توجه استراتيجي:
لماذا تسعى المغرب إلى تعزيز التحالف الأفروأطلسي؟

توجه استراتيجي:

لماذا تسعى المغرب إلى تعزيز التحالف الأفروأطلسي؟



تواصل الدول الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي عقد اجتماعاتها الوزارية، حيث استضافت العاصمة المغربية الرباط، في 12 يوليو الجاري، الاجتماع الوزاري الثالث بمشاركة 21 دولة أفريقية مطلة على المحيط الأطلسي. وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في كلمته أن “المصالح الحقيقية للمغرب ليست بعيدة عن المصالح الحقيقية لأفريقيا، والتي ذاتها لا تتعارض مع المصالح الحقيقية للمحيط الأطلسي، وأن هذه المصالح هي الأسس التي تتيح تجسيد رؤية حقيقية للجنوب”. ويأتي عقد هذا الاجتماع في سياق ظروف إقليمية ودولية تضفي أهمية خاصة على التعاون بين هذه الدول، لا سيما على المستويين الاقتصادي والأمني، في ضوء استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية، وتزايد تهديدات التنظيمات الإرهابية، وتصاعد ظاهرة الهجرة غير الشرعية.

دوافع عديدة

ثمة جملة من العوامل الاستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية التي تدفع المغرب نحو تعزيز الشراكة عبر هذا التكتل الأفروأطلسي، ومن أهمها:

1- تعزيز الدبلوماسية البحرية للرباط: تسعى المغرب إلى الاستفادة من موقعها الجغرافي المطل على المحيط الأطلسي في تعظيم مكاسبها الاقتصادية والاستراتيجية، حيث تمتلك المغرب مزايا استراتيجية كبيرة للغاية في المجال البحري. كما تُولِي المغرب اهتماماً متزايداً بتعزيز قدراتها في مجال الاقتصاد البحري، حيث اعتبرت أجندة الاتحاد الأفريقي 2063 أن البحار والمحيطات هي الحدود البحرية للنهضة الأفريقية، وتأتي على رأس المحركات الجديدة للنمو. وتعتبر المغرب أن المجال البحري هو بوابتها الأطلسية والمتوسطية، حيث ترتبط المغرب عبر شبكة الموانئ المغربية بعدد كبير من الموانئ العالمية.

2- تكريس التعاون الاقتصادي مع الدول الأطلسية: وخاصة في مجال الطاقة، لا سيما من خلال مشروع أنبوب الغاز المغربي – النيجيري الذي يربط دول غرب أفريقيا بالمغرب، حيث تبرز أهمية هذا المشروع ذي الهوية الأفريقية الأطلسية الموجه إلى السوق الأوروبية، كونه يمثل بديلاً استراتيجياً للغاز الروسي في الأسواق الأوروبية. وعلاوةً على ذلك، نوه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، خلال افتتاح الاجتماع الوزاري، إلى أن دول المحيط الأطلسي الأفريقية، رغم المزايا التي تتمتع بها، لا تستفيد سوى 4% فقط من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بالواجهة الأطلسية، في الوقت الذي تستفيد فيه الدول المطلة على المحيط من الضفة الشمالية بـ74%، مشيراً إلى أن “الدفاع بصوت واحد عن المصالح الاستراتيجية للقارة، هو السبيل الوحيد لحصد ثمار هذا الفضاء الواعد بالفرص، ذلك أن أفريقيا الأطلسية تمتلك كل شيء تقريباً لتكون منطقة سلام واستقرار وازدهار”.

3- توسيع الشراكة الأمنية مع حلف الناتو: تحاول المغرب من وراء إطلاق مبادرتها الأفروأطلسية، في 8 يونيو 2022، أن تمارس دورها كشريك أمني لحلف الناتو في شمال وغرب أفريقيا، حيث اعتبر الناتو أن المغرب وموريتانيا شريكان متميزان لحلف الناتو في أفريقيا. ومن هنا، تسعى المغرب إلى دفع مبادرتها لتشكيل تكتل أفريقي-أطلسي، حيث تعد حلقة وصل بين الدول الأفريقية والدول المطلة على المحيط الأطلسي، واستثمار الموقع الجغرافي المتميز لتعزيز التعاون الأمني مع حلف الناتو، والذي يسعى إلى حماية مصالحه على الحدود الجنوبية للحلف، وخاصة مع تزايد التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.

4- توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية: تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أول من أطلق فكرة تشكيل “ناتو أفريقي” يضم تحالف الدول الأعضاء في الحلف مع الدول الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، مما يعني أن ثمة تنسيقاً أمريكياً-مغربياً لإطلاق هذا المشروع الأمني في المنطقة، خاصة أن إطلاق المغرب لهذه المبادرة الأفروأطلسية جاء عقب اندلاع الحرب الروسية–الأوكرانية في 24 فبراير 2022، وانشغال الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين وحلف الناتو بمواجهة التداعيات والمخاطر المحتملة لاتساع رقعة هذه الحرب لتشمل دولاً أوروبية، فضلاً عن تنامي النفوذ الروسي في بعض المناطق الاستراتيجية الهامة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، ولا سيما في منطقة غرب أفريقيا والساحل والصحراء، بينما تواجه الدول الأوروبية تحديات كبيرة لترسيخ وجودها في هذه المناطق.

تحديات محتملة

يواجه المشروع الأفروأطلسي، برغم الدعم الأمريكي والأوروبي، العديد من التحديات، التي يمكن إيجازها في التالي:

1- الصراعات والخلافات السياسية البينية: لا تتبنى الدول الأفريقية سياسة واحدة إزاء اتجاهات وأنماط العلاقات مع القوى الدولية. إذ لا تزال بعض الدول الأفريقية تدعم فكرة التعاون مع الصين، ودول أخرى تؤيد خيار تعزيز العلاقات مع روسيا في مواجهة الدول الأوروبية، ودول ثالثة تدعم فكرة التحالف مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية مثل النيجر. وبلا شك، فإن هذه الفجوة والخلافات السياسية لا تزال تعوق بناء تكتل أفريقي أطلسي متماسك، غير أن المصالح الاقتصادية للدول الأفريقية وخاصة الدول المنضمة إلى مشروع أنبوب الغاز المغرب – نيجيريا، يمكن أن تكون مُحفزاً لتعزيز روابطها مع المغرب والدول الأوروبية التي تسعى للحصول على مصادر طاقة بديلة للنفط الروسي.

2- الوجود الروسي في الساحل والصحراء: رغم التكلفة الاقتصادية والسياسية والبشرية التي تتحملها روسيا جراء استمرارها في الحرب في أوكرانيا، لكنها مع ذلك لا تزال تعزز من وجودها في غرب أفريقيا والساحل والصحراء، ولا تزال تملك الكثير من الأوراق للضغط على بعض النظم في المنطقة، وهو ما يمثل تحدياً أمام المشروع الأفروأطلسي، الذي يسعى إلى تطويق الوجود الروسي في المنطقة، خاصة أن الدبلوماسية الروسية لا تزال تحظى بدعم بعض القطاعات والتجمعات المدنية والسياسية في هذه الدول. وقد كان لافتاً في هذا السياق، أن تقارير عديدة أشارت إلى أن عناصر من مجموعة “فاجنر” الروسية وصلت إلى أفريقيا الوسطى، في 15 يوليو الجاري، وذلك للمساعدة في ضمان الأمن داخل الأخيرة خلال الاستفتاء الذي سوف يجرى في 30 من الشهر نفسه.

3- التحركات الصينية في الدول الأفريقية الأطلسية: تعمل الصين على تعزيز وجودها البحري والاقتصادي في الدول الأفريقية، وترتبط العديد من هذه الدول باتفاقات أمنية ولوجستية مع الأولى، التي لا تزال تقدم حوافز اقتصادية ومالية للثانية لبناء قواعد عسكرية في المنطقة، على غرار القاعدة التي يتم بناءها في غينيا الاستوائية، فضلاً عن برنامجها العسكري لتدريب القوات الأفريقية، وهو ما يعني أن الصين لا تزال تمثل تحدياً للمشروع الأفروأطلسي.

محور استقطاب

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن الدول الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي سوف تتعرض، خلال المرحلة القادمة، لضغوط متبادلة من جانب القوى الدولية، التي سوف تسعى إلى استقطابها لتأييد سياساتها ومواقفها إزاء الملفات الخلافية المختلفة، وهو توجه يبدو أنه سوف يتصاعد في ظل استمرار الحرب الروسية–الأوكرانية واتساع نطاق التوتر الأمريكي–الصيني حول ملف تايوان.