هذه هى المرة الأولى لأكثر من ثلاثين عاما التى يشهد فيها العالم العربى بصفة خاصة، وإقليم الشرق الأوسط عامة هذه الحالة من التبدلات والتحولات نحو الجنوح للتهدئة، والبحث عن أفق لعلاقات متكافئة بين دوله، وإمكانية فتح المجال لحوار مباشر وتلاقى فعلى بين مايسمى دول الاعتدال وفريق محور الممانعة فى الإقليم، منذ الغزو العراقى للكويت عام ١٩٩٠ مرورا بحرب تحرير الكويت، وانتهاء بكارثة الخريف العربى وما أعقبها من ضياع دول وتمزيق الخرائط فى الإقليم، لأول مرة هذا العام يقرر الإقليم ودوله البحث عن وقت مستقطع، لإجراء المراجعات النقدية والتخلى عن رهانات قيادة الإقليم، والبحث فى علاقات طبيعية تعاونية مع الدول الكبرى فى الإقليم العربى، حيث كان ابرز حدثين شكلا وجه التغيير القادم فى الإقليم، وأعلنا ولادة شرق اوسط جديد، الاول لقاء الدوحة بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس التركى طيب اردوغان نوفمبر الماضى، وما استتبعه من زيارات بين وزيرى خارجية البلدين، والاتفاق على إطلاق سباق عودة وتطبيع العلاقات، والشروع فى حل القضايا الخلافية برسم لائحة الشروط المصرية، والثانى الاتفاق السعودى الإيرانى فى بكين برعاية صينية فى العاشر من مارس الحالى، ومعالجة الخلافات الأثيرة لأكثر من ٤٠ عاما منذ وقوع الثورة الإيرانية وعودة الخوميني. فى مقابل كل هذه الحميمية فى سباق التلاقى بين دول الإقليم برزت من جديد, قصة عودة سوريا الى الصف العربى بعد قطيعة استمرت لأكثر من ١٢ عاما، هناك تغيير جوهرى فى المواقف، والتخلى عن السياسات العقابية بحق بشار الأسدالى حد ما, نظرا للاوضاع التى تغيرت، والاحوال التى تبدلت فى الإقليم بأكمله، وتوافق عربى ضمنى حتى الآن، على النظر بايجابية من اجل عودة دمشق لمقعدها بالجامعة العربية، وإمكانية فتح الباب امام الحضور والمشاركة فى قمة الرياض العربية فى مايو القادم، من جانبى تواصلت مع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط اليومين الماضيين، وسألت عن الموعد المضروب لعودة سوريا، بعد الخطوة السعودية الاخيرة باتجاه فتح حوار مباشر مع دمشق، ابو الغيط هذه المرة تحدث بشغف عن حدوث بعض التطورات الإيجابية، وان هناك حديثا يبرز بقوة فى هذا الاتجاه، وان مثل هذه الخطوة مرهونة بمواقف الدول العربية واتصالاتها فى قادم الأيام مع دمشق، وان الجامعة تتابع وتترقب القرار العربى فى هذا الصدد، والجامعة منفتحة مع اى قرار عربى تتوصل اليه دولها عبر التوافق، وعاد ابو الغيط ليبلغنى بأن اى قرار فى هذا الاتجاه رهن بتوافق سعودى – مصرى اولا، فإذا اتفق البلدان من شأن ذلك الانعكاس الإيجابى من عدمه، ومن الآن وحتى موعد القمة العربية القادمة والتى اتفقت عبر الاتصالات مع وزير الخارجية السعودى الامير فيصل بن فرحان مؤخراً على عقدها فى مايو بالرياض بدلا من مارس حسبما كان مقررا بسبب موعد شهر رمضان، ربما يجد جديد ومناسب بشأن التعاطى الإيجابى مع هذا الملف. لاشك أن لهجة وحديث احمد ابو الغيط معى هذه المرة، بشأن ملف عودة سوريا فيه الكثير من التغيير والاكتراث، خاصة ان الرجل حتى وقت قريب وطيلة السنوات الخمس الماضية كلما حدثته فى هذا الامر وفرص عودة سوريا، كانت إجابته حاضرة، من المبكر الحديث عن هذا الامر، ومازال هناك تضاؤل فى فرص فتح هذا الملف الآن، ناهيك عن ابو الغيط كان ومازال صاحب موقف ونظرية متفردة فى هذا الشأن، ويرى أن الجامعة العربية وقعت فى خطأ تعليق عضوية سوريا فى نوفمبر عام ٢٠١١، طبعا قبل توليه منصبه عام ٢٠١٦، ويرى ان سوريا لم تعلق عضويتها فى الامم المتحدة منذ احداث الخراب العربى بأراضيها كما يحلو له تسميته عندما وقع بعدة عواصم عربية فى ذلك الوقت.
وعاد ابو الغيط يحدثنى بشكل مباشر عن النقاشات من قبل عواصم عربية باتجاه سوريا فى قادم الأيام للتأكد من عودة دمشق العربية، وليس دمشق الإيرانية، خاصة ان العلاقات بين دمشق وطهران شهدت سنوات من التطبيع والتداخل المطول فى السنوات الماضية فى اثناء القطيعة العربية، الامر الذى يحتاج الى نقاش معمق من اجل عودة سوريا العربية بعمقها ومواقفها وتوجهاتها العروبية، وهذا هو المطلوب فى المرحلة القادمة، ولننتظر ونر.
فى ظنى ان قادم الأيام سيشهد تغييرات إيجابية من قبل المملكة العربية السعودية، وكذلك مصر وايضاً قطر خاصة فى ضوء الإعلان المرتقب للمبادرة الاردنية، التى أعلن عنها فى الأيام الماضية من قبل الجانب الأردنى ،على لسان وزير خارجيته أيمن الصفدى، والذى كشف النقاب عن تحرك أردنى بمروحة واسعة لدى العواصم العربية والغربية ايضا لتقديم الحلول، واحداث الاختراقات فى المواقف العربية اولا لعودة سوريا للجامعة العربية، ومن هنا بات لدى قناعة تلامس اليقين ان الأسابيع القادمة ستشهد انفراجة إيجابية بفرص عودة سوريا خاصة ان الغالبية من العواصم العربية فتحت الآفاق والسفارات وتبادلت الزيارات والمبعوثين مع الرئيس بشار الأسد، وان الأيام القادمة ربما يبرز الغطاء المصرى لتعزيز العودة السورية، كما فعل الرئيس عبدالفتاح السيسى وفتح الباب لحاضنة مصرية ـ عربية إغاثية فور وقوع الزلزال الأخير المدمر فى سوريا وتركيا، وكذلك ستفعل السعودية وقطر، ويفتح الباب بعد نقاش وحوار ولقاءات لكلا البلدين مع دمشق فى قادم الأيام، وعندها ربما يحدث التوافق والتنسيق المصرى السعودى، للعودة والمشاركة من قبل بشار فى قمة الرياض، او فى الحد الأدنى اتخاذ قرار العودة يومها، ليعود الرئيس الغائب بعد ١٢ عاما لمقعده فى الجامعة والقمم العربية القادمة، خاصة اننى ارى ان تلك العودة باتت قريبة.
نقلا عن الأهرام