تحركات متقاطعة:
لماذا تحاول الأطراف الرئيسية استباق نتائج مفاوضات فيينا؟

تحركات متقاطعة:

لماذا تحاول الأطراف الرئيسية استباق نتائج مفاوضات فيينا؟



حرصت بعض القوى المعنية بمفاوضات فيينا الخاصة بالملف النووي الإيراني على توجيه رسائل عديدة ترتبط بملفات أخرى، بالتوازي مع انعقاد الجولة السابعة من تلك المفاوضات في 29 نوفمبر الجاري، وهو ما لا يمكن فصله عن محاولة تأكيد عدم إجراء تغييرات في السياسة المتبعة تجاه بعض تلك الملفات الرئيسية رغم الضغوط التي تمارس في هذا الصدد، والسعى لوضع حدود للتحركات العسكرية على الأرض، والتلويح باستخدام القوة في التعامل مع المعطيات الجديدة التي يمكن أن تفرضها المسارت المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها المفاوضات في النهاية، على نحو يوحي بأن تلك المسارات سوف تنتج تأثيرات مباشرة على التفاعلات التي سوف تجري في منطقة الشرق الأوسط خلال المرحلة القادمة.

خطوات مختلفة

كان لافتاً أن إيران حرصت، قبيل انعقاد الجولة السابعة من مفاوضات فيينا، على التلويح بإعادة إجراء تجارب خاصة ببرنامج الصواريخ الباليستية، رغم أنها تعمدت خلال الشهور الماضية “التهدئة” في هذا الملف. إذ ترأس الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للفضاء في الحكومة الثالثة عشر، في 26 نوفمبر الجاري، وهو الاجتماع الأول أيضاً بعد عِقد من التوقف، حيث أكد على أهمية صناعة الفضاء في إنتاج الطاقة بمكونات أمنية وتجارية واقتصادية، فضلاً عن آثارها النوعية في الصناعات الأخرى، بما في ذلك الاتصالات والاستخبارات. لكن الأهم من ذلك هو قوله: “إذا أردنا، يمكننا بالتأكيد تحقيق تقنيات متطورة ذات مزايا اقتصادية في كل هذه المجالات، وينبغي أن نصل إلى التقنية المعمول بها لمدارات (LEO) بسرعة وبتخطيط دقيق ومتماسك، وفي الخطوة التالية، علينا الانتقال بسرعة إلى مدار 36000 كم (GEO) مع التخطيط الدقيق والعمل الجاد”.

بالتوازي مع ذلك، واصلت إسرائيل شن حملة قوية تحذر من خلالها من مخاطر رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران في حالة الوصول إلى صفقة في فيينا، في المفاوضات التي سوف تبدأ في 29 نوفمبر الجاري، وفي الوقت نفسه تلوح بأنها غير معنية بمعطياتها، وأنها سوف تتحرك بناءً على ما تقتضيه مصالحها وأمنها القومي. إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، في 28 نوفمبر الجاري، أن “إسرائيل قلقة جداً من أن ترفع القوى العالمية العقوبات عن إيران مقابل فرض قيود غير كافية على برنامجها النووي”، مضيفاً أن “هذه هى الرسالة التي ننقلها بكل السبل سواء للأمريكيين أو للدول الأخرى التي تتفاوض مع إيران”. كما واصلت إسرائيل توجيه ضربات عسكرية للمواقع التابعة لإيران والمليشيات الموالية لها، وكان آخرها الضربة التي تعرضت لها مدينة البوكمال الخاضعة لنفوذ المليشيات بريف دير الزور الشرقي، ضمن منطقة غرب الفرات، في 27 نوفمبر الحالي.

في حين حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على إبداء اهتمامها بالاحتجاجات التي تشهدها إيران في الوقت الحالي بسبب نقص المياه الصالحة للشرب في بعض المحافظات لاسيما محافظتى أصفهان وچهار محال وبختیاری، بالتوازي مع حلول الذكرى الثانية لاحتجاجات الوقود في نوفمبر 2019. إذ أعربت وزارة الخارجية الأمريكية، في 28 نوفمبر الجاري وقبيل انعقاد الجولة السابعة من المفاوضات بيوم واحد، عن “قلقها من استخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين في أصفهان”، وقال المتحدث باسم الوزارة نيد برايس أنه “يحق للشعب الإيراني التعبير عن شعوره بالإحباط ومحاسبة حكومته”.

أهداف عديدة

يمكن القول إن هذه الأطراف تسعى عبر توجيه تلك الرسائل إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- الإصرار على تحييد الملفات الأخرى: وهو ما يبدو جلياً في تعمد إيران في الوقت الحالي الإيحاء بأنها في طريقها نحو اتخاذ خطوات جديدة خاصة بتطوير برنامج الصواريخ الباليستية، وهو أحد الملفات الخلافية الشائكة، والذي يثير دائماً توتراً في العلاقات بين إيران والقوى الدولية. إذ ترى هذه القوى أن الاتفاق النووي يمنع إيران من ممارسة أنشطة خاصة بتطوير هذا البرنامج، في حين تزعم الأخيرة أن صواريخها الباليستية لا تنطبق عليها القيود التي وردت في الاتفاق، باعتبار أنها غير مخصصة لحمل أسلحة نووية. وهنا، فإن إيران استعاضت عبر الإيحاء بإمكانية إطلاق أقمار صناعية جديدة في الفترة القادمة عن التصريحات التي يدلي بها مسئولوها ويؤكدون خلالها أن برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي لن يكونا محوراً للمفاوضات في فيينا، في إشارة إلى الدعوات التي سبق أن ظهرت بضرورة توسيع نطاق المفاوضات لتشمل هذين الملفين، باعتبار أنهما يفرضان تداعيات على الأرض لا تبدو هينة، خاصة فيما يتعلق بتأجيج حالة عدم الاستقرار في دول الأزمات وتهديد أمن ومصالح العديد من دول المنطقة.

2- السعى لفرض قيود على التحركات العسكرية: رغم اهتمام إسرائيل بالمسارات المحتملة للمفاوضات التي تجري في فيينا، فإنها حريصة في الوقت نفسه على الاهتمام بملف الوجود العسكري الإيراني في سوريا، والذي ترى أنه يهدد أمنها ومصالحها بشكل مباشر، بل إنها تعتبر أن احتمال الوصول إلى صفقة في فيينا يمكن أن يدفع إيران إلى تعزيز هذا الوجود، فضلاً عن رفع مستوى دعمها لحلفائها الإقليميين. ومن هنا، بدأت إسرائيل في تصعيد حدة تهديداتها العسكرية لإيران في الساعات الأخيرة قبل انعقاد مفاوضات الجولة السابعة في فيينا، حيث قال قائد اللواء الشمالي في الجيش الإسرائيلي الجنرال أمير برعام أنه “في حال فرضت الحرب علينا، فإن الجيش سيقوم بتدمير شامل لأى بنية تحتية إرهابية قريبة أو بعيدة”، وقال قائد سلاح الجو الجنرال عميكام نوركينن أن قواته “تستعد لمواجهة خطر إطلاق صواريخ إيرانية صوب البلدات الإسرائيلية”.

3- عدم رفع مجمل العقوبات الأمريكية: لا تبدو إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في وارد الاستجابة للشروط التي تتبناها إيران في المفاوضات، لاسيما فيما يتعلق برفع مجمل العقوبات التي فرضتها عليها في الفترة الماضية، ليس فقط بسبب الضغوط التي تمارسها أطراف داخلية وقوى إقليمية مناوئة للمفاوضات وللصفقة المحتملة، وإنما أيضاً لأن هناك عقوبات مفروضة على إيران لا ترتبط مباشرة بالبرنامج النووي، فضلاً عن أنها عقوبات سارية حتى بعد الوصول للاتفاق النووي في 14 يوليو 2015، وهى العقوبات الخاصة بدعم الإرهاب وبرنامج الصواريخ الباليستية وانتهاكات حقوق الإنسان. وبمعنى أدق، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى عبر الاهتمام بملف قمع المحتجين في إيران إلى تأكيد أنها لن تجري تغييرات في هذه السياسة، حتى في حالة الوصول إلى صفقة محتملة مع إيران في مفاوضات فيينا الحالية.

4- تفادي الضربات العسكرية الإسرائيلية: لا تستبعد إيران استمرار إسرائيل في توجيه ضربات عسكرية ضد مواقعها في سوريا أياً كان المسار الذي سوف تتجه إليه مفاوضات فيينا، ومن هنا كان لافتاً أنها بدأت في تبني سياسة لإعادة التموضع داخل سوريا، لتقليص حدة الضغوط التي تفرضها تلك الضربات، على نحو بدا جلياً في اتجاهها إلى نقل جزأ كبير من مستودعات الأسلحة التي كانت موجودة في منطقة آثار الشبلي ببادية الميادين في ريف دير الزور الشرقي- وبينها صواريخ متوسطة المدى- إلى مناطق تمركز أخرى في معدان ببادية الرقة، خاصة أن الموقع الأول تعرّض لضربات عسكرية إسرائيلية متتالية خلال الفترة الأخيرة.

توتر محتمل

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن هذه الأطراف سوف تواصل توجيه مثل هذه الرسائل خلال المرحلة القادمة، بصرف النظر عن ما إذا كانت مفاوضات فيينا سوف تنتهي بالوصول إلى صفقة جديدة تعزز من احتمال استمرار العمل بالاتفاق النووي، أم ستفشل في تحقيق ذلك، على نحو سوف يعيد أزمة الملف النووي الإيراني إلى مربعها الأول من جديد، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء أن البرنامج النووي الإيراني لا يمثل سوى محور واحد من محاور الخلافات العالقة بين تلك الأطراف.