أهم ما يميز الأسابيع الأخيرة لشهر ديسمبر من كل عام هو ظهور عدد من التحليلات المتعلقة بتوقعات العام الجديد، يقوم بها مراكز أبحاث فى صورة ندوات، أو تظهر كمقالات رأى وتحليلات إخبارية لمتخصصين فى الشئون الدولية، أو فى مطبوعات خاصة منها ما أصدرته مجلة الإيكونوميست البريطانية منذ أيام بعنوان العام المقبل ٢٠٢٣ وما يصدره المركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية بشكل سنوى فى صورة تقرير عن توقعات العام الجديد.
المتتبع لما ينشر دوليا حول توقعات ٢٠٢٣ سوف يجد أن معظمها مبنى على أحداث بدأت أو تطورت فى عام ٢٠٢٢. على سبيل المثال تشير معظم التوقعات إلى استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وأن أى توقف لها سيكون مؤقتا، وبهدف الاعداد لجولة جديدة من القتال. كذلك سوف يستمر التحالف الغربى متماسكا بشكل كبير فى مواجهة الصين وروسيا، رغم بعض التشققات التى بدأت تظهر فيه نتيجة لتداعيات حرب أوكرانيا.
لا أحد يتوقع أيضا أن تقوم الصين بغزو تايوان فى العام الجديد، بل ستشهد العلاقات بين الصين والولايات المتحدة قدرا من التنافس ومساحة للتعاون، وحتى لا تصل الأمور إلى حافة الهاوية.
حديث لى منذ أيام قليلة مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، زاد قناعتى بأن مسار القتال فى الحرب الروسية الأوكرانية قد يشهد تطورات لا يتوقعها الآن الكثير من المحللين الغربيين، وأن المقولات التى ترددها الآن بعض مراكز الفكر والصحف الامريكية حول بداية مسيرة لتراجع القوة الصينية، يشوبها المبالغة فى التقدير.
من المتوقع أيضا ألا تنتهى آثار جائحة كورونا بل سيتبقى لها بعض التداعيات فى العام الجديد، خاصة لو بدأت موجة جديدة من العدوى هذا الشتاء، أو ازدادت مع معدلات الإصابة فى الصين نتيجة لرفع القيود المتعلقة بالوباء، واحتمال انتقال العدوى الى خارجها. سوف تستمر أيضا التوترات فى شبه الجزيرة الكورية مع مواصلة كوريا الشمالية برامجها الصاروخية والنووية.ومن الناحية الاقتصادية سيستمر تأثير ظاهرة التضخم وارتفاع الأسعار فى معظم دول العالم ،وستستمر حيرة العديد من الاقتصاديين والبنوك المركزية فى كيفية التعامل معها. و فى المنطقة ستستمر النزاعات الإقليمية فى اليمن وليبيا وسوريا وسوف تكشف الحكومة الجديدة فى إسرائيل عن توجهاتها اليمينية.
ما استوقفنى فى توقعات العام الجديد هو ما قدمه ريتشارد هاس رئيس إدارة التخطيط الإستراتيجى الأسبق بالخارجية الأمريكية، والرئيس الحالى لمجلس العلاقات الخارجية، وهو أحد أهم مراكز البحث بالولايات المتحدة، والذى تصدر عنه الدورية الشهيرة والأكثر تأثيرا فى السياسة الدولية مجلة شئون خارجية.
يرى هاس أن الحدث الأكبر فى العام القادم، أو قصة العام الجديد ستكون إيران.
وجهة نظر هاس تقوم على أن العام ٢٠٢٣ سوف يشهد تجمع ثلاثة متغيرات فى وقت واحد، ستسهم فى أن تجعل إيران قصة العام.
أولها هو استمرار الاحتجاجات فى الشوارع، والتى يزداد عدد المشاركين فيها وانتشارها الجغرافى فى انحاء البلاد، والتى تتم أيضا فى خلفية أزمة اقتصادية ومجتمعية، وتطلع جيل من الشباب لمستقبل مختلف.
المتغير الثانى هو احتمال أن تحدث خلافة فى منصب المرشد الأعلى الثورة الإسلامية، والذى يشغله على خامنئى منذ عام ١٩٨٩، وتتردد منذ فترة أخبار عن ضعف حالته الصحية وبدء تحركات لخلافته.
المتغير الثالث هو أنه لا توجد أى فرصة لإحياء الاتفاق النووى لعام ٢٠١٥، وعودة الولايات المتحدة إليه فى الظروف الحالية، وذلك لسببين أحدهما أن الإدارة الأمريكية لن تفكر فى رفع أى عقوبات، أو الإفراج عن أى أموال مجمدة فى الوقت الحالى الذى تواجه فيه إيران المحتجين. والسبب الثانى أن إيران وفقا للاتهامات الأمريكية أصبحت أحد مصادر الأسلحة لروسيا فى حربها ضد أوكرانيا.
وفى ظل غياب اتفاق نووى، سيزداد الشعور بأن إيران تقترب مما يسمى «الخطوط الحمراء» بالنسبة لقدراتها النووية، وبالتالى يرى هاس أنه من المحتمل أن يشهد عام ٢٠٢٣ جدلا فى عدد من الدول منها الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض دول الشرق الأوسط حول ما يجب عمله تجاه تزايد القدرات النووية الإيرانية، وفى هذه الحالة قد لا يكون رد الفعل هو فرض مزيد من العقوبات، حيث إن العقوبات قد أضرت بالاقتصاد الإيرانى ولكنها لم تؤد إلى إيقاف البرنامج النووى. ومن ثم لا يستبعد هاس أن يكون هناك رد فعل عسكرى لتدمير أجزاء من المؤسسات النووية الإيرانية التى يمكن الوصول اليها. وهنا يطرح هاس أسئلة دون إجابة حول مدى نجاح هذا الخيار العسكرى فى تحقيق أهدافه؟ ورد فعل ايران الفورى بعد ذلك؟ وتأثير هذا على الشرق الأوسط؟
المثير للانتباه أن هاس يرى أن النظام فى إيران قد لا يمانع من الوصول لأزمة حول البرنامج النووى، وأن بعض الأشخاص فى المؤسسة الدينية يرون أن إيران قد تكون بحاجة لأزمة من شأنها أن توحد البلاد، وتجعل من الصعب على المتظاهرين الاحتجاج على الحكومة وتحدى النظام.
ختاما، ما يطرحه هاس، رغم أنه يسميه مجرد أفكار محتملة التطبيق وليست يقينية، الا أنه كلام خطير، ويجب أن يدعونا أيضا الى التفكير بشأن المنطق القائم عليه، واحتمال حدوثه، وتداعيات ذلك علينا وعلى المنطقة، حتى لو كان ذلك فقط من باب التمرين العقلى.
نقلا عن الأهرام