تصاعد تأثير الرياضة على الأوضاع داخل وبين دول الشرق الأوسط، ومنها السعودية والإمارات وقطر والعراق واليمن وإيران وأفغانستان بصورة مكثفة، في الثلث الأول من العام 2022، وهو ما تعكسه مجموعة من الأبعاد، منها تزايد اهتمام النخب السياسية الجديدة بالرياضة، وتعزيز المكانة الخارجية للدولة الوطنية المستضيفة لبطولات رياضية، ورفع الحظر عن استضافة الدول المباريات الرياضية الدولية، وتأكيد ولاء المليشيات المسلحة للقوى الإقليمية الداعمة لها، وتشدد بعض التيارات والجماعات مثل التيار المحافظ في إيران وحركة طالبان في أفغانستان إزاء حضور النساء للمباريات، وعودة دبلوماسية كرة القدم كمدخل لتهدئة العلاقات الصراعية بين الدول.
“تسييس” الرياضة
كان وسيظل للرياضة تأثير في النظم السياسية والعلاقات الدولية بأشكال مختلفة ودرجات متباينة في فترات زمنية مختلفة، ولعل آخرها حينما طالب رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم نويل لوغرايت في حديث لصحيفة “لو باريزيان”، في 27 فبراير الماضي، بطرد روسيا من كأس العالم المقررة نهاية العام الحالي رداً على تدخلها العسكري في أوكرانيا، مضيفاً أنه “لا يمكن لعالم الرياضة، لا سيما كرة القدم، أن يبقى محايداً. أنا بالتأكيد لن أعارض طرد روسيا” من نهائيات مونديال 2022، التي ستقام في الدوحة. وقد تم تجريد روسيا من حق استضافة العديد من الفعاليات الرياضية الكبرى، ومن بينها نهائي دوري أبطال أوروبا لكرة القدم رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا.
غير أن الاتحاد الدولي للكرة الطائرة يسير في اتجاه عكسي لما تذهب إليه بعض الاتحادات الرياضية لكرة القدم الأوروبية بشأن التعامل مع موسكو التي تستضيف كأس العالم للطائرة خلال الفترة من 26 أغسطس حتى 11 سبتمبر المقبل، إذ قال في بيان بتاريخ 25 فبراير الماضي: “يعمل الاتحاد الدولي للكرة الطائرة عن كثب مع الاتحاد الروسي للعبة واللجنة المنظمة لبطولات 2022 استعداداً لمختلف أحداث الكرة الطائرة والكرة الطائرة الشاطئية المقرر إقامتها في البلاد، والتي تسير وفق الخطة. بينما يؤمن الاتحاد الدولي للكرة الطائرة بأن الرياضة يجب أن تبقى دائماً منفصلة عن السياسة، فإننا نراقب الوضع عن كثب لضمان سلامة جميع المشاركين في فعالياتنا والتي هي على رأس أولوياتنا”.
ومع الانتقال من العالم إلى الإقليم، تشير التفاعلات الداخلية والبينية التي تشهدها دول الشرق الأوسط إلى أن الأحداث الرياضية تمثل مرآة عاكسة في الإقليم، على نحو ما توضحه الأبعاد التالية.
خطوات بارزة
1- تزايد اهتمام النخب السياسية الجديدة بالرياضة: هناك تصور مستقر في الكتابات النظرية والخبرات العلمية مفاده أن النخب والقيادات السياسية تهتم بالرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص نظراً لتأثير الأخيرة في تشكيل توجهات الرأي العام الداخلي، وهو ما تشير إليه حالة السعودية بعد تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في المملكة. فقد نجحت السعودية في التأهل لمونديال كأس العالم لكرة القدم 2022، وصار هناك فريق لكرة القدم النسائية السعودية وحقق فوزاً على فريق سيشل بالمالديف في 21 فبراير الماضي، لدرجة أن الأسطورة البرازيلي بيليه كتب عبر حسابه الرسمي على “تويتر”: “أود أن أهنئ الاتحاد السعودي لكرة القدم ومنتخب السعودية للسيدات على خوض أول مباراة دولية رسمية لهن، اليوم هو يوم تاريخي، ليس فقط بالنسبة لهن، إنما لكل محبي كرة القدم”.
واجهة عالمية
2- تعزيز المكانة الخارجية للدولة المستضيفة لبطولات رياضية: يشير اتجاه رئيسي في الأدبيات إلى صعود تأثير “الدبلوماسية الرياضية” في العلاقات الدولية، بمعنى أن الرياضة صارت إحدى أدوات القوة الناعمة للدولة، وتعمل على الترويج السياسي لها بأشكال مختلفة، إذ صارت دولة الإمارات موطن الرياضة العالمية بعد استضافتها كبرى البطولات الدولية ومنها كأس العالم للأندية والنسخة الرابعة المحدثة لطواف الإمارات الدولي للدراجات المعتمدة دولياً ضمن الطوافات العالمية الرسمية للمحترفين وقبلها سباق الفورميولا للسيارات. كما يسهم استضافة الدوحة لفعاليات بطولة كأس العالم 2022 في لفت أنظار العالم إلى قطر، وتسويق اقتصادي وثقافي وترفيهي خلال فترة تنظيم البطولة بما يجعلها واجهة عالمية. ومؤخراً، ترأس الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اجتماعاً تقييمياً استمع فيه إلى عرض حول آخر التحضيرات المتعلقة بألعاب البحر الأبيض المتوسط المقرر عقدها بمدينة وهران خلال الفترة 25 يونيو – 5 يوليو 2022، وخلال الاجتماع تم استعراض الترتيبات الخاصة بهذا الحدث الرياضي الهام على المستوى الدولي.
فك الحظر
3- رفع الحظر عن استضافة الدول المباريات الرياضية الدولية: وهو ما حدث بالنسبة للعراق، إذ أعلن الاتحاد العراقي لكرة القدم في 27 فبراير 2022 رفع الحظر الدولي المفروض على ملاعب كرة القدم في البلاد منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003. وفي هذا السياق، قال عدنان درجال رئيس الاتحاد العراقي: “التواصل مع الاتحاد الدولي لكرة القدم مدعوماً من قبل الاتحاد الآسيوي أتى بثماره وتكللت المساعي بعودة المباريات الدولية إلى بغداد”، وفقاً لما أشارت إليه وكالة الأنباء العراقية، وأجريت بالفعل أول مباراة للعراق بعد الحظر مع الإمارات في 24 مارس الفائت. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المنتخبات والأندية في العراق يصبح من حقها استضافة المباريات على أراضيها، والتي كانت تقام لدى دول الجوار، مع الأخذ في الاعتبار تخفيف الفيفا منذ سنوات الحظر، حيث كان يسمح باستضافة المباريات الرياضية الودية في البصرة وأربيل وكربلاء.
وكلاء طهران
4- تأكيد ولاء المليشيات المسلحة للقوى الإقليمية الداعمة لها: أرغم قادة مليشيا الحوثي لاعبي نادي الشعب والأهلي على ارتداء قمصان طبعت عليها صور قائد “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني، خلال فعاليات بطولة نظمتها جماعة الحوثي تزامناً مع ذكرى مقتله، في يناير 2022. وهنا تجدر الإشارة إلى تأكيد علي غلام رشيد قائد ما يعرف بـ”مقر خاتم الأنبياء” الإيراني، في تصريحات سابقة على أن قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” السابق كشف قبيل مقتله بـ3 أشهر أنه قام بتنظيم 6 جيوش خارج الأراضي الإيرانية بدعم من قيادة الحرس وهيئة الأركان العامة للجيش. واعترف بأن تلك الجيوش تحمل ميولاً عقائدية، ومهمتها الدفاع عن طهران ضد أي هجوم. وأشار إلى أن من بين تلك الجيوش كلاً من حزب الله اللبناني، وحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين، وقوات النظام في سوريا، والحشد الشعبي في العراق، ومليشيا الحوثي في اليمن، مؤكداً أن تلك القوات تمثل قوة ردع بالنسبة لبلاده.
تطرف الحكم
5- تشدد التيارات والجماعات إزاء حضور النساء للمباريات داخل الدول السلطوية: ولعل ذلك ينطبق جلياً على إيران، إذ تم منع النساء من حضور المباراة التي فاز فيها المنتخب الإيراني على نظيره اللبناني في 30 مارس الفائت، في التصفيات الآسيوية المؤهلة للمونديال، حيث استخدمت الشرطة الإيرانية رذاذ الفلفل للتصدي لاحتجاج السيدات في مدينة مشهد، الأمر الذي يعكس قوة التيار المحافظ المتشدد الذي تصرف بدون استشارة الاتحاد الإيراني لكرة القدم. وهنا تجدر الإشارة إلى أن إيران ظلت تمنع حضور النساء للمباريات الرياضية في مرحلة ما بعد قيام الثورة الإيرانية، غير أن الوضع تغير نسبياً في الأعوام الماضية تحت ضغوط الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، إذ تم إتاحة عدد قليل من التذاكر المخصصة للنساء في ملعب أزادي لحضور مباريات التصفيات المؤهلة لمونديال كأس العالم ودوري أبطال آسيا.
وفي سياق متصل، منعت حركة طالبان المرأة الأفغانية من ممارسة بعض الأنشطة الرياضية، وهو ما أوضحه بعض مالكي النوادي الرياضية في العاصمة الأفغانية. وهنا تجدر الإشارة إلى تصريحات داد محمد نوي المتحدث باسم لجنة التربية البدنية واللجنة الأولمبية الوطنية في حكومة طالبان في 6 يناير 2022، والتي قال فيها: “سنتبع سياسة الإمارة الإسلامية من جميع النواحي.. كل ما هو مسموح به في ثقافتنا وتقاليدنا سنسمح به”.
دبلوماسية القدم
6- عودة دبلوماسية كرة القدم كمدخل لتهدئة العلاقات الصراعية بين الدول: ستواجه إيران الولايات المتحدة في فعاليات كأس العالم بالدوحة في 29 نوفمبر المقبل، في ختام المجموعة الثانية، وهو ما ينطوي على أبعاد سياسية بسبب طبيعة توتر العلاقات بين واشنطن وطهران، على نحو يعيد إلى الأذهان دبلوماسية “البنح بونج” بين الولايات المتحدة والصين في عقد السبعينيات من القرن الماضي. وعلى الرغم من ذلك، قال المدرب الكرواتي للمنتخب الإيراني دراغان سكوتشيتس، في 2 أبريل الجاري: “لا تهمني القضايا السياسية المتعلقة بالولايات المتحدة.. هناك أمور بين البلدين لكننا سنفكر فقط بكرة القدم”.
محور أساسي خلاصة القول، إن الرياضة بشكل عام وكرة القدم بوجه خاص تعد أحد المداخل الرئيسية لفهم التفاعلات في إقليم الشرق الأوسط، من حيث اهتمام القيادات السياسية بطبيعة مزاج الجماهير، وهو ما يفسر حضور تلك القيادات دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، فضلاً عن تعزيز القوة الناعمة للدولة وتطوير القدرات التنافسية للدول في ساحات الرياضة الدولية وتهدئة العلاقات المتوترة بين الدول وتوطيد السلام.