رسائل الدرونز:
كيف يعكس قصف قاعدة “التنف”الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط؟

رسائل الدرونز:

كيف يعكس قصف قاعدة “التنف”الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط؟



تعرّضت قاعدة “التنف” العسكرية في سوريا، والتي تضم قوات من التحالف الدولي ضد “داعش” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في ٢٠ أكتوبر الجاري، لهجمات باستخدام طائرات من دون طيار، وفقاً للعديد من التقديرات الأمريكية، ولكنها لم تؤد إلى سقوط ضحايا أمريكيين، ولم تعلن أى جهة – حتى الآن – مسئوليتها عنها، وإن كانت تقارير أمريكية قد أشارت إلى أن ميليشيات مسلحة موالية لإيران هى من نفذتها. وقد أكدت القيادة المركزية الأمريكية، التي تشرف على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، أن الهجوم متعمد ومنسق. في حين رجحت تقارير أخرى، في 26 من الشهر نفسه، أن تكون إيران وراء الهجوم، وإن لم ينطلق من أراضيها.

متغيرات عديدة

تأتي هذه الهجمات ضد قاعدة “التنف” العسكرية- التي تقع في مدينة حمص على الحدود العراقية الأردنية- وسط صراع إقليمي أوسع في منطقة الشرق الأوسط، وتحولات في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة تحت قيادة الرئيس جو بايدن، تتضمن إعادة ترتيب أولويات واشنطن،وهو ما يفسر توقيت تلك الهجمات ضد القاعدة العسكرية لأول مرة، ويمكن تناول ذلك على النحو التالي:

1- ضغوط إيرانية قبل العودة لمفاوضات فيينا: على الرغم من إعلان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان عن عودة طهران “قريباً جداً” إلى مفاوضات فيينا لتعزيز استمرار العمل بالاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران ومجموعة “5+1” في 14 يوليو ٢٠١٥، فإنه – حتى الآن – لم يتم تحديد موعد الجولة السابعة من تلك المفاوضات، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها إلى ممارسة المزيد من الضغوط على إيران للعودة للمفاوضات ووقف التقدم الذي تحرزه في البرنامج النووي، خاصة بعد وصول مستوى عمليات تخصيب اليورانيوم إلى 60%. وفي المقابل، تتبنى إيران استراتيجية ضغوط مضادة قبل العودة إلى طاولة المفاوضات في فيينا. وتعد الهجمات على قاعدة “التنف” إحدى أدوات الضغوط الإيرانية، حيث نشرت وكالة “تسنيم” الإيرانية- القريبة من الحرس الثوري- تقريراً جاء فيه أن “الهجوم يعد رسالة مزدوجة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بأن يد محور المقاومة طويلة وقادرة” في إشارة إلى وكلاء إيران المسلحين في المنطقة.

2- احتواء الجهود الأمريكية لعزل طهران:في أعقاب انتهاء المهمة الرئيسية لقوات التحالف الدولي التي كانت تستخدم قاعدة “التنف” في شن هجمات ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، تحولت القاعدة إلى جمع معلومات استخباراتية عن تحركات إيران الإقليمية والقيام بعمليات خاصة ضد الميلشيات المسلحة والمدعومة من جانبها، والتي تعمل في خدمة الحرس الثوري الإيراني. وترىطهران أن قاعدة “التنف” العسكرية تمثل تهديداً للميليشيات الموالية لها،والتي انتشرت على طول نهر الفرات من البوكمال على الحدود العراقية إلى دير الزور، وأنها يمكن أن تساهم في عرقلة محاولاتها إنشاء طريق على البحر عبر العراق وسوريا حتى تتمكن من الاستمرار في تسليح حزب الله اللبناني.

3- دفع واشنطن إلى سحب قواتها: مثّلا لانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتخطيط الإدارة الأمريكية لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق بنهاية العام الحالي، مع تحويل دور القوات الأمريكية من المهام القتالية إلى تقدم المشورة والتدريب للقوات العراقية، مُحفِّزات للميليشيات المسلحة الموالية لإيران من أجل ممارسة المزيد من الضغوط على الوجود العسكري الأمريكي في سوريا لدفع واشنطن إلى اتخاذ خطوات مماثلة لتلك التي أقدمت عليها في أفغانستان. وقد نفذت الفصائل المتحالفة مع طهران، أكثر من مرة،هجمات على قواعد عسكرية أمريكية في سوريا. ويدعم الحرس الثوري الإيراني الميليشيات التي تهاجم القوات الأمريكية بالطائرات من دون طيار والصواريخ والعبوات الناسفة.واللافت في هذا السياق، أنه رغم الخلافات القائمة بين روسيا وتركيا وإيران وسوريا حول التعاطي مع التطورات السياسية والميدانية التي تشهدها الأخيرة،إلا أن ذلك لم يمنعها من تصعيد حملاتها السياسية ضد الوجود العسكري الأمريكي في سوريا.

4- احتواء نتائج الانتخابات العراقية:‏كشفت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي أجريت في ١٠ أكتوبر الحالي، عن تراجع معظم القوى التي تنتمي إلى”الحشد الشيعي”، الموالي لإيران، باستثناء ائتلاف “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. ولهذا، فقد سعت تلك القوى والأحزاب المرتبطة بها، عبر الهجمات على قاعدة “التنف”، إلى‏تأكيد شرعيتها وتعزيز دورها بعد ظهورها الضعيف في الانتخابات.

5- الرد على الدعم الأمريكي للأكراد:تشارك “وحدت حماية الشعب الكردي”-وهى ميليشيا كردية في سوريا والمكون الأساسي لـ”قوات سوريا الديمقراطية”- في الدفاع عن قاعدة “التنف” العسكرية. وفي أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والذي أثار قلق حلفاء واشنطن من انسحاب أمريكي مماثل من سوريا والمنطقة،حرصت الإدارة الأمريكية على تقديم تطمينات لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” بأن الدعم الأمريكي مستمر وأن واشنطن لن تنسحب من شمال شرق سوريا في المستقبل القريب. ولهذا تأتي الهجمات على القاعدة الأمريكية كرد من القوى المُعارِضة للدعم الأمريكي للأكراد.

6- توجيه رسائل تهديد لإسرائيل: مارست قاعدة “التنف” العسكرية دوراً في الضربات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف مرتبطة بإيران في سوريا خلال السنوات الأخيرة، حيث تستخدمها الطائرات المقاتلة الإسرائيلية كنقطة مرور قبل دخولها المجال الجوي السوري، ما دفع الفصائل المدعومة من إيران في سوريا إلى التهديد بالرد.وقد كان لافتاً أن الهجوم على القاعدة الأمريكية جاء بعد تعرض مواقع عسكرية تابعة لقوات النظام السوري- من بينها مطار “تي فور” بريف محافظة حمص- لهجمات عسكرية نفذتها طائرات إسرائيلية من أجواء القاعدة. وفي أعقاب تلك الهجمات نشرت ما تسمىبـ”غرفة حلفاء سوريا” بياناً أكدت فيه أنها ستقوم برد عليها. وربما تواصل الأخيرة هذه التهديدات في أعقاب قيام إسرائيل بشن هجوم بواسطة صاروخين على موقعين تابعين للنظام السوري وحلفائه في مدينة البعث وقرية الكروم بمحافظة القنيطرة في 25 أكتوبر الجاري، بعد الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى موسكو قبل ذلك بثلاثة أيام.

ضغوط متصاعدة

أدى تعدد الهجمات المسلحة لوكلاء إيران المسلحين ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا إلى تصاعد الضغوط التي يتعرض لها ‏الرئيس الأمريكي جو بايدن من أجل الرد عليها، وسط اتهامات بفشل نهجه، ولاسيما من قبل الجمهوريين،الذين باتوا يعتبرون أنه غير كافٍ ولا فعال في الردع بعد ضربتين جويتين انتقاميتين ضد الميليشيات المدعومة من إيران منذ توليه السلطة في ٢٠ يناير الماضي، في حين يحاول الكونجرس تقليص صلاحيات الرئيس لشن ضربات عسكرية. ومع تأزم الأوضاع الإقليمية في المنطقة، وتعثر عقد الجولة السابعة من مفاوضات فيينا، والارتدادات العسكرية لعملية الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان، يتوقع أن تتزايد العمليات العسكرية ضد القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، لتصعيد حدة الضغوط على الإدارة الأمريكية لإجراء تغييرات في سياستها الخارجية تجاه المنطقة قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقرر لها نوفمبر من العام المقبل.