أزمات متلاحقة:
لماذا تراجع تيار الإسلام السياسي في المنطقة العربية؟

أزمات متلاحقة:

لماذا تراجع تيار الإسلام السياسي في المنطقة العربية؟



أعاد تراجع حزب العدالة والتنمية بعد الانتخابات البرلمانية بالمغرب، الحديث بشأن مدى تعرض تيار الإسلام السياسي، بتنوعاته المختلفة، في المنطقة العربية لانتكاسات كبيرة خلال السنوات الأخيرة؛ حيث شكّلت لحظة الإطاحة بحكم جماعة الإخوان في مصر في 30 يونيو 2013 نقطة تحول جوهرية في التنظيم، فالأمر لم يقتصر على فقدان السلطة، ولكنه ارتبط بخلق سياقات مأزومة للتنظيم، حيث تصاعدت حدة الخلافات الداخلية بين مكونات التنظيم، ونشأت تيارات متصارعة حول كيفية إدارة شؤون الجماعة، والتعامل مع مرحلة الخروج من السلطة، ناهيك عن المشكلات الأخلاقية التي لاحقت أعضاء الجماعة.

وفيما كان التنظيم الرئيسي للجماعة يواجه تعقيدات متزايدة داخل تركيا، كانت التنظيمات الأخرى، المحسوبة على الجماعة، تعايش العديد من الأزمات، ربما تجلت أبرز ملامحها في حالة التململ المجتمعي من أداء هذه التنظيمات، وخصوصاً مع تداخل بعض هذه القوى في مشهد السلطة السياسية ومؤسسات الحكم، وهو ما كشف عنه تراجع إخوان المغرب إلى المرتبة الثامنة في الانتخابات التشريعية الماضية، فضلاً عن الدعم المجتمعي الواضح لبعض الإجراءات، على غرار الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي “قيس سعيد” في يوليو الماضي، التي من شأنها تقييد نفوذ بعض قوى الإسلام السياسي.

ربما كانت السمة الرئيسية لمشهد الإسلام السياسي في المنطقة في السنوات الأخيرة هي تلاحق الأزمات، خصوصاً بعد انتهاء تجربة جماعة الإخوان في مصر. ومع انتقال عدد كبير من أعضاء وقيادات التنظيم إلى تركيا تزايدت أزمات التنظيم، ولا سيما مع تصاعد الخلافات بين أعضاء الجماعة حول كيفية إدارة الجماعة، واعتراض البعض على تولي “إبراهيم منير” قيادة التنظيم، حتى إن مكتب إرشاد الجماعة أصدر بياناً، في أغسطس 2020، اعترف فيه بوجود خلافات شديدة بين أعضاء الجماعة، وأكد البيان أن “الجماعة تحاول جاهدة لمّ شتات أعضائها من الضياع”. وأضاف البيان أن “الخلافات الحالية قد تتحول إلى فتنة بين الأعضاء”. كما تزايدت التعقيدات التي تواجهها الجماعة بعد التحولات الأخيرة في السياسة الخارجية التركية، والسعي إلى تقليل التوترات مع دول الإقليم.

لحظة كاشفة

لم تكن الأزمات التي واجهها تنظيم الإخوان استثناء في مشهد الإسلام السياسي بالمنطقة، فقد تعرضت حركة النهضة التونسية لأزمات متتالية، سواء على المستوى الداخلي أو حتى على المستوى الخارجي في ظل تراجع التأييد المجتمعي لها مع الأزمات الاقتصادية المتصاعدة التي يشهدها المجتمع التونسي. وجاءت قرارات الرئيس التونسي “قيس سعيد”، في يوليو الماضي، بشأن تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وإعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي، لتعمق من أزمة حركة النهضة، وتكشف تراجع الحاضنة المجتمعية لها.

لقد كانت الانتخابات هي الأخرى لحظة كاشفة لمكوّنات الإسلام السياسي بالمنطقة، حيث تعرض العديد من ممثلي التيار لانتكاسات سياسية كبيرة. فعلى سبيل المثال، لم يُحقق حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي لجماعة الإخوان في الأردن) مكاسب سياسية في الانتخابات التشريعية التي جرت في نوفمبر 2020، إذ حصد التحالف الوطني للإصلاح، الذي يقوده حزب جبهة العمل الإسلامي، ثمانية مقاعد في البرلمان، وذلك بعد أن كان يسيطر على 16 مقعداً في البرلمان السابق. كما تعرض حزب العدالة والتنمية، المعبر عن تيار الإسلام السياسي في المغرب، لهزيمة كبيرة في الانتخابات التشريعية التي جرت في سبتمبر الجاري، حيث حصل الحزب على 13 مقعداً بعدما كان حاصلاً على 125 في الانتخابات السابقة عام 2016.

عوامل مؤثرة

ارتبط مسار تراجع تيار الإسلام السياسي في المنطقة العربية بعدد من العوامل الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- الصدام مع القيادة التنظيمية، وهو أمر كان له تأثير كبير على درجة تماسك تنظيمات التيار الإسلامي، وكان النموذج الأهم في هذا الإطار تنظيم الإخوان بعد تولي “إبراهيم منير” قيادة التنظيم، فثمة قطاع واسع داخل الجماعة يتهم قيادات التنظيم بعدم الكفاءة وسوء الإدارة، وتبني نهج سلطوي يعمل على إقصاء كل الآراء والتوجهات المخالفة لرؤية هذه القيادات. ولعل هذا ما دفع القيادي الإخواني “عصام تليمة” إلى الهجوم على قيادات الجماعة، حيث روج “تليمة” في أكثر من تسجيل فيديو لوجود لجان إلكترونية تمولها القيادات التاريخية الحاكمة للجماعة، تستهدف كل صوت يعارض الجبهة الحاكمة الحالية. وفي هذا السياق، أرجع “عصام تليمة”، في تسجيل له على اليوتيوب في إبريل 2020، تقديم استقالته من جماعة الإخوان إلى قناعته بأن “قيادة التنظيم غير مؤهلة للقيادة”، وأضاف أنه “لم يبقَ من القيادات الحالية على الإطلاق ما يمكن وصفه بقيادات تاريخية، وأن هذه القيادات تفتقر إلى الرشد والحكمة وتعاني سوء الإدارة”.

وفي السياق ذاته، تعرضت قيادة حركة النهضة التونسية لانتقادات حادة نتيجة لمعارضة طريقة إدارة “راشد الغنوشي” للحركة، واستمراره في قيادة الحركة بالرغم من المطالب المتزايدة بابتعاده عن قيادة الحركة. فثمة تيار داخل الحركة يرفض بقاء “الغنوشي” رئيساً للحركة، وعبر هذا التيار عن موقفه من خلال رسالة المائة قيادي في الحركة، والتي تطالب “الغنوشي” بالإعلان الفوري عن عدم نيته الترشح مجدداً لرئاسة النهضة.

وقاد حملة معارضة بقاء “الغنوشي” رئيساً لحركة النهضة، عدد من القياديين البارزين بالحركة، أهمهم: عبداللطيف المكي، وسمير ديلو. وتزايدت المعارضة للغنوشي مؤخراً بعد القرارات التي اتّخذها الرئيس التونسي “قيس سعيد”، في يوليو الماضي، بتجميد عمل البرلمان. ووفقاً لعدد من التقارير طالب قيادات بارزة في الحركة، في مقدمتهم “سمير ديلو” و”عبداللطيف المكي”، بإقالة “الغنوشي”، وتحمل الحركة مسؤوليتها عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في تونس.

2- تزايد حدة الانشقاقات الداخلية، وهي السمة الغالبة لمكونات تيار الإسلام السياسي في السنوات الأخيرة، فقد تداخل في مشهد الصدام مع قيادات التنظيم في جماعة الإخوان صراع جيلي، وهو الصراع الذي اكتسب أبعاداً جديدة بعد انتهاء تجربة الإخوان، حيث عارض قطاع واسع من الشباب طريقة إدارة شيوخ الإخوان للجماعة، والجمود الذي يهمين على طريقة تفكير الأجيال القديمة في الجماعة. وعمّق من هذا الصراع بين الأجيال القديمة والشباب طريقة تعامل القيادات مع الشباب المعارضين لطريقة إدارة التنظيم، وقطع التمويل عنهم، والاعتماد على أسلوب الاغتيال المعنوي في التعامل مع الشباب، عبر الترويج للشائعات ضدهم، واتهامهم بشق الصف، والتطاول على القائم بعمل المرشد، والقيادات المسؤولة، والانحراف الأخلاقي.

وفي هذا السياق، لجأت مجموعات شبابية إلى الخروج المباشر من الجماعة وتشكيل كيانات بديلة، ومن النماذج على ذلك البيان الذي أصدرته مجموعة شبابية، في 21 أغسطس 2020، عبر عدة منصات إعلامية، للإعلان عن انفصالهم عن التنظيم لتأسيس تيار المستقبل (الحركة المستقلة)، وبررت المجموعة هذا الانفصال بخيبة الأمل من سياسات الإخوان.

كما أفضت الأزمات التي واجهتها حركة النهضة التونسية، والخلافات مع طريقة إدارة “راشد الغنوشي” للحركة، إلى تنامي التوجهات الانفصالية عن الحركة، واستقالة عددٍ من القيادات من الحركة، مثل “عبدالحميد الجلاصي”، أحد أبرز القيادات التاريخية في حركة النهضة، و”آمنة الدريدي”، و”لطفي زيتون” الذي كان المستشار السياسي السابق لراشد الغنوشي، وأحد المقربين من رئيس حركة النهضة “الغنوشي”.

وظهر عامل الانشقاق الداخلي في حالة جماعة الإخوان في ليبيا، وكذلك حزب العدالة والتنمية المغربي، حيث شهدت جماعة الإخوان في ليبيا انشقاقات عديدة خلال السنوات الأخيرة. فعلى سبيل المثال، أعلنت قيادات الجماعة في مدينة الزاوية، في أغسطس 2020، استقالتها الجماعية، وحل فرع التنظيم في المدينة. وفي أكتوبر من العام ذاته، أعلن فرع مصراتة حل نفسه، وإقفال مكاتبه. وفي شهر يوليو الماضي، قدم عدد من القيادات التنفيذية في حزب العدالة والبناء (الذراع السياسية لجماعة الإخوان في ليبيا) استقالاتهم، وكان من ضمن المستقيلين الناطقة باسم الحزب “سميرة العزابي”، التي كانت تتولى كذلك منصب نائب رئيس الحزب لشؤون المرأة والشباب، التي ذكرت أن استقالتها من منصبها ومن كافة المهام الموكلة إليها بسبب خلافها مع قيادة الحزب الجديدة التي انتخبت مؤخراً، في الرؤى والأهداف.

تكرر هذا المشهد مع حزب العدالة والتنمية المغربي، وخصوصاً مع الخلافات مع “سعد الدين العثماني” الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة المغربية السابق، إذ تعرض الحزب لموجات من الاستقالات مثل تلك التي جرت في أغسطس 2021، حيث تقدّم أكثر من أربعين عضواً في الحزب باستقالتهم من بينهم مستشارون جماعيون وقياديون بالاتحاد الوطني للشغل، ووجوه فاعلة في حركة التوحيد والإصلاح (الذراع الدعوية للحزب) وذلك على خلفية التوترات الداخلية التي يشهدها الحزب. كما أفضت نتيجة الانتخابات التشريعية الأخيرة إلى إعلان الأمانة العامة للحزب تقديم أعضائها، وعلى رأسهم الأمين العام “سعد الدين العثماني”، استقالتهم من الأمانة العامة.

3- تآكل الحاضنة المجتمعية، حيث يطرح الخطاب التأسيسي لتيار الإسلام السياسي مفهوم العمل الاجتماعي كإحدى الركائز الأساسية للتيار، وظلت هذه الفكرة الأولية المحرك الرئيسي لجماعة الإخوان وغيرها من قوى الإسلام السياسي في المنطقة طيلة السنوات التي سبقت ما عُرف بالربيع العربي، في محاولة منها لإيجاد غطاء مجتمعي يمكن الاستناد إليه في خضم الضغوط التي تتعرض لها من الأنظمة الحاكمة، فضلاً عما أفضى إليه هذا الغطاء المجتمعي من وصول الإخوان للسلطة في مرحلة ما بعد “الربيع العربي”.

ولكن بمرور الوقت، كانت شبكات الدعم المجتمعي التي يحظى بها تيار الإسلام السياسي تتعرض للتآكل، لتنكشف حالة الضعف التي يعاني منها التيار، فالجماهير التي أيدت ممثلي التيار في بادئ الأمر، وأتت بهم إلى السلطة، هي التي لعبت الدور الرئيسي في إسقاطهم. وفي أكثر من دولة تكرس في المخيال الجماعي أن التيار الإسلامي يتحمل مسؤولية كبيرة عما آلت إليه الأوضاع في المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة.

وساعد على هذا التراجع في الدعم المجتمعي لتيار الإسلام السياسي، طريقة تعاطي ممثلي التيار مع السلطة. صحيح أن الشبكات المجتمعية أعطت للتيار قبولاً جماهيرياً عشية إسقاط الأنظمة الحاكمة، عام 2011، ولكنها أيضاً مثّلت عبئاً حقيقياً على قوى الإسلام السياسي لم تتنبه له عندما وصلت للحكم في بعض الدول، فقوى التيار اعتقدت أنه يمكن تسيير شؤون الحكم بنفس منطق العمل الاجتماعي الذي كانت تجيده طيلة تواجدها في مقاعد المعارضة، وهو ما أدى إلى مأزق. فهي من ناحية لم تتمكن من إدارة الدولة بملفاتها الأكثر تعقيداً وتشابكاً. ومن ناحية أخرى، كانت القواعد الشعبية تتوقع الكثير من حكم تيار الإسلام السياسي، ولكنها اكتشفت أن السلطة تتجاوز إمكانات التيار. وبمرور الوقت تزايد السخط المجتمعي تجاهها، وبدا أن رأس المال الاجتماعي للتيار يتآكل بوتيرة متسارعة لم تسمح لقيادات التيار بإعادة النظر في أخطائها أو حتى قراءة الواقع بصورة أكثر دقة.

4- استدارة نسبية في السياسة التركية، وهو عامل ساهم -بشكل أو بآخر- في مضاعفة الضغوط المفروضة على تيار الإسلام السياسي، فقد ظلت أنقرة حليفاً رئيسياً للتيار، ووفرت لعناصره ملاذات بديلة. ولكن مع التحولات الجارية في السياسة الخارجية التركية، والسعي لتهدئة التوترات مع الدول الأخرى بالمنطقة، أصبح مستقبل تيار الإسلام السياسي في المنطقة محفوفاً بتحديات عديدة، فالنظام التركي فرض قيودا عديدة على النشاط الإعلامي لجماعة الإخوان في تركيا، على النحو الذي أفقد التنظيم أداة هامة من أدواته.

كما أفضت التغيرات الأخيرة في السياسة الخارجية إلى تصدير المزيد من الأزمات إلى جماعة الإخوان، حيث تخوف شباب الإخوان من عقد قيادات الجماعة صفقة مع النظام التركي لتسليم بعض العناصر الإخوانية المتورطة في قضايا والمطلوبة لسلطات دولهم، كنوع من إرضاء أنقرة، ولكن في حال تحقق مثل هذا الأمر فسيكون من المرجح أن يتم ترحيل الشباب الذين لا يحظون بدعم من قيادات الجماعة، أو بمعنى آخر غير المرضي عنهم من قبل القيادات.

ومع تنامي الحديث داخل صفوف جماعة الإخوان عن ضرورة البحث عن ملاذات بديلة لتركيا، يُرجَّح أن تتزايد الانقسامات الهائلة داخل الجماعة خلال الفترة القادمة، ويُسهم في إضعافها بصورة أكبر، فأفراد الجماعة من ذوي الثروات الكبيرة أو العلاقات السياسية ستكون لديهم فرصة أكبر في الرحيل عن تركيا، بينما سيقع العبء الأكبر على أعضاء الجماعة من الشباب ذوي المراتب المنخفضة والمتوسطة، لأن العديد منهم يملكون جوازات سفر منتهية الصلاحية، ويعيشون في تركيا بتأشيرات مدتها عام واحد.

مسارات المستقبل

تُعزز المعطيات الراهنة من مأزق تيار الإسلام السياسي، وهو أمر سيكون من الصعب على مكونات التيار التعافي منه سريعاً، ولذا قد تلجأ قوى الإسلام السياسي إلى عدد من الآليات لتقليل خسائرها. فهي من جهة، ستعمل -في الفترة القادمة- على امتصاص حالة الاستياء المجتمعي من سياساتها بهدف تخفيف الضغوط عليها، ولعل هذا ما تحاول حركة النهضة القيام به في الوقت الراهن، فبعد القرارات التي اتخذها الرئيس التونسي في يوليو الماضي، أصدرت حركة النهضة التونسية الخميس بياناً إثر انعقاد مجلس الشورى للحركة، يوم 5 أغسطس 2021، قالت فيه إنه من الضروري القيام بـنقد ذاتي معمق لسياساتها في المرحلة الماضية، والقيام بالمراجعات الضرورية، وتجديد برامجها وإطاراتها. وأضاف البيان أن الحركة “تتفهّم الغضب الشعبي المتنامي، خاصة في أوساط الشباب، بسبب الإخفاق الاقتصادي والاجتماعي بعد عشر سنوات من الثورة. وتحميل الطبقة السياسية برمتها، كل من موقعه، وبحسب حجم مشاركته في المشهد السياسي، مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، ودعوتهم إلى الاعتراف والعمل على تصحيح الأداء والاعتذار عن الأخطاء”.

ومن جهة ثانية، يُحتمل أن تحاول قوى الإسلام السياسي إعادة ترميم شبكاتها الاجتماعية، بهدف إعادة بناء رأس مالها الاجتماعي الذي تضرر كثيراً في السنوات الأخيرة بفعل انخراطها المتزايد في الشأن السياسي، وذلك على النحو الذي يُعيد الاعتبار للفرضية التي طرحها “ناثان براون”، في كتابه “المشاركة لا المغالبة.. الحركات الإسلامية والسياسة في العالم العربي”، ووصفه لحركات الإسلامية كحركات أنبوبية عندما تتعرض للضغوط تبحث عن فضاءات أخرى للتمدد والتواجد، ومن ثم فإن تراجع المساحة السياسية أمام هذه الحركات، يدفعها نحو البحث عن بدائل عبر التغلغل في المجتمع وإقامة شبكات مجتمعية داعمة لها.

لا يمكن إغفال أن هذه المعطيات تُفسر دوافع إعلان جماعة الإخوان في ليبيا، في مايو الماضي، الانتقال التنظيمي إلى جمعية أهلية تحت مسمى الإحياء والتجديد، وهو قرار يعكس رغبة الجماعة في تخفيف الضغوط المفروضة عليها في ظل التحولات التي تشهدها الساحة السياسية الليبية، بالإضافة إلى التخوف من تداعيات التغيرات الأخيرة في السياسة الخارجية التركية.

ومن جهة ثالثة، يُحتمل أن تلجأ بعض قوى الإسلام السياسي إلى تخفيف العلاقات الرسمية مع التنظيمات الموالية، وهو الأمر المتصل بالطابع البراجماتي لهذه القوى، ولعل النموذج الأبرز على ذلك حالة حزب التجمع اليمني للإصلاح، المحسوب على جماعة الإخوان، فالحزب حرص على التأكيد على أن مواقفه منفصلة عن مواقف الأذرع الأخرى لجماعة الإخوان بالمنطقة، وأنه لا تربطه أي علاقة تنظيمية أو سياسية بتنظيم الإخوان. وحاول حزب الإصلاح تقديم نفسه كحليف للسعودية وداعم لها في الصراع اليمني. فعلى سبيل المثال، أشار المتحدث باسم الحزب “عدنان العديني”، في حوار مع صحيفة “الشرق الأوسط” في يوليو 2020، إلى أن “الإصلاح منذ تأسيسه هو الحزب الوحيد الذي أفرد في نظامه السياسي مادة مستقلة تؤكد على أهمية تعزيز العلاقات بين اليمن والمملكة وضرورة التكامل بين البلدين، وهذا الاستثناء الذي يؤمن به الإصلاح ويعمل عليه نابع من الطبيعة الاستثنائية للعلاقة بين اليمن والسعودية وحجم التداخلات والمصالح والأواصر بين شعب اليمن وشعب المملكة. فعلاقة حزبنا وشعبنا بالمملكة العربية السعودية هي علاقة تاريخية متجذرة وصلبة أكثر من أي بلد وشعب آخر”.