أقلمة الملف:
لماذا أجّلت إيران مفاوضات فيينا؟

أقلمة الملف:

لماذا أجّلت إيران مفاوضات فيينا؟



يبدو أن إيران تسعى في الوقت الحالي إلى توجيه رسائل مباشرة إلى القوى الدولية المعنية بأزمة الاتفاق النووي، مفادها أنها لا تتعجل مواصلة إجراء المفاوضات مع مجموعة “4+1” بمشاركة أمريكية غير مباشرة، حيث كان ينتظر أن تعقد الجولة السابعة من المفاوضات في الفترة الحالية، قبل أن يعلن وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في تقرير سلمه إلى مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في 12 يوليو الجاري، عن إحالة تلك الجولة إلى حكومة الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي الذي سوف يتولى مقاليد منصبه في 5 أغسطس القادم.

وفي الواقع، فإن هذا التأجيل قد يكون له علاقة بالتصعيد الذي تشهده المنطقة العربية، والذي قد يتسع نطاقه خلال المرحلة القادمة، حيث تتزايد الهجمات التي تتعرض لها القوات الأمريكية في كل من سوريا والعراق من جانب الميليشيات الموالية لإيران، على نحو قد يدفع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الرد بمزيد من الضربات القوية، في رسائل مباشرة إلى إيران بأن استمرار المفاوضات حول الاتفاق النووي ليس معناه التغاضي عن الأدوار التي تقوم بها على الأرض داخل بعض دول المنطقة العربية. ويبدو أن ذلك كان هو المغزى نفسه من الضربات العسكرية التي شنتها واشنطن على الحدود السورية- العراقية في 28 يونيو الفائت، واستهدفت مواقع تابعة لمليشيات مثل “كتائب حزب الله” و”كتائب سيد الشهداء”.

اعتبارات عديدة:

يمكن تفسير الموقف الجديد الذي تتبناه إيران إزاء مفاوضات فيينا في ضوء اعتبارات ثلاثة رئيسية، بعضها لا يمكن فصله عن التصعيد الذي تشهده الساحتان العراقية والسورية في الوقت الحالي. وتتمثل تلك الاعتبارات في:

1- تعزيز الموقع التفاوضي: يبدو أن خطوة التأجيل اتخذت بقرار مباشر من الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، وذلك بهدف تعزيز الموقع التفاوضي لإيران، وامتلاك أوراق ضغط أكبر، من أجل الحصول على أكبر قد ممكن من المكاسب من القوى الدولية، لاسيما فيما يتعلق بالعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية. وقد كان ظريف حريصاً في التقرير على تأكيد أن المفاوضات وصلت إلى مرحلة صياغة اتفاق إطار محتمل، يتضمن رفع قسم كبير من العقوبات بما يشمل كيانات تابعة للمرشد الأعلى للجمهورية والحرس الثوري.

ومن هنا، يمكن تفسير أسباب حرص إيران بالتزامن مع خطوة التأجيل، على الإعلان عن نقل أكسيد اليورانيوم المخصب بدرجة 20% إلى مختبر الأبحاث والتطوير في مركز تصنيع الوقود في أصفهان، حيث سيتم تحويله إلى يورانيوم مخصب بدرجة 20% قبل استخدامه لصناعة الوقود، وهو ما أثار ردود فعل رافضة من جانب القوى الدولية التي اعتبرت أن هذه الخطوة تزيد من الشكوك الخاصة بطبيعة البرنامج النووي الإيراني، لاسيما أنه ليس لدى إيران حاجة مدنية موثوقة لإنتاج اليورانيوم لأغراض بحثية.

وقد ربطت اتجاهات عديدة بين خطوة التأجيل والتصعيد ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا، فرغم أن إيران أعلنت، في 3 يوليو الجاري، أنها لم تدعم الهجمات التي تعرضت لها القوات الأمريكية، إلا أن ذلك لا ينفي أن هذا التصعيد قد يخدم حساباتها في المفاوضات، لاسيما فيما يتعلق برفع القسم الأكبر من العقوبات، وحصر التفاوض في الملف النووي فحسب.    

2- تشكيل فريق جديد: يعكف الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي على تشكيل فريقه الحكومي الجديد، من شخصيات تنتمي لتيار المحافظين الأصوليين، وقد تشمل التغييرات المحتملة فريق التفاوض النووي، أو لا، حيث لا زال الاحتمالان قائمين، ويعتمد ذلك في المقام الأول على رؤية الرئيس لمسار التفاوض، وللمكاسب التي ستحصل عليها إيران في حالة الوصول إلى صفقة جديدة، حيث أن الإسراع بعقد الجولة السابعة قد لا يترك فرصة أمامه لإجراء تغييرات بارزة في وفد التفاوض، لاسيما أن الأخير على اطلاع كامل بمسار التفاوض من البداية. ومن هنا، ربما ارتأت إيران عدم الإسراع بعقد جولة جديدة من المفاوضات انتظاراً لما سوف تسفر عنه المشاورات التي يجريها الرئيس لتشكيل الحكومة الجديدة.

3- مصادرة الصفقة: لا يمكن فصل تأجيل الجولة الجديدة عن استمرار الصراع السياسي داخل إيران بين تيارى المحافظين الأصوليين والمعتدلين، حول من سيكون له التأثير والدور الأبرز في الوصول إلى الصفقة الجديدة. إذ أشارت اتجاهات عديدة إلى أن قرار تأجيل الجولة السابعة جاء من أجل الحيلولة دون الوصول إلى الصفقة في عهد الرئيس الحالي المنتهية ولايته حسن روحاني، والتي ستكون بمثابة متغيراً مهماً سوف يعزز رصيده السياسي، إلى جانب تيار المعتدلين، في مرحلة ما بعد خروجه من منصبه، وهو ما لا يتوافق مع حسابات أطراف وقوى عديدة تسعى إلى تهميش دور روحاني وظريف وتيار المعتدلين بشكل عام خلال المرحلة القادمة.

وقد كان لافتاً في هذا الصدد، أن ما تضمنه تقرير ظريف الذي قدمه إلى مجلس الشورى عرّضه لانتقادات قوية من جانب وسائل الإعلام القريبة من تيار المحافظين الأصولييين، حيث اعتبرت أن بعض النقاط التي ركز عليها لا تتوافق مع المعطيات الموجودة على الأرض، وأنه في مقابل رفع العقوبات فإن هناك مطالب وضغوطاً تمارس على إيران في ملفات تحظى بأهمية خاصة لديها لاسيما برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي، وذلك في إشارة إلى محاولات الولايات المتحدة الأمريكية الوصول إلى اتفاق مع إيران بإجراء مفاوضات ملحقة حول هذين الملفين تحديداً، وعدم حصر المفاوضات الحالية في البرنامج النووي فقط.

مخاطرة محتملة:

مع ذلك، فإن تأجيل المفاوضات قد يكون مخاطرة من جانب إيران. إذ أن هذه الخطوة بقدر ما وجهت رسائل إلى القوى الدولية تفيد أن إيران ليست متعجلة في الوصول إلى اتفاق، بقدر ما أقنعت تلك القوى بأن إيران تتبنى سياسة كسب الوقت، وأن هذه السياسة قد تؤدي في النهاية إلى انهيار المحادثات، لاسيما أن استمرار المفاوضات معناه أن هناك خلافات لا تبدو هينة ما زالت قائمة، وأن هذه الخلافات لا تبدو ثانوية ولا يمكن تسويتها بسهولة.

ومن هنا، سارعت الولايات المتحدة الأمريكية بدورها إلى توجيه رسائل مباشرة إلى إيران مفادها أن هذه السياسة لن تحقق أهدافها وأنها ربما تفرض في النهاية تداعيات عكسية. ففي هذا السياق، قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران روبرت مالي، في 25 يونيو الماضي، أن الولايات المتحدة “ستنسحب من المفاوضات إذا كان الاتفاق الذي تريده إيران لا يتفق مع مصالحنا”، مضيفاً أن “نافذة التفاوض مع طهران لن تظل مفتوحة إلى الأبد”.

ويمكن تفسير هذه الموقف الأمريكي في ضوء اعتبارين رئيسيين: أولهما، أن إيران بالتوازي مع تعمدها إطالة أمد المفاوضات تسعى إلى رفع سقف إجراءاتها التصعيدية في برنامجها النووي، بدليل أنها أقدمت على خطوة نقل أكسيد اليورانيوم إلى مختبر الأبحاث في أصفهان رغم إدراكها أن تلك الخطوة سوف تثير استياء القوى الدولية التي اعتبرت أنها قد تخدم أغراضاً نووية عسكرية.

وثانيهما، أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تواجه ضغوطاً قوية نتيجة وجود اتجاهات رافضة للمفاوضات الحالية وللعوائد التي يمكن أن تحصل عليها إيران في حالة الوصول إلى صفقة جديدة، وأن هذه الضغوط تتزايد تدريجياً مع استمرار المفاوضات دون الوصول إلى نتيجة.

في النهاية، يمكن القول إن إيران تسعى، في الغالب، إلى إبرام صفقة، لكنها ترى ضرورة استثمار التصعيد الحالي لأقصى درجة ممكنة من أجل الحصول على أعلى مستوى من المكاسب وتقديم أقل قدر من التنازلات، وهى سياسة ربما تواجه إشكاليات عديدة خلال المرحلة القادمة التي سيتولى فيها رئيسي مقاليد منصبه، لاسيما أن القوى الدولية باتت حريصة على تأكيد أن هناك المفاوضات الحالية التي تجري مع إيران في فيينا قد لا تستمر لفترة طويلة.