دوافع مختلفة:
لماذا تحرص تركيا على تطوير منظومة دفاعية محلية؟

دوافع مختلفة:

لماذا تحرص تركيا على تطوير منظومة دفاعية محلية؟



تتعدد التفسيرات بشأن حرص تركيا على تطوير المنظومة الدفاعية المحلية، ومنها تجاوز الضغوط الغربية التي تتعرض لها بين الحين والأخر، وكذلك وجود مخاوف متصاعدة لدى أنقرة من حدوث توتر في العلاقة مع موسكو في ظل اتساع الخلاف بين البلدين حيال الأزمة الأوكرانية. فضلا عن تعزيز موقع تركيا على خريطة الصناعات الدفاعية الدولية، ومواكبة التطور العسكري للخصوم الإقليميين لها وفي المناطق القريبة منها، ولا سيما مع اتجاه اليونان نحو توقيع اتفاقيات دفاعية مع باريس وواشنطن خلال نهاية العام الماضي، واتجاه إيران نحو تطوير قدراتها الصاروخية. كما تمثل المنظومة رسالة للداخل يمكن توظيفها في عملية التعبئة والحشد لمصلحة الحزب الحاكم.

فتركيا تبذل جهوداً حثيثة لإنتاج منظومة دفاعية وطنية، لموازنة الضغوط الغربية التي تتعرض لها بعد حصولها على منظومة الدفاع الصاروخية الروسية S400. في المقابل، فإن تلك الخطوة لا تنفصل عن الخلافات المحتملة مع موسكو بسبب اصطفاف أنقرة إلى جانب أوكرانيا، وإعلان الرئيس رجب طيب أردوغان عشية زيارته للعاصمة الأوكرانية كييف في 3 فبراير الحالي، عن دعم بلاده لسيادة ووحدة الأراضي الأوكرانية بما في ذلك شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في عام 2014، وهو الأمر الذي قد يترتب عليه زيادة الغضب الروسي ضدها.

تطور مستمر

كشفت تجربة إنتاج منظومة دفاعية محلية في تركيا عن التطور الحادث في بنية الصناعات الدفاعية، التي باتت تلبي 70 في المائة من متطلباتها العسكرية، الأمر الذي جعلها أكثر قدرة على مواجهة حظر الأسلحة، ومكنها من تعزيز صادراتها في أسواق السلاح العالمية ناهيك عن تخفيف الضغوط التي واجهتها تركيا بسبب فرض الدول الغربية حظر على تصدير السلاح إلى تركيا، وكان آخرها في أكتوبر 2019 عشية عملية نبع السلام التي أطلقتها تركيا في الداخل السوري.

في المقابل نجحت تركيا في قطع أشواط على صعيد إنتاج منظومة الدفاع الوطنية “سيبار”،وتتولى شركات أسيلسان وروكيتسان وتوبيتاك التركية تنفيذ مشروع الصاروخ “سيبار” بالشراكة. والأرجح أن نظام “سيبار” قد يحقق اختراقا لافتا، فهو مزود برادار الإنذار المبكر الذي طورته شركة أسيلسان التركية للصناعات الدفاعية.

يمكن تفسير إقدام تركيا على تطوير منظومة دفاعية محلية الصنع، في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها فيما يلي:

ضغوط الغرب

1- إصلاح العلاقة مع الغرب: تسعى تركيا للاستثمار في إنتاج منظومة دفاعية محلية لتجاوز القضايا الخلافية مع دول حلف الناتو، وفي الصدارة منها الولايات المتحدة التي تعارض حصول تركيا على منظومة الدفاع الروسية S400، وبسببها استبعدت أنقرة من برنامج إنتاج مقالات F35. وتعي تركيا أهمية العلاقات مع القوى الغربية، وبالتالي يمثل إنتاج منظومة دفاعية محلية يمكن الاستعانة فيها بخبرة أمريكية وأوربية، فرصة لإعادة التأكيد على مركزية أنقرة في إستراتيجية الولايات المتحدة وحلف الناتو، وذلك بعدما تسببت سياسات تركيا الإقليمية، وحصولها على منظومة دفاعية روسية، في توتر علاقاتها بالقوى الغربية وخروج أصوات منادية بطرد تركيا من الناتو.

وتراهن تركيا على أن إنتاج منظومة دفاعية محلية سيؤدي لتحسين علاقاتها بالولايات المتحدة وتعزيز مساحات التعاون في البرامج العسكرية، وتوفير بيئة مغايرة لإعادة عودة تركيا إلى برنامج مقاتلات F35، وكذلك تقليص الضغوط داخل الكونجرس الأمريكي أو على الأقل تحييدها بشأن حصول تركيا على مقاتلات F16.

خلاف موسكو

2- لجم الغضب الروسي: رغم أن موسكو ما زالت حريصة على استمرار التعاون العسكري في أنقرة، وموافقتها على تسليم دفعة جديدة من منظومة إس 400 للحكومة التركية، إلا أن ثمة مخاوف تركية متصاعدة من حدوث توتر في العلاقة مع موسكو في ظل اتساع الخلاف بين البلدين حيال الأزمة الأوكرانية، وتحذير موسكو للرئيس التركي من عواقب وخيمة بسبب إصراره على تصدير مسيرات تركية إلى كييف ناهيك عن رفض موسكو السياسة التركية تجاه الصراع المحتمل في أوكرانيا. وترجع مبادرة تركيا للإسراع بإنتاج منظومة دفاعية وطنية إلى رغبة أنقرة في تجنب غضب موسكو إذا ما قررت وقف استيراد منظومة  S400أو إلغاء العقد الخاص بتوريد المنظومة الدفاعية الروسية.

تدرك تركيا أن الاستجابة للضغوط الأمريكية، استرجاع منظومة الدفاع الروسية، والبحث عن بدائل أخرى قد يثير غضب موسكو، ويؤدى لانهيار علاقاتها المتنامية مع روسيا على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية. فثمة تعاون عسكري لافت بين موسكو وأنقرة، حيث تساعد الأولى في بناء محطة “أكويو” النووية” التي تقع في مدينة مرسين، وتتولى بناؤها شركة “روس آتوم الروسية”. كما تعتمد تركيا بشكل كبير على الغاز الروسي لسد احتياجاتها من الطاقة. 

في هذا السياق، فإن نجاح أنقرة في بناء منظومة دفاعية محلية يضمن لها لجم الغضب الروسي، ويجنبها في ذات الوقت الدخول في صراع مع موسكو، قد يفرز حال حدوثه انعكاسات سلبية على التنسيق القائم بين موسكو وأنقرة في مناطق الصراعات، في سوريا وليبيا وجنوب القوقاز وآسيا الوسطى.

السمعة الدولية

3- تعزيز موقع تركيا على خريطة الصناعات الدفاعية: تشير عملية تطوير الصاروخ “سيبار”، ونجاح تجربة الاختبار التي أُجريت في نهاية نوفمبر الماضي إلى مساع تركية طموحة لتعزيز مكانتها الدولية على خريطة الصناعات الدفاعية، بالإضافة إلى إظهار قدرات تركيا على إنتاج أسلحة ومعدات حديثة، تمكنها من تجاوز التعقيدات التي تواجهها للحصول على الأسلحة التي تفتقدها ناهيك عن تعزيز سمعتها في المنتجات الدفاعية في الأسواق العالمية، لا سيما أن صادرات تركيا من الصناعات الدفاعية وصلت بنهاية نوفمبر 2021 إلى 2 مليار دولار، و793 مليونًا و974 ألف دولار، محققة زيادة بنسبة 39.7% عن الفترة ذاتها من العام 2020، لتسجل رقمًا قياسيًا لصادرات المنتجات الدفاعية والجوية.

تسلح إقليمي

4- مواكبة التطور العسكري للخصوم الإقليميين: تراقب تركيا بدقة التطور الحادث في بنية المنظومة العسكرية لعدد للخصوم والمنافسين الإقليميين لها، وفي المناطق القريبة منها، ولا سيما مع اتجاه اليونان نحو توقيع اتفاقيات دفاعية مع باريس وواشنطن خلال نهاية العام الماضي، واتجاه إيران نحو تطوير قدراتها الصاروخية. كما يبدو أن أنقرة لا تزال غير مطمئنة لتطورات الأحداث على الأراضي السورية، وتصاعد مخاوفها من إمكانية تعرض أراضيها للمخاطر، لا سيما بعد سحب الناتو البطاريات الدفاعية التابعة لها، وفي ظل استمرار القضايا الخلافية مع موسكو وإيران بشأن مستقبل النظام السوري، وهو ما تحاول تركيا الرد عليه عبر تسريع وتيرة بناء منظومة دفاعية وطنية.

رسالة داخلية

5- العمل على استعادة مكانة حزب العدالة والتنمية بالداخل: كان لافتا أن النظام التركي حرص على زيادة زخم الحديث عن التقدم في إنتاج منظومة دفاعية محلية، وتوظيف نجاحات اختبار الصاروخ “سيبار” بالتزامن مع التراجع الحاد في الرصيد التقليدي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في الشارع التركي، حيث يسعى إلى توجيه رسائل إلى الداخل التركي بأن الحزب الحاكم لا يزال يمتلك القدرة على توجيه المؤسسة العسكرية لتطوير قدراتها العسكرية، وخاصة ما يتعلق بإنتاج منظومة صاروخية دفاعية تستطيع حماية الأراضي التركية، والترويج لعدم خضوعه لابتزاز الخارج، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، أو الخضوع لاشتراطات روسيا التي وقعت معها تركيا عقداً لشراء منظومة S400 الصاروخية.

ويسعى النظام عبر ذلك إلى توسيع نطاق القاعدة التي يعتمد عليها في الداخل، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات، والمقرر لها منتصف العام القادم فضلاً عن توظيف التطور الحادث في بنية الصناعات الدفاعية في القفز على التدهور الحادث في العملة التركية، وتراجع الأوضاع المعيشية، والتي نجحت المعارضة التركية في استغلالها لتحقيق حضور واسع في الشارع التركي.

ختاماً، تشير الجهود التركية الواسعة والمتزايدة نحو الانتهاء من إنتاج الصاروخ الدفاعي “سيبار” إلى الأهمية الكبيرة التي توليها شركات الصناعات العسكرية التركية لإنتاج منظومة دفاعية وطنية. كما تظهر تجربة اختبار “سيبار” والاستمرار في البناء عليها خلال المرحلة الحالية إلى وجود مساع تركيا لتفادى الضغوط الغربية التي تتعرض لها منذ حصولها على منظومة الدفاع الروسية  S400 بالإضافة إلى السعي لتعزيز صناعاتها الدفاعية في الأسواق الدولية.