على غرار العاصمة السودانية الخرطوم، اندلعت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في إقليم دارفور غرب السودان. ومع توسع نطاق الصراع العسكري الذي افتتح شهره الخامس في منتصف أغسطس الجاري، وتمدده ليصل إلى الإقليم، خاصة مدينة نيالا التي تعد مركزه الاستراتيجي، طرحت تساؤلات عديدة حول مغزى التوقيت في انتقال الصراع، أو نقله بالأحرى إلى الإقليم والتداعيات المحتملة التي يمكن أن يفرضها ذلك على الأقليم خلال المرحلة القادمة، في ظل تقاطع الحسابات وتشابك المصالح بين الأطراف المعنية به والمنخرطة في الصراع حوله.
واللافت في هذا السياق، أن ثمة مؤشرات عديدة توحي بأن طرفى الصراع في السودان كانت لديهما رغبة في نقل المعارك إلى الإقليم. إذ تسعى قوات الجيش عبر ذلك إلى تركيز الصراع حول الأطراف بعيداً عن العاصمة الخرطوم، لتقليص حدة الضغوط المفروضة عليها. في حين تحاول قوات الدعم السريع استغلال ذلك في تعزيز قدرتها على استقطاب مزيد من العناصر من حواضنها القبلية، والحفاظ على استمرار الإمداد اللوجيستي عبر الحدود مع بعض دول الجوار.
وقد بدأ تصاعد حدة الصراع العسكري في دارفور يثير قلق العديد من القوى الإقليمية والدولية المعنية بما يجري داخل السودان، خاصة في ظل احتمال أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في الإقليم، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية، في 17 أغسطس الجاري، إلى دعوة الطرفين إلى وقف القتال في نيالا بجنوب دارفور، حيث أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً قالت فيه: “يجب ألا يدفع المدنيون الثمن النهائي للأعمال غير المبررة للأطراف المتحاربة”، مؤكدة ضرورة امتثال الطرفين لالتزاماتهما بموجب القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك ما يتعلق بحماية المدنيين.
دوافع متقاطعة
يمكن تفسير اتجاه قوات الجيش وقوات الدعم السريع نحو نقل الصراع الدائر إلى إقليم دارفور، بعيداً عن العاصمة الخرطوم في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- الأهمية الجيوسياسية لإقليم دارفور: رغم أن دارفور، التي تنقسم إلى خمس ولايات، هي منطقة شاسعة وجافة تقع في غرب وجنوب غرب السودان، إلا أنها تتمتع بأهمية جيوسياسية، سواء بالنسبة للداخل السوداني، أو لدول الجوار الجغرافي للسودان. فإضافةً إلى التماس الحدودي الداخلي بين إقليم دارفور وجنوب كردفان، حيث تقع حقول النفط السودانية الرئيسية؛ فإن الإقليم كان حاضراً باستمرار في الأزمات المختلفة التي تشهدها السودان، في ظل تركيبته الإثنية التي تمتد إلى داخل بعض دول الجوار، لا سيما ليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان.
ومن ثمّ يبدو أن محاولة نقل الصراع إلى دارفور تأتي في سياق السعى إلى تقليص حدة الضغوط التي تتعرض لها العاصمة، وفي الوقت نفسه استغلال التركيبة القبلية والعرقية للإقليم في توجيه مسار الصراع الدائر حالياً؛ حيث إن قوات الجيش تحاول استقطاب القبائل الأفريقية إلى جانبها لإضعاف الحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع من القبائل العربية التي ينتمي إليها أغلب مقاتلي الدعم.
2- استقطاب دعم القبائل الأفريقية: تعمل قوات الجيش على استقطاب دعم بعض القبائل الأفريقية في إقليم دارفور، وذلك لموازنة قدرة قوات الدعم السريع على تعزيز حضورها لدى القبائل العربية، خاصة في ظل انخراط بعض عناصرها داخل صفوفها. ويعني ذلك أن الجيش يسعى عبر ذلك إلى إحداث تغيير في توازنات القوى الاجتماعية داخل الإقليم وبالتالي الوصول إلى الحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع التي تستخدمها باستمرار في تعزيز قدرتها على مواصلة إدارة الصراع العسكري معه.
3- مناصرة بعض الأطراف للدعم السريع: وجّهت بعض القبائل العربية، عبر مقطع مصور تم بثه في 6 يوليو الفائت، دعوة لأفرادها للانضمام إلى صفوف قوات الدعم السريع. ورغم أن ذلك يُمكن أن يؤدي إلى تأجيج الصراعات العرقية والقبلية في الإقليم الذي يقع في غرب السودان، إلا أنه يُمثل مؤشراً لقوات الدعم السريع على إمكانية العودة إلى “المعقل القبلي”، في الصراع مع الجيش واستخدامه في إدارة الصراع مع الأخير.
فضلاً عن ذلك، فإن إحدى الحركات المسلحة الدارفورية، وتدعى “تمازج”، قد أصدرت أوامر، في 17 أغسطس الجاري، لأفرادها على الشريط الحدودي بين إقليمي دارفور وكردفان، بالانضمام إلى معسكرات قوات الدعم السريع. ورغم أن الحركة كانت من ضمن الحركات التي وقعت على اتفاق السلام التاريخي، الذي تم إبرامه في عام 2020، في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان، مع الحكومة الانتقالية التي تولت السلطة عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير؛ إلا أنها أكدت، في بيان لها، ما مفاده أنها ستنضم إلى قوات الدعم السريع في مواجهة الجيش.
4- الحفاظ على الإمداد اللوجيستي: إذ يبدو أن من دوافع قوات الدعم السريع في إشعال معارك في دارفور، هو منع قوات الجيش من إغلاق الحدود مع ليبيا وأفريقيا الوسطى، بهدف ضمان استمرار تدفق الإمدادات العسكرية واللوجيستية من جانب الأطراف التي تدعمها؛ بما يعني أن أحد أهداف نقل الصراع إلى إقليم دارفور يتمثل في الإبقاء على خطوط الإمداد من خارج السودان مفتوحة، حيث تُدرك قوات الدعم السريع أن إقليم دارفور، بالنظر إلى مكوناته المجتمعية والإثنية، وحدوده المفتوحة، والاختراقات الخارجية له من جانب بعض دول الجوار، ما يزال يُمثل ساحة خلفية مهمة في تأثيرها على الصراع ومجرياته، خاصة في ظل السلاح المتدفق عبر الحدود إليها.
تداعيات محتملة
في هذا السياق، يُمكن القول إن إقليم دارفور يُمثل أهمية استراتيجية بالنسبة إلى طرفي الصراع السوداني؛ فبينما تحاول قوات الجيش دفع مقاتلي قوات الدعم السريع إلى التخلي عن مواقعهم، والتوجه نحو الأطراف بعيداً عن العاصمة الخرطوم، فإن قوات الدعم السريع تسعى بدورها إلى التمدد والتواصل مع جذورها القبلية والإثنية في دارفور، من أجل إعادة ترتيب صفوفها والحصول على مزيد من التعزيزات التي تساعدها في مواصلة إدارة الصراع مع قوات الجيش.
إلا أن اللافت في هذا السياق هو سؤال التوقيت، خاصة أن محاولات قوات الجيش وقوات الدعم السريع لنقل الصراع أو جزء منه إلى غرب السودان في إقليم دارفور، يمكن أن تمثل لبعض الأطراف السودانية فرصة سانحة لتكثيف الدعوة إلى انفصال الإقليم، أو فصله بالأحرى عن الوطن الأم، تماماً مثلما حدث مع جنوب السودان في عام 2011، رغم أن سيناريو انفصال الجنوب لم يحل المشكلات العديدة التي تواجهها الدولتان في آن واحد.
ويبدو واضحاً أن بعض الأطراف المعنية بما يجري داخل السودان لم تعد تستبعد هذا الاحتمال، على نحو عكسته تصريحات مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشئون أفريقيا مارثا آما أكيا بوبي، في 10 أغسطس الجاري، والتي حذرت فيها من أن استمرار الحرب في السودان سيؤدي إلى تعاظم خطر التفكك، وازدياد احتمالات التدخل الأجنبي وتحلل السيادة في البلاد.