اتخذت دول الإقليم سياسات متعددة للتكيف مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على نقص إمدادات الحبوب، ومنها البحث عن بدائل أخرى للقمح الروسي والأوكراني، وقيام الحكومات بتكثيف المشتريات المحلية من القمح، والسعي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي منه من خلال استصلاح كميات جديدة من الأراضي وزراعتها بكميات قمح إضافية، واستنباط سلالات جديدة من القمح تناسب البيئات العربية، والتوسع في إنشاء المناطق اللوجستية الحرة لتخزين القمح، وشراء واستئجار أراضي خارج الحدود لزراعة القمح، وتوحيد الجهود الحكومية وغير الحكومية لتعزيز منظومة الأمن الغذائي.
تعاني الدول العربية أزمة هيكلية حادة تتعلق بالكيفية التي يمكن من خلالها تأمين منظومة الأمن الغذائي في ظل الأوضاع والظروف الحالية التي تعيشها دول العالم، والتي تختلف تداعياتها ونتائجها باختلاف البلدان، إلا أن التداعيات طالت الدول كلها بشكل أو بآخر، وتسهم الحرب الروسية الأوكرانية، بشكل أساسي في هذه الأزمة. فعلى الرغم من التباعد الجغرافي بين الدولتين المتحاربتين وبين المنطقة العربية، إلا أن دول المنطقة تأثرت بشدة جراء هذه الحرب، والذي يبدو أنها مستمرة على الأقل في المدى المتوسط، دون وجود أي مؤشرات عن قرب انتهائها. وبالإضافة إلى الحرب الروسية – الأوكرانية، أسهمت جائحة كورنا في تلك الأزمة لما لها من تداعيات تتعلق بوجود اضطرابات في سلاسل التوريد، وكذلك قضية التغيرات المناخية، والتي باتت تشغل حيزاً كبيراً من اهتمامات دول العالم، وكذلك المؤسسات الدولية.
وتعتمد معظم الدول العربية بشكل كبير جداً على روسيا وأوكرانيا لسد احتياجاتها من القمح، في ظل الفجوة الواسعة التي تعانيها تلك الدول بين الإنتاج والاستهلاك. وتأتي روسيا على رأس قائمة الدول المصدرة للقمح عالمياً، كما تأتي أوكرانيا ضمن أكبر خمس دول مصدرة للقمح. ووفقاً للتقارير الصادرة عن الدول العربية، فقد بلغت الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك ما يقارب من 50 مليون طن في الموسم الزراعي 2020-2021. وتستهلك الدول العربية بما يقارب من نسبة 25% من صادرات القمح في العالم، كما تستورد بما يقارب من 60% من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا.
ومع بداية الحرب، أشارت التوقعات إلى انخفاض صادرات الحبوب والقمح الروسي في العام الزراعي 2022-2023 بنسبة 30% مقارنة بعام 2021، ولعل ذلك دفع الدول العربية للبحث عن بدائل أخرى للقمح الروسي والأوكراني، فضلاً عن قيام الحكومات بتكثيف المشتريات المحلية من القمح، والسعي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح من خلال التوسع في زراعته، بالإضافة إلى استنباط سلالات جديدة من القمح تناسب البيئات العربية، والتوسع في إنشاء المناطق اللوجستية الحرة لتخزين القمح، وشراء واستئجار أراض خارج الحدود لزراعة القمح، وكذلك توحيد الجهود الحكومية وغير الحكومية لتعزيز منظومة الأمن الغذائي.
سياسات متعددة
دفعت الحرب الروسية – الأوكرانية الدول العربية لتبني سياسات يمكن من خلالها تعويض النقص في إمدادات القمح، وكذلك ضمان استمرارية منظومة الأمن الغذائي، وهذه السياسات انطوت على ما يأتي:
1- البحث عن بدائل أخرى للقمح الروسي والأوكراني: تعد روسيا وأوكرانيا من أكبر دول العالم إنتاجاً للقمح، إذ تمثلان أكثر من 30% من إمدادات القمح في العالم. وتستحوذ الدول العربية على أكثر من 25% من صادرات القمح العالمية، فهي تستورد ما يقارب من 60% من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا. ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، تراجعت التقديرات الخاصة بصادرات الحبوب والقمح لكل من روسيا وأوكرانيا للعام الزراعي 2022 بنسبة 30% مقارنة بعام 2021، وهو الأمر الذي ألقى بظلاله على دول الشرق الأوسط، ولا سيما دول شمال إفريقيا التي تعتمد بشكل أساسي على استيراد القمح من البلدين. وتعد مصر أكبر مستورد للقمح الروسي في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم، تليها الجزائر والتي تأتي في المرتبة الثانية كونها أكثر الدول العربية استيراداً للقمح، ثم المغرب، ويأتي بعد ذلك السودان واليمن وتونس.
ونظراً إلى تلك المخاوف بشأن إمدادات القمح، سعت الدول العربية المستوردة للقمح إلى البحث عن بدائل أخرى، لا سيما الصين والهند لسد الفجوة الناتجة عن تراجع الإمدادات الروسية والأوكرانية من القمح، إذ تعد كلا البلدين أكبر منتجين للقمح في العالم، وهو ما دفع مصر، في أبريل الماضي إلى إضافة الهند كونها دولة منشأ جديدة لاستيراد القمح، بالإضافة إلى إعلان القاهرة عن اعتمادها على دولة لاتفيا كمصدر جديد للقمح، وفتح قنوات اتصال مع فرنسا والأرجنتين والولايات المتحدة وباكستان. كما أشارت بعض التقارير إلى أن الصين نجحت في جمع ما يقرب من نصف احتياطي القمح في العالم، وهو ما يجعلها قادرة على التدخل لسد الفجوة في إمدادات القمح. وعلى جانب آخر، سعت تونس إلى دول مثل أوروغواي وبلغاريا ورومانيا للحصول على إمدادات القمح الناعم لحماية نفسها من الاضطرابات المحتملة في الإمدادات، كما أعلنت عن خيارات للتوجه إلى الأرجنتين وفرنسا وبولندا. أما الجزائر فهي تعتمد بالأساس على فرنسا وكندا.
2- قيام الحكومات بتكثيف المشتريات المحلية من القمح: أعلنت المؤسسة العامة للحبوب السعودية، في 22 نوفمبر الماضي، أن قيمة القمح الذي تم توريده من قِبل المزارعين وصلت إلى 934 مليون ريال، إذ بلغت الكمية نحو 538 ألف طن، بانخفاض قدره 6.5% عن العام السابق 2021. ويعد القمح المحلي أحد البدائل التي باتت تعول عليها الدول لتعويض النقص في المعروض العالمي، بالإضافة إلى اتخاذ الحكومات قرارات تحفيزية لتشجيع المزارعين على زراعة القمح، حيث أصدر مجلس الوزراء السعودي قرارات تتضمن شراء القمح من المزارعين، شريطة الالتزام بزراعة القمح لمدة 5 سنوات.
وعلى جانب آخر، تسعى مصر هي الأخرى إلى تطوير المنظومة الخاصة بالزراعة التعاقدية، والتي تستند إلى عقد بين المنتج والمشترى يلتزم بموجبه المنتج بالتوريد طبقاً للكميات والأصناف والجودة والسعر، للمحاصيل الاستراتيجية التي تمثل أهمية قصوى، وذلك من أجل دعم المزارعين وتحسين أحوالهم المعيشية عبر تعزيز دخولهم، بالإضافة إلى تلبية احتياجات السوق المحلي من المحاصيل التي شهدت ارتفاعاً في الأسعار بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ومنها القمح. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد وجه، في مارس الماضي، بمنح حافز توريد إضافي لسعر إردب القمح المحلي للموسم الزراعي 2022 في مسعى نحو تشجيع المزارعين على توريد أكبر كمية ممكنة. فيما تسعى الإمارات إلى دعم المزارع المحلية وتشجيع المزارعين على زراعة القمح من خلال مبادرة “قمح الإمارات” التي تعد إحدى المبادرات الرائدة في مجال الزراعة. وتضم المبادرة 200 مزرعة في إطار الجهود الوطنية لتعزيز منظومة الأمن الغذائي.
3- السعي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح: من خلال التوسع في الزراعة الأفقية والرأسية للمحاصيل الاستراتيجية، وأبرزها القمح. وقد أعلنت مصر في مارس الماضي، عن وجود خطط تهدف لتشجيع زراعة واستصلاح كميات جديدة من الأراضي وزراعتها بكميات قمح إضافية، في إطار سعي الدولة نحو إضافة 1.5 مليون فدان من القمح خلال السنوات الثلاث المقبلة. كما كشفت وزارة الزراعة المصرية أن المساحة المزروعة بالقمح شهدت زيادة خلال عام 2022 بنحو أكثر من نصف مليون فدان مقارنة بعام 2021، ويأتي ذلك في إطار سعي الحكومة المصرية نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي لواحد من أهم المحاصيل الاستراتيجية والذي يستنزف النسبة الأكبر من العملة الصعبة. كما أعلنت لبنان، في نوفمبر الماضي، عن خطة للنهوض بزراعة القمح من خلال مبادرة أطلقتها وزارة الزراعة، وتعد هذه المبادرة هي الأولى من نوعها التي تطلقها لبنان وفقاً لما أعلنته منظمة “الفاو”، والتي جاءت نتيجة لتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على الأمن الغذائي اللبناني، بسبب اعتماده بشكل كبير على الواردات.
وفي السياق نفسه، أعلنت العراق، في سبتمبر الماضي، عن توجه الدولة نحو التوسع في زراعة القمح خلال الموسم الزراعي 2022-2023، من خلال زيادة 750 ألف هكتار جديد، في مسعى نحو تعزيز الناتج المحلي، في ضوء التحديات المصاحبة لنقص المخزون الاستراتيجي. وكانت تقارير دولية قد صنفت العراق ضمن البلدان التي تمتلك مخزوناً متدنياً من القمح، حيث تعد العراق مستورداً رئيسياً للقمح، وتحتاج سنويا إلى ما يتراوح من 4 إلى 5 ملايين طن. وعلى جانب آخر، بدأت الأردن في تنفيذ عدد من الخطط التي تهدف للتوسع في زراعة القمح والشعير وبعض المحاصيل الاستراتيجية، حيث أعلن صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي الأردني، في مايو الماضي، عن إطلاق مشروع زراعي جنوب المملكة يستهدف زراعة 30 ألف دونم، وتتضمن المرحلة الأولى زراعة 8 آلاف دونم بالمحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والشعير والأعلاف الحيوانية، بتكلفة تبلغ 18 مليون دولار. وتسعى السعودية أيضاً للتوسع في زراعة “قمح الديورم”، من خلال استنباط أصناف عالية الإنتاجية والجودة، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، وفقاً لمستهدفات “رؤية 2030”.
4- استنباط سلالات جديدة من القمح تناسب البيئات العربية: في إطار سعي الدول العربية نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، عكفت تلك الدول على استنباط سلالات جديدة من القمح تتوافق مع طبيعة التربة الصحراوية لأغلب الدول، وتتغلب على مشكلات شح الموارد المائية. حيث سعت الأردن للتوسع في استخدام سلالات محسنة من بذور القمح والشعير، وهو الأمر الذي ساهم في زيادة الإنتاج مقارنة باستخدام الأصناف التقليدية من البذور، واستخدمت الأردن سلالة محسنة من القمح أُطلق عليها “قمح أم قيس”، وكذلك سلالة محسنة من الشعير عُرفت بـ “شعير مؤتة”. كما تبنت السعودية برنامجاً يهدف لاستنباط أصناف ذات جودة عالية وإنتاجية مرتفعة، لقمح الديورم، من خلال مركز البذور والتقاوي وبنك الأصول الوراثية والنباتية. وينطوي البرنامج على ثلاث مراحل زمنية، وتتسم الأصناف الجديدة بأنها لديها القدرة على التأقلم تحت أي ظروف بيئية.
وفي سياق آخر، أعلنت هيئة الطاقة الذرية المصرية، في مايو الماضي، أنها نجحت في إنتاج طفرات جديدة من القمح ذات جودة إنتاجية عالية، وتستطيع تحمل الأراضي ذات الطبيعة الملحية ومقاومة ندرة المياه. ومن المتوقع أن تسهم الطفرات الجديدة في زيادة معدل الإنتاج بنحو طن للفدان، مقارنة بالأصناف الأخرى المستخدمة، كما أنها سوف تقلص مدة الزراعة، والتي سوف تستغرق نحو 140 يوماً فقط من بدء الزراعة حتى الحصاد.
5- التوسع في إنشاء المناطق اللوجستية الحرة لتخزين القمح: من بين السياسات التي لجأت إليها الدول لتعزيز أمنها الغذائي، التوسع في إنشاء المناطق اللوجستية الحرة. وفي هذا السياق، أعلنت مصر، في أواخر العام الماضي، عن تدشين منطقة لوجستية حرة في المنطقة الاقتصادية الحرة لقناة السويس، بهدف زيادة الطاقة الاستيعابية لتخزين القمح والزيوت، فضلاً عن تعظيم الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لتلك المنطقة، وهو ما يسمح بنقل تلك البضائع لعدد من الأسواق العالمية وتفادي الإضرابات الموجودة في سلاسل التوريد العالمية. كما أُعلِن أيضاً، في نوفمبر الفائت، عن تدشين منطقة لوجستية بميناء الإسكندرية، وأنها أول منطقة تُنشأ وفقاً للمعايير العالمية للمناطق اللوجستية.
وعلى جانب آخر، أعلنت الهيئة العامة للموانئ السعودية “موانئ”، في 4 أكتوبر الماضي، عن توقيع اتفاقية مع مجموعة “جلوب”، وذلك لإنشاء منطقة لوجستية متكاملة في ميناء جدة الإسلامي تسمح بإعادة التصدير. كما وقعت “موانئ” اتفاقاً مع شركة “MEDLOG”، في 23 ديسمبر الماضي، بهدف إنشاء أول منطقة لوجستية متكاملة بميناء الملك عبد العزيز بالدمام، بقيمة تصل إلى 100 مليون ريال. وكانت “موانئ” قد أبرمت عدداً من الاتفاقيات لإنشاء 6 مناطق لوجستية، كجزء من “رؤية المملكة 2030″، والتي تهدف لإنشاء 30 منطقة لوجستية بحلول عام 2030. كما أعلنت الإمارات، في 19 يونيو الماضي، عن إنشاء مناطق لوجستية في ميناء جدة الإسلامي في السعودية، من خلال اتفاق تم إبرامه بين “موانئ دبي العالمية” و”موانئ” السعودية تصل مدته إلى 30 عاماً. فضلاً عن تعاون “موانئ دبي” في إنشاء منطقة لوجستية في العين السخنة في مصر. كما تجري مناقشات لإنشاء مناطق لوجستية مشتركة بين مصر والأردن، وبين الأردن وتونس.
6- شراء واستئجار أراضٍ خارج الحدود لزراعة القمح: في ظل سعي الدول لتأمين احتياجاتها الغذائية الاستراتيجية من الحبوب واللحوم، تبنت بعض الدول نهجاً جديداً يقوم على شراء واستئجار أراضٍ خصبة صالحة للزراعة ذات مصادر مياه وفيرة خارج حدودها، فيما يعرف بـ”الحقول والمراعي الأجنبية”. ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى عدم صلاحية أو ضعف إنتاجية الأراضي الصالحة للزراعة في تلك الدول، فضلاً عن نقص المياه والجفاف الذي تعانيه تلك الدول، وهو ما انعكس بشكل سلبي على الزراعة، كما يرتبط ذلك برغبة الدول في تأمين احتياجاتها من المواد الغذائية بدلاً من الاعتماد على استيرادها.
وتعد السعودية إحدى الدول التي اتخذت هذا المنحى، نظراً إلى مناخها الصحراوي وضعف موارد المياه لديها، واعتمادها فقط على المياه الجوفية كمصدر وحيد للزراعة، حيث باتت تعتمد بشكل أو بآخر على ما تمتلكه وتستأجره من مزارع وأراضٍ خصبة في السودان وإثيوبيا وأستراليا وكندا وباكستان وتايلاند، وذلك لزراعة القمح والمحاصيل الأساسية. كما تتبنى الإمارات نفس النهج من خلال اعتمادها على أراضيها في كازاخستان والسودان وإثيوبيا. وتتصدر كل من السعودية والإمارات قائمة دول الشرق الأوسط في شراء الأراضي الزراعية خارج حدودها. وتعد إفريقيا من أكثر المناطق بيعاً للأراضي، حيث تعد السودان وموزمبيق وإثيوبيا وليبيريا ونيجيريا ومالي وغانا ومدغشقر من بين أكثر البلدان الإفريقية البائعة أو المؤجرة للأراضي. كما دفعت الحرب الروسية – الأوكرانية دول الخليج نحو مزيد من الاهتمام بمنطقة القرن الإفريقي، لا سيما في إثيوبيا والسودان والصومال وجيبوتي، نظراً إلى الموقع الاستراتيجي لتلك الدول المطل على طرق التجارة العالمية والمضايق الاستراتيجية المهمة، بجانب ما تملكه من إمكانيات زراعية هائلة، إذ إن 44% من مساحتها الزراعية غير مستغلة.
7- توحيد الجهود الحكومية وغير الحكومية لتعزيز منظومة الأمن الغذائي: اتخذت الدول عدداً من الإجراءات من أجل تعزيز الجهود بما يضمن الحفاظ على منظومة الأمن الغذائي وتعظيم قدرتها على الاستدامة. حيث أعلنت السعودية، في 17 يناير من العام الجاري (2023) عن تحويل “المؤسسة العامة للحبوب” لتكون “الهيئة العامة للأمن الغذائي”، والموافقة على الترتيبات التنظيمية لها. وجاءت تلك الإجراءات السعودية في إطار توجه الدولة نحو تعزيز منظومة الأمن الغذائي بما يتماشى مع مستهدفات “رؤية 2030″، وكذلك في مسعى نحو تنفيذ وإدارة الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، وتعزيز الجهود الوطنية في هذا السياق. ومن المتوقع أن تقوم الهيئة بدور رئيسي في توحيد كل الجهود الحكومية وغير الحكومية المتعلقة بتعزيز الأمن الغذائي، بما توافق مع توجهات الحكومة السعودية برفع كفاءة الجهات الحكومية.
وعلى جانب آخر، أعلنت الأردن، في 29 أغسطس الماضي، عن تدشين الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2021-2030، وتعد هذه الاستراتيجية هي الأولى من نوعها التي تطلقها الأردن في مجال الأمن الغذائي، والتي جاءت نتيجة التحديات التي فرضتها الظروف الدولية المتمثلة في أزمة كورونا، واستمرار الحرب الروسية – الأوكرانية، وكذلك تغير المناخ، وهي الأزمات التي ألقت بظلالها على الأمن الغذائي، مع تخوفات بعدم قدرة الدول على تدبير احتياجاتها من المواد الأساسية مثل القمح.
أزمة مستمرة
وختاماً، لم تكن الحرب الروسية – الأوكرانية هي العامل الوحيد المؤثر فيما تعانيه الدول العربية من نقص في مخزونات القمح والحبوب، وهو ما يعني أن الأزمة ستظل مستمرة حتى مع انتهاء الحرب. وهو الأمر الذي يفرض على الدول العربية تبني سياسات جديدة تقوم على تقليل الاعتماد على الخارج في سد الاحتياجات من المواد الزراعية الأساسية مثل القمح والحبوب، سواء من خلال إجراء بحوث للوصول إلى سلالات زراعية تناسب البيئات العربية ذات الطبيعة الصحراوية في أغلبها، وتناسب كذلك ندرة الموارد المائية، وتكون قادرة على التكيف مع التغيرات المناخية. وكذلك لا بد من تبني سياسة عربية مشتركة تتعلق بتعزيز الأمن الغذائي العربي وضمان استمراره، وهو المحور الذي تم وضعه على أجندة مؤتمر الجامعة العربية الأخير، والذي استضافته الجزائر في نوفمبر 2022، فضلاً عن تعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية ذات الاهتمام المشترك.