانتقالية غير قادرة على وقف الصراعات أو الاشتباكات القبلية المسلحة التي شهدتها بعض مدن إقليم الشرق خلال السنوات الأخيرة، وهو ما دفعه للمطالبة بدور أكبر للسلطات الانتقالية في هذا الخصوص، حيث يتهم بعض ممثلي مجلس البجا السلطات الانتقالية بتوظيف هذه الصراعات من أجل عدم تنفيذ المطالب التي يرفعها أهالي شرق السودان، أضف إلى ذلك عدم جدوى اتفاقيات الصلح التي تم إبرامها من قبل للحل الجذري لهذه الصراعات.

سيناريوهان محتملان

يُمكن الإشارة إلى بعض السيناريوهات المحتملة المرتبطة بإمكانية تجدد أزمة شرق السودان، وذلك على النحو التالي:

السيناريو الأول: التصعيد وإعادة إغلاق الإقليم، يرجح هذا السيناريو أن يلجأ مجلس نظارات البجا نحو تنفيذ تهديداتهم التصعيدية، وإغلاق الإقليم بشكل تدريجي من أجل زيادة الضغط على حكومة تصريف الأعمال الحالية، ويستند هذا السيناريو إلى بعض الاعتبارات، ومنها إعلان مجلس نظارات البجا رفضهم التعامل مع اللجنة العليا التي شكّلها مجلس السيادة الانتقالي برئاسة الجنرال “حميدتي”، ورفضهم أيضاً اتجاه الأخير لتنظيم مؤتمر أهل الإقليم خلال الفترة المقبلة، وأيضاً انشغال الجيش والقوى السياسية المدنية بمحاولة تمرير الاتفاق الإطاري الموقع لتسوية الأزمة السياسية الحالية، والذي يرفضه مجلس نظارات البجا الحالي بعد انشقاقه، كما توجد بعض الأطراف الداخلية الرافضة للاتفاق الإطاري أيضاً مثل حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية والتي قد تعمل على توظيف هذه الأزمة عبر الإيعاز لممثلي الشرق بمزيد من التصعيد لتحقيق مطالبهم المرفوعة من جهة، والضغط على الجيش وقوى الحرية والتغيير من جهة أخرى لتوسيع قاعدة المشاركة السياسية.

السيناريو الثاني: التهدئة وتعظيم المكاسب، يرجح هذا السيناريو أن تلجأ السلطات الانتقالية الحالية إلى محاولة احتواء تهديدات مجلس نظارات البجا، والعمل على تشكيل لجنة للتفاوض مع ممثلي الإقليم للنظر في إمكانية تنفيذ مطالبهم، خاصة وأن إغلاق الإقليم سوف يتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة تزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الوقت الحالي، فقد تسبب إغلاق شرق السودان في 2021 الذي استمر لأكثر من شهر، وشمل الموانئ الرئيسية في “بورتسودان” و”سواكن” والطرق والمعابر الرئيسية وخط أنابيب البترول في شلل حركة الاستيراد والتصدير، وهو ما انعكس سلباً على الأوضاع المعيشية للمواطنين، وقد يستجيب ممثلو الإقليم لمحاولات التهدئة، خاصة وأنهم يلجئون إلى التهديد بالتصعيد بغرض تعزيز موقفهم التفاوضي والحصول على مكاسب سياسية أكبر في المقام الأول، كما أن الانقسام الحالي داخل مجلس نظارات البجا بين أنصار “سيد علي أبو آمنة” وأنصار “محمد الأمين ترك” قد يؤثر على وحدة صف ومطالب ممثلي إقليم الشرق.

الخلاصة، ترجح المعطيات الراهنة أن تبقى كافة السيناريوهات المحتملة متاحة، في ظل حالة الإرباك وعدم الاستقرار الذي أصبح يتسم به المشهد السياسي في السودان، فرغم توقيع الاتفاق الإطاري لتسوية الأزمة السياسية الراهنة، إلا أن غياب التوافق السياسي اللازم لتنفيذه لا يزال عقبة رئيسية أمام تحقيق الاستقرار السياسي اللازم لحل القضايا والتحديات الداخلية وعلى رأسها أزمة شرق السودان.