خلال متابعتى للأحداث الدولية الأسابيع الأخيرة وجدت كمًا هائلًا من الأسئلة مطروحة على الساحة الدولية، وكذلك الإقليمية الشرق أوسطية المرتبطة بنا، وإذا كان التغيير والتطوير من السمات الطبيعية للحياة ولا يقلقنى، فقد استوقفنى تنوع الأسئلة حول الموضوعات المهمة المرتبطة بالعلاقات الدولية، وتعدد الأسئلة التى لا تتوفر لها إجابات واضحة، أو مؤشرات ترجح ما هو قادم.
وفى أول الأمر نويت عدم التوقف عند هذه الأسئلة فى غياب إجابات لها لدىَّ أو لدى الغير، وإنما تراجعت عن ذلك فى ضوء كثرتها ومحوريتها فى تشكيل المستقبل، ولشعورى بأن أهميتها وخطورتها تستوجب منا جميعًا التدقيق والتفكير، استعدادًا لما هو قادم، والتى يرجح أن تكون مرحلة مضطربة وغير مستقرة، تحمل فى طياتها مخاطر كثيرة، وإنما قد توفر فرصًا لانطلاقات غير تقليدية للبعض إذا أحسن استغلالها.
ومن الأسئلة على الساحة الدولية: كيف يمكن وقف التصعيد بين الأقطاب المتصارعة فى الحرب الأوكرانية بعد أن أعلنت بريطانيا توفير ذخيرة حساسة وخطيرة، وأعلنت روسيا نشر بعض المكونات النووية فى بيلاروسيا؟ وهل يفلت الزمام؟ وموقف الحلف الأطلنطى هو أن بوتين يجب ألا ينتصر، وأنها فرصة لإضعاف روسيا، وفى المقابل هناك تساؤلات عديدة عن أهداف روسيا وعما يمكن أن تقبله لوقف العمليات العسكرية.
والنتائج حتى الآن متضاربة وليست على ما يرام، وكيف يتوقف النزاع والقطبان الروسى والأمريكى لا يتقبلان الهزيمة؟ وما هو التحول الجديد فى السياسة الخارجية الروسية، والذى أُعلن أخيرًا باعتبار الولايات المتحدة المحرض الرئيسى ضد روسيا؟
وفى ظل عدم اعتياد الثقافة الروسية على قبول الهزيمة، هل أصبح المستقبل السياسى لبوتين مرتبطًا بأوكرانيا؟ ومع نشوة القوة فى الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، وامتداد النزاع إلى ٢٠٢٣ ومشارف بدء الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية.
هل أصبح المستقبل السياسى لبايدن مرهونًا بالحالة الأوكرانية كذلك؟ هل ستدفع تداعيات الظهور بالتراجع أو الضعف على المستقبل السياسى للرئيسين إلى تعنتهما فى عدم إظهار المرونة الضرورية للتهدئة؟ وهل دخلنا فى دوامة الانتقال من معركة إلى أخرى على حساب المواطنين فى الساحة وخارجها، تعقبها على أحسن الافتراضات مرحلة نزاع ممتد ومفتوح بدرجات متفاوتة من التصعيد والتهدئة مثل الحالة الكورية أو غيرها؟
وارتباطًا بتلك الساحة هل تقترب أوروبا من بعضها البعض نتيجة لأحداث أوكرانيا، أم تنقسم بين الشرق والغرب مع استمرار الضغوط الاقتصادية المرتبطة وإنما مع قيام الشرق باتخاذ المواقف المتشددة؟ وهل تتشكل الشخصية الأمنية الأوروبية المستقلة أم تنغمس القارة العجوز مرة أخرى تحت الغطاء الأمنى لحلف الناتو برئاسة أمريكية؟ وما هو موقف ألمانيا وفرنسا من ذلك؟ باعتبارهما من الدول الأوروبية الثقيلة استراتيجيًا والتى كانت الداعمة الأولى لسياسات أوروبية مستقلة مع استمرارها فى توجهاتها الغربية.
وهل تسعى أمريكا والغرب إلى التصعيد وبدء حرب باردة مع الصين فى ظل محاولات فرض العقوبات التكنولوجية، واتفاق AUKUS بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا الذى فتح الباب لتوريد غواصات نووية لأستراليا، مما أثار حفيظة الصين ودول آسيوية عديدة؟ وهناك رغبة أمريكية واضحة للحفاظ على هيمنتها الدولية منذ انتهاء الحرب الباردة فى الربع الأخير من القرن الماضى.
فهل يدفع ذلك إلى ظهور تحالف صينى- روسى مضاد؟ وهو ما ينوه إليه الغرب بقدر من المبالغة والتسرع، فرغم رفض الصين الهيمنة الأمريكية والغربية بالفعل، ومطالبتها بخلق نظام دولى متعدد الأطراف جامع للكل، وهو ما عكسته تصريحات الرئيس Xi فى موسكو أخيرًا، فمازالت الصين تفضل التنافس الشرس مع الغرب دون التصادم معه، طالما لم تمتد الهيمنة الغربية والأمريكية الخشنة إلى المناطق المجاورة لها آسيويًا.
وهل يؤدى تصعيد الدول الكبرى إلى تغييرات فى سياسات الغير؟ فمع الصعود الصينى والانكماش الروسى توجه عدد من الدول الآسيوية نحو إعادة مركزة بوصلة التوازن فى علاقاتها الدولية، والهند المجاورة للصين والتى لديها علاقات تاريخية مع روسيا امتنعت عن قرارات الإدانة بعد أحداث أوكرانيا، وإنما أصبحت أكثر انفتاحًا على الغرب فى العقدين الماضيين.
بعدما وفرت روسيا أسلحة متطورة للصين لم تحصل عليها الهند مسبقًا، ونشطت علاقاتها بالخليج العربى والشرق الأوسط بما فى ذلك إسرائيل، ودخلت فى تجمعات صغيرة مثل I2U2 مع الإمارات وإسرائيل وأمريكا والـBRICS مع البرازيل وجنوب إفريقيا وروسيا والصين، وانحيازات الفلبين بدرجات أكثر نحو الغرب بتمهيد وتحديث المهبط الجوى بقاعدة باسا الجوية وفتح بلاز أول قاعدة بحرية أمريكية جديدة فى البلاد منذ ٧٠ عامًا.
وهل يظل الدولار العملة الرئيسية فى النظام الاقتصادى أم نشهد بدائل أخرى؟ وهل نشهد انكماشًا اقتصاديًا إزاء التكلفة الاقتصادية لجائحة كوفيد والحرب الأوكرانية، أم أن رفع القيود الطبية فى الصين فتح باب أسواقها وقوتها الإنتاجية كعجلة تنشط التجارة الدولية؟ وكيف ينعكس ذلك على اقتصادات الدول الثرية والنامية؟
وهناك أسئلة وتطورات كثيرة حول الشرق الأوسط كذلك، بعضها يصحبها الكثير من الغموض والقلق، وبعضها قد يكون مؤشر انفراجة، فى شمال إفريقيا.
هل التصدع الجزائرى- المغربى عبر نصف قرن تقريبًا ينصب حقًا على قضية الصحراء الغربية؟ ومتى نشهد استقرارًا فى تونس؟ وهل يمكن تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية المتصارعة على السلطة مع تعدد تدخلات متعددة لأطراف دولية؟ وهل تساهم خطة الطريق المقدمة من مجلس الأمن الدولى وبوادر التهدئة فى العلاقات المصرية- التركية فى ذلك؟ وكيف تتخطى مصر الضائقة الاقتصادية وضغوط المديونية الضخمة، أو تحديات الفقر المائى فى غياب اتفاق ثلاثى بين إثيوبيا والسودان ومصر؟ وهل نشهد استقرارًا فى الأوضاع فى السودان أم تظل تترنح بين الانفراجة والأزمات بشكل ممتد؟
وفى المشرق.. من الأسئلة الملحة: هل قضى التعنت الإسرائيلى نهائيًا على فرص الحل السلمى وصيغة الدولتين لصالح الدولة الواحدة؟ رغم أن ذلك يعنى استمرار النزاع بين الشعبين المتنازعين على الأرض والهوية الوطنية؟ مع زيادة عدد القتلى الفلسطينيين وصعود المواجهة الشعبية مع الإسرائيليين منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية العنصرية الجديدة.
وهل يؤثر تعثر مسار السلام على استقرار الأردن؟ وهل نرى استمرار التطبيع مع الدول العربية أم يغطى ما تم بسحابة غامضة وطقس بارد على غرار تجارب أخرى فى ظل التطرف الإسرائيلى؟
وهل نشهد توازنات إقليمية متجددة بين الدول العربية والشرق أوسطية الأخرى بعد سنين من الانكماش العربى؟ ومع المهادنة التركية مع جيرانها باقتراب الانتخابات الرئاسية، هل يمتد ذلك إلى الساحتين السورية والعراقية اللتين لايزال لها تواجد عسكرى غير مشروع فيهما؟ وما مدى الاتفاق السعودى- الإيرانى الذى تم تحت غطاء صينى بعد عقود من السيطرة الأمريكية على الساحة؟ وهل يخلق الممارسات والسياسات المتجددة فى المشرق والخليج التى تساهم فى إعادة تشكيل الشرق الأوسط والعلاقات الإقليمية والدولية؟ خاصة أن هناك بوادر انفراجة فى العلاقات بين عدد من الدول العربية وسوريا آخرها زيارة وزير الخارجية السورى إلى القاهرة.
وهناك أسئلة أخرى كثيرة، وكما ذكرت فى مستهل المقال لا أرى بشائر واضحة للردود على الكثير من هذه الأسئلة، أو لتوثيق ما يقدمه المحللون من تقديرات وسيناريوهات، وإنما أعتقد أننا فى مرحلة تاريخية مهمة يتم فيها التشكيل والتكوين على المستويين الدولى والإقليمى.
مرحلة يرجح أن تمتد قبل أن يحسم سبيلها، وإنما سنتذكر عام ٢٠٢٣ والقرارات التى تتخذ خلالها كنقطة فاصلة فى تحديد مفترق الطرق الذى يحدد الكثير مما هو قادم سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
ولكل مجتهد نصيب.. وبالله نستعين.
نقلا عن المصري اليوم