خيارات بديلة:
كيف تُخطط تركيا لتطوير قدراتها الجوية؟

خيارات بديلة:

كيف تُخطط تركيا لتطوير قدراتها الجوية؟



تسعى تركيا خلال المرحلة الحالية إلى تطوير قدراتها الجوية عبر دعم صناعاتها المحلية جنباً إلى جنب مع البحث عن موردين جدد في قطاع الطيران الحربي، في ظل استمرار الرفض الأمريكي لمنح أنقرة طائرات f16، فضلاً عن استبعادها من برنامج إنتاج مقاتلات F35. ورغم أن تركيا تمتلك قوة عسكرية كبيرة، ولا سيما بعد قطع شوط على صعيد تطوير صناعاتها الدفاعية المحلية؛ فإنّ نقطة ضعفها تتجلى في سلاح الجو. وقد زاد صعوبة الحصول على الطائرات الحربية الأمريكية من تحديات سلاح الجو التركي، وفاقم من مخاطر التهديدات المحتملة التي قد تتعرض لها أنقرة، وبالذات مع تصاعد حدة التوتر مع محيطها الإقليمي، ناهيك عن تمدد تركيا وانخراطها العسكري في صراعات المنطقة، وبخاصة سوريا وليبيا.

دوافع ضاغطة

ثمة اعتبارات عديدة تدفع تركيا لتعزيز قدراتها الجوية في هذا التوقيت تحديداً، يرتبط أولها: بتصاعد مخاوفها بعد نجاح اليونان في دعم وتطوير قدراتها الجوية، ويبدو أنها غير مطمئنة إلى هذا التطور اللافت الذي قد يُعزز احتمالات تعرضها لضربات عسكرية في مرحلة لاحقة، ولا سيما في ظل استمرار الخلافات العالقة بين الطرفين في شرق المتوسط وبحرية إيجة، وكان آخر الخطوات التي اتخذتها اليونان في سبيل تحقيق تفوقها العسكري تحديث معاهدة التعاون الدفاعي مع واشنطن نهاية العام الماضي، ناهيك عن تلقي أثينا في سبتمبر الماضي طائرتين مقاتلتين من نوع “إف-16 فايبر” كدفعة أولى من برنامج لتحديث القوة الجوية اليونانية، تبلغ قيمته الإجمالية 1.5 مليار دولار، ويتضمن تحديث 83 مقاتلة يونانية من هذا النوع إلى المعيار “فايبر”، على أن تستلم اليونان قبل نهاية العام الجاري 4 طائرات محدثة إضافية. كما دخلت اليونان مرحلة متقدمة من التفاوض مع الولايات المتحدة لشراء عدة طائرات من دون طيار من نوع إم كيو-9.

بالتوازي مع ذلك، اتّجهت اليونان في يناير 2021، في إطار تعزيز دفاعاتها وقدراتها الجوية، إلى توقيع عقد بقيمة 2,5 مليار يورو لشراء 18 طائرة مقاتلة من طراز “رافال” من فرنسا، وهو ما أدى إلى تحسين قدرات القوات الجوية اليونانية بشكل كبير. وتنظر تركيا إلى التعاون العسكري بين اليونان والقوى الغربية على أنه موجّه بشكل رئيسي ضدها لاعتبارات عديدة، أهمها ضغوط رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس عشية زيارته الأخيرة لواشنطن في يوليو الماضي، ومحاولاته عرقلة مفاوضات بيع مقاتلات “إف-16” لأنقرة مقابل حصوله على موافقة واشنطن لحصول بلاده مستقبلاً على مقاتلات “إف-35”. ويُشار إلى أن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، قال في تصريحات له في سبتمبر الماضي، إن “اليونان تراهن من خلال شراء بعض المقاتلات والأسلحة الحديثة على قلب التوازنات العسكرية مع تركيا”.

ثانيها: أن الجزء الأكبر من أسطول المقاتلات التركي رغم أنه يتكون من طائرات F16، إلا أن العديد منها يعتبر من الطرازات القديمة، وبعضها الآخر بحاجة إلى تطوير وصيانة. وهنا، يُمكن فهم طلب أنقرة من إدارة بايدن تسهيل الحصول على 40 طائرة جديدة من طراز Block 70/72 F-16، وهي البديل الأكثر تقدماً من الطائرات، إلى جانب تحديث جانب معتبر من طائراتها. ثالثها: أن رغبة تركيا في تعزيز قدراتها الجوية خلال المرحلة الحالية، لا تنفصل عن مخاوفها بعد رفع واشنطن في سبتمبر الماضي حظر الأسلحة المفروض على قبرص اليونانية، في خطوة تعتبرها تركيا مصدراً لإعادة تأجيج الصراع في الجزيرة المنقسمة.

آليات المواجهة

مع تزايد المخاوف التركية من تراجع قدراتها الجوية، والتي تتزامن مع تصاعد التهديدات الإقليمية المحتملة، وتزايد مساحات التوتر مع المنافسين الإقليميين؛ اتخذت أنقرة العديد من السياسات لدرء تلك المخاطر، ويمكن بيانها على النحو التالي:

1- تطوير الأنظمة الجوية المحلية: بجانب حرص تركيا على تعزيز وارداتها من أنظمة التسليح الجوي، تخصص تركيا ميزانية كبيرة لتطوير أنظمة جوية محلية، وظهر ذلك في بدء تركيا في سبتمبر 2018 مشروع إنتاج طائرة محلية، كما وقعت شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية “توساش”، وشركة الصناعات الإلكترونية الجوية “هافلسان”، اتفاقاً للتعاون في مشروع إنتاج مقاتلة محلية التركية يمكن أن تكون بديلة عن “F-16”. وتتولى “توساش” تصنيع المقاتلة الوطنية، بالتعاون مع شركة “أسيلسان” المتخصصة في مجال الصناعات الإلكترونية والعسكرية، ومن المنتظر أن تحل المقاتلة التركية في صفوف القوات الجوية محل المقاتلة الأمريكية “F-16” بشكل تدريجي اعتباراً من عام 2030.

على صعيد متصل، تعمل تركيا باستمرار على تطوير صناعاتها في قطاع الطائرات المسيرة لدعم سلاحها الجوي. وفي هذا السياق، أعلنت شركة “بايكار” التركية للصناعات الدفاعية، في 12 مارس 2022، عن هيكل طائرة مقاتلة مسيرة (Mius) بعد دخولها مرحلة الإنتاج. وتزامن إعلان تركيا عن إنتاج جيل جديد من الطائرات بدون طيار في ظل محاولات تركية مستمرة لتطوير قطاع الطائرات المسيرة؛ لتعزيز القدرات الهجومية والدفاعية المتكاملة لسلاحها الجوي بهدف ردع الخصوم، إضافة إلى القفز على التحديات التي تواجه سلاح الطيران التركي، بعد رفض واشنطن إتمام عدد من الصفقات الدفاعية مع أنقرة، لذلك تسعى أنقرة في الأوقات الراهنة إلى تطوير أنظمة جوية محلية.

2- التلويح باقتناء سوخوي الروسية: مع استمرار التعنت والرفض الأمريكي المستمر في بيعها مقاتلات إف-16 لتركيا، وكذلك عدم الاستجابة لمطالب أنقرة بتحديث مقاتلات أخرى موجودة لديها، قد تتجه تركيا نحو إمكانية شراء طائرات مقاتلة من نوع سوخوي-35 من روسيا. وفي هذا الإطار، حذر إسماعيل دمير، رئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية في سبتمبر الماضي، من أن أنقرة ستدرس شراء مقاتلات سوخوي-35 من روسيا إذا رفضت الولايات المتحدة تزويدها بطائرات إف-16 الحديثة.

لكن إذا كانت ثمّة اعتبارات تدفع أنقرة لاقتناء سوخوي 35، منها حصول تركيا في وقت سابق على منظومة الدفاع الصاروخية الروسية S400، فضلاً عن أن الطراز الروسي قد يكون أكثر فاعلية وأقل كلفة؛ ففي المقابل قد يتسبب هذا الخيار في تسخين التوتر بين أنقرة والقوى الغربية، وبخاصة واشنطن التي لا تزال تفرض عقوبات على تركيا منذ اقتنائها منظومة الدفاع الروسية S400.

3- تطوير العلاقة مع الشركاء الدوليين: مع وضع الكونجرس اشتراطات معقدة لحصول تركيا على طائرات إف-16 الأكثر تقدماً، قد تتجه تركيا لتعزيز التعاون مع الشركاء الدوليين، وبخاصة بريطانيا لتعويض احتياجات سلاح الجو التركي. وفي هذا السياق، أعلنت مصادر تركية وتقارير صحفية، في يونيو 2022، عن مباحثات بين أنقرة ولندن بشأن إمكانية حصول الأولى على عدد من طائرات “يوروفايتر تايفون”، وهي طائرة حربية متقدمة من الجيل الخامس. وتُعد “يوروفايتر” خياراً مفضلاً لتركيا خلال المرحلة المقبلة، بالنظر إلى رغبة بريطانيا في تعميق تعاونها العسكري مع تركيا، وهو ما كشف عنه إعلان المملكة المتحدة مؤخراً رفع القيود التي كانت قد فرضتها على تصدير الأسلحة إلى تركيا في عام 2019 بعد العملية العسكرية التي أطلقتها أنقرة على شمال سوريا.

4- مساومة الخصوم المتقدمين في الصناعات الجوية: في سياق تطوير قدراتها الدفاعية، نجحت تركيا في مساومة الخصوم المتقدمين في الصناعات الجوية، وبخاصة السويد، حيث حرصت أنقرة على توظيف رغبة السويد للحاق بحلف الناتو لتعزيز الضغوط عليها لتسوية القضايا العالقة بين البلدين، وبخاصة تسليم أنقرة المعارضين الأكراد المقيمين في السويد، والأهم مساومة السويد للحصول على تقنيتها في مجال الطيران الحربي، وبالذات طراز جريبن Saab JAS 39 Gripen. ويشار في هذا السياق إلى أن السويد أعلنت، في 30 سبتمبر الماضي، رفع حظر تصدير الأسلحة إلى تركيا، وقالت المؤسسة السويدية المعنية بمراقبة تصدير السلاح، في بيان، إنها ستسمح مجدداً بتصدير السلاح إلى تركيا، مشيرة إلى أن قرارها الأخير مرتبط بطلب الانضمام إلى عضوية الناتو.

تطور مشروط

ختاماً، يمكن القول إن تطوير القدرات العسكرية لسلاح الجو التركي يظل مرهوناً بقدراتها على نجاحاتها في تطوير صناعاتها الدفاعية من جهة، وقدرتها على تحييد واستيعاب الضغوط الغربية حال الانفتاح على مصدرين دوليين جدد، وبخاصة موسكو من جهة أخرى.