يتمثل أحد المداخل الرئيسية التي تعكس طبيعة العلاقات الخارجية لدول الإقليم، على مدار عام 2021، في رحلات الطيران الجوي، وهو ما تكشف عنه شواهد عديدة على غرار تطور متدرج في العلاقات المصرية- الليبية بعد استئناف الرحلات الجوية في نهاية سبتمبر الفائت، وتوتر مستدام في العلاقات الجزائرية- المغربية، على نحو بدا جلياً في إغلاق الجزائر المجال الجوي أمام الطيران المغربي، واحتمال استئناف الرحلات المباشرة بين الأردن وسوريا، وهو ما يأتي في سياق محاولة إدماج سوريا في الحاضنة العربية، وترجمة تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل مما استلزم تدشين خط طيران مباشر بين البلدين في ظل توقع تدفق الزيارات السياحية.
وكذلك ما كشفه التصعيد المتواصل في العلاقات بين السودان وأثيوبيا على خلفية الطيران فوق منطقة الفشقة الحدودية وتعثر حل أزمة سد النهضة، وتفكيك الأزمة بين دول المقاطعة العربية وقطر مما أدى إلى استعادة رحلات الطيران المباشر، وكذلك محاولة حركة طالبان كسب قبول المجتمع الدولي بعد دعوتها لاستئناف الرحلات الدولية، وتجاوز أزمة سقوط الطائرة الروسية في مصر وهو ما عكسه استئناف الحركة الجوية الروسية إلى المدن السياحية المصرية بعد توقف دام قرابة 6 سنوات، والالتزام بالإجراءات الاحترازية المتبعة للوقاية من “كورونا” كمدخل لعودة الطيران المباشر، وتعزيز تبادل المعلومات بشأن هوية المسافرين وفحص العاملين.
اتجاهات مختلفة
تشير رحلات الطيران المدني التي يتم تسييرها بين دول الإقليم وبعضها البعض، أو بين دول الإقليم ودول خارجية خلال عام 2021 إلى أنها تمثل مرآة عاكسة لطبيعة تلك العلاقات ما بين تعاونية أو صراعية، وذلك على النحو التالي:
1- تطور متدرج في العلاقات المصرية- الليبية: تشهد العلاقات بين مصر وليبيا زخماً متصاعداً منذ نهاية عام 2020 وبداية عام 2021، لاسيما بعد الانفتاح المصري على القوى السياسية في غرب ليبيا ودعم حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة وزيارات الوفود المختلفة للبلدين وتأكيد أوجه التعاون في مجالات متنوعة وبدء عودة العمالة المصرية إلى ليبيا والتهدئة النسبية في العلاقات بين القاهرة وأنقرة ومساندة السلطات الليبية لتنفيذ خارطة الطريق وخاصة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 24 ديسمبر المقبل.
وفي هذا السياق، جاء قرار استعادة الطيران بين البلدين، إذ تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة تشغيل الرحلات الجوية بين مطارات (معيتيقة – مصراتة- بنينا)، ومطار القاهرة الدولي بدءاً من 30 سبتمبر الماضي بحيث يتم تسيير أربع رحلات أسبوعياً من مطار معيتيقة ورحلتين أسبوعياً من مطار بنينا. وقد جاء هذا القرار عقب الزيارة التي قام بها الدبيبة إلى القاهرة، التي تم خلالها التوقيع على عدد من الاتفاقيات مع الجانب المصري، بينها إبرام مذكرة التعاون بين وزارة المواصلات بحكومة الوحدة الوطنية ووزارة النقل بمصر.
2- توتر مستدام في العلاقات الجزائرية- المغربية: وهو ما عكسه إغلاق الجزائر المجال الجوي أمام الطيران المغربي، وذلك بعد اجتماع للمجلس الأعلى للأمن في الجزائر، إذ جاء في بيان لرئاسة الجمهورية الجزائرية، في 22 سبتمبر الفائت: “قرر المجلس الغلق الفوري للمجال الجوي الجزائري على كل الطائرات المدنية والعسكرية المغربية”، بحيث أن الرحلات المعنية تغير مسارها لتمر فوق حوض البحر المتوسط. ولعل ذلك يمثل نتيجة لقطع العلاقات بين البلدين في 24 أغسطس الماضي. إذ اتُهِمت المغرب بأنها تمارس أعمالاً عدائية ضد الجزائر حسب الوصف الذي ورد على لسان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة. في حين لم يصدر أى رد فعل مغربي إزاء قرار الجزائر إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المدنية والعسكرية. كما لم يصدر أى قرار يعامل الجزائر بالمثل.
3- احتمال استئناف الرحلات المباشرة بين الأردن وسوريا: ويأتي ذلك في سياق محاولة إدماج سوريا في الحاضنة العربية، حيث أشارت الخطوط الجوية الملكية الأردنية إلى أنها ستستأنف الرحلات المباشرة مع دمشق بدءاً من 3 أكتوبر الجاري، وهو ما تم التوصل إليه خلال الاجتماعات الوزارية الأردنية- السورية الموسعة التي اختتمت في نهاية سبتمبر الفائت في العاصمة الأردنية، لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث جرى بحث ملفات التبادل التجاري وحركة نقل الشاحنات، وفتح المنطقة الحرة الأردنية- السورية المشتركة بين البلدين، إضافة إلى ملفات الكهرباء والمياه والزراعة.
4- ترجمة تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل: فقد تم تدشين خط طيران مباشر بين المغرب وإسرائيل، وأقلعت أول رحلة جوية لشركة الطيران الإسرائيلية “يسرائير”، من مطار بن غوريون إلى مراكش في 25 يوليو الماضي، لاسيما أن هناك توقعات من جانب وزارة السياحة المغربية بازدياد السفر من قبل إسرائيليين لهذه الوجهة ضمن برامج العطلات أو في رحلات منظمة.
5- تصعيد متواصل في العلاقات بين السودان وأثيوبيا: حظر السودان، في 15 يناير الماضي، الطيران فوق منطقة الفشقة الحدودية المتوترة مع إثيوبيا غداة إعلانه أن طائرة عسكرية إثيوبية عبرت حدوده في “تصعيد خطير”. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأشهر الماضية شهدت ازدياد التوتر بين الخرطوم وأديس أبابا حول منطقة الفشقة التي تبلغ مساحتها نحو 250 كم مربع، ويؤكد السودان أحقيته بها في حين يستغل المزارعون الأثيوبيون تلك الأراضي، الأمر الذي دفع بالجيش السوداني إلى استعادة السيطرة عليها.
6- تفكيك الأزمة بين دول المقاطعة العربية وقطر: أدى التوقيع على اتفاق العلا في القمة الخليجية التي استضافتها السعودية في 5 يناير الماضي إلى تجاوز تداعيات الأزمة القطرية عبر تشكيل لجان متابعة تكون معنية بحل القضايا العالقة بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من ناحية وقطر من ناحية أخرى. وقد تمخض عن تلك الأزمة تعليق الطيران بين الدول الأربع وقطر لمدة تجاوزت ثلاث سنوات ونصف، مما أدى إلى خسائر في قطاع النقل الجوي القطري لاضطراره لعبور أجواء دول أخرى بعيدة نسبياً عنه. وهنا، بدأ التوجه الأوَّلى في استعادة رحلات الطيران بين تلك الدول وقطر.
فعلى سبيل المثال، بدأت أول رحلة جوية من مطار القاهرة إلى الدوحة في 18 يناير الماضي. وفي هذا السياق، عقدت لجنة المتابعة المصرية- القطرية اجتماعاً في الدوحة، في 15 سبتمبر الفائت، برئاسة مساعد وزير الخارجية المصري ياسر عثمان، والمبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري للشئون الإقليمية علي الهاجري، ووقعت سلطة الطيران المدني المصرية على مذكرة تفاهم في مجال النقل الجوي مع هيئة الطيران المدني في قطر. وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية أن “هذه الخطوة تأتي في إطار استكمال مسار تعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين، والعمل الراهن على دفع العلاقات الثنائية بينهما للأمام”.
7- محاولة حكومة طالبان الانتقالية كسب قبول المجتمع الدولي: دعت حكومة طالبان الانتقالية، في 26 سبتمبر الفائت، إلى استئناف رحلات الطيران الدولية، وتعهدت بالتعاون الكامل مع شركات الطيران، وهو ما يعكس تكثيف جهود الحركة لأجل فتح البلاد مرة أخرى بعد سقوط الحكومة الأفغانية السابقة. وفي هذا السياق، قال عبد القهار بلخي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، أن “تعليق الطيران الدولي ترك العديد من الأفغان عالقين بالخارج ومنع العديد من الناس من السفر للعمل أو الدراسة”.
وأضاف: “مع حل جميع المشكلات في مطار كابل الدولي وبعد أن أصبح المطار قابلاً للتشغيل بشكل كامل للرحلات الداخلية والدولية تطمئن إمارة أفغانستان حلفاءها بشأن تعاونها الكامل”. وهنا، أعلنت السفارة الأفغانية في الرياض، في موقعها على “فيس بوك” في 30 سبتمبر الفائت، أن السلطات السعودية وافقت على السماح لشركة الخطوط الجوية الأفغانية “آريانا” بتسيير رحلات “استثنائية” من المملكة إلى كابل، وذلك بهدف مساعدة الأفغان الذين لم يتمكنوا من العودة إلى وطنهم بسبب جائحة فيروس “كورونا”، وهو ما سيتضح خلال الفترة القليلة المقبلة.
8- تجاوز أزمة سقوط الطائرة الروسية في مصر: وهو ما عكسه استئناف الحركة الجوية الروسية إلى المدن السياحية المصرية بعد توقف دام قرابة 6 سنوات، وأعقب تحطم طائرة ركاب روسية فوق سيناء عام 2015. إذ وصلت صباح يوم 9 أغسطس الماضي إلى مطار الغردقة في مصر أولى الرحلات القادمة من روسيا، وذلك بجانب رحلات الشركة اليومية بين القاهرة وموسكو، مما يساهم في توفير خدمات وخيارات سفر جديدة تعمل على جذب عدد أكبر من السائحين القادمين من روسيا إلى مصر. وتجدر الإشارة إلى أن شركة مصر للطيران سوف تُسيِّر 4 رحلات أسبوعياً مباشرة من موسكو إلى الغردقة، كما تُسيِّر 3 رحلات أسبوعياً مباشرة من موسكو إلى شرم الشيخ، وفقاً لما ذكره رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة لمصر للطيران عمرو أبو العينين في تصريحات إعلامية.
9- الالتزام بالإجراءات الاحترازية المتبعة للوقاية من “كورونا”: الأمر الذي يفسر عودة رحلات الطيران بين بعض دول الإقليم، والتي كانت متوقفة لاعتبار يتعلق بانتشار الفيروس وبناءً على تعليمات السلطات الصحية، خلال عامى 2020 و2021، وهو ما كان قائماً بين مصر والكويت، على سبيل المثال، على الرغم من قوة العلاقات السياسية بين تلك الدول. فتعليق الطيران بسبب كورونا كان قراراً صحياً، استجابت له الحكومات رغم التأثيرات السلبية الناتجة عنه وخاصة مع الأضرار التي تعرضت لها العمالة الوافدة والأسر في هذه الدولة أو تلك.
10- تعزيز تبادل المعلومات بشأن هوية المسافرين وفحص العاملين: قد يكون مدخل التنسيق الأمني بين دول الإقليم وبعضها البعض، وكذلك بين دول الإقليم والعالم الخارجي، بالغ الأهمية لتوثيق العلاقات، خاصة بعد استهداف صناعة الطيران والإمكانيات التقنية واللوجستية التي تتمتع بها التنظيمات الإرهابية. كذلك الحال بالنسبة لتبادل الخبرات المتعلقة بالفحوص الأمنية للعاملين بالمطارات وشركات النقل الجوي.
ساحة اختبار
خلاصة القول، إن خطوط النقل الجوي صارت ميداناً لاختبار العلاقات بين دول الشرق الأوسط وتعزيز العمل المشترك فيما بينها، أو بين دول الشرق الأوسط ودول خارجية، وربما يفسر ذلك، إلى حد كبير، أسباب اهتمام بعض التنظيمات الإرهابية بمحاولة استهداف المطارات. كما يفسر انتعاشة صناعة الطيران الخليجي بعد تجاوز أزمة مقاطعة قطر والتعافي المتدرج من “كورونا” وتنظيم معارض كبرى مثل إكسبو دبى 2020.