ليست هذه المرة الأولى عربيا وعالميا ـ التى يظهر فيها هذا العنوان، وأحيانا فى صورة أمل نتمنى تحقيقه، تتكرر العبارة عادة بعد بعض الأحداث المفصلية، كان آخرها الانتفاضات العربية 2010 – 2011، وفى الحقيقة توقع التغيير وحتى المطالبة به منطقى ويحدث كثيرا فى التاريخ العالمى، نعرف مثلا أن الحرب العالمية الأولى ومعاناتها والتى نتج عنها نحو 15 مليونا من الموتى وهى نسبة عالية من سكان تلك الأيام ـ أدت الى المطالبة بمنع هذه الكارثة مرة أخرى، بل تم الاتفاق على إنشاء منظمة عالمية ـ عصبة الأمم ـ للمساعدة فى التواصل بين الدول المختلفة حتى لا تتحول خلافاتها العادية الى عنف وحرب، ولكن كما نعرف الآن، لم تتحقق هذه الرغبة الشعبية، وانزلق العالم بعدها بعشرين عاما فقط الى الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، وبلغ عدد موتاها نحو 51 مليون نسمة، أى أكثر من ثلاثة أضعاف الحرب العالمية الأولى، بل يجب أن نتذكر أيضا تدمير البنية التحتية أو عدد المصابين الذى يبلغ عادة أضعاف أضعاف عدد الموتى، والذى يعيش معظمهم حياته بعد ذلك بعاهات مستديمة وعجز دائم، من حسن الحظ أن الحرب الباردة (1947 ـ 1989)، إنتهت دون حرب، خاصة مع احتمال أن تؤدى مثل هذه الحرب الى تدمير شامل بسبب وجود الأسلحة النووية، والتى كانت ستؤدى فعلا الى ما سماه البعض فى سياق مختلف «نهاية التاريخ»، كيف تُوجهنا دروس هذا الماضى الى هندسة الحاضر والسؤال الذى يجب أن يشغلنا: هل يؤدى التدمير الشامل وبعض مظاهر الإبادة الجماعية فى غزة ـ أى أكتوبر الحالية ـ الى «شرق أوسط جديد»، كما حدث مع أكتوبر السابقة، أى منذ خمسين عاما وفى سنة 1973؟، فلنتذكر أننا أمام عوامل تشابه:
1ـ مثلا اختارت حماس للقيام بالهجوم تقريبا نفس اليوم بعد خمسين عاما لمباغتة إسرائيل: 7 أكتوبر 2023 مثل 6 أكتوبر سنة 1973.
2ـ كان الهجوم أيضا غير متوقع، وأوقع خسائر عديدة فى الجانب الإسرائيلي.
3ـ أدى أكتوبر سنة 2023 ـ مثل سابقه منذ خمسين عاما ـ إلى تعرية أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وإثبات فشلها، وهى التى تعتبرها معظم دول العالم من أفضل أجهزة المخابرات العالمية، وكما حدث منذ خمسين عاما، قد يتم إنشاء لجنة تحقيق فى إسرائيل بعد حرب غزة، والتى قد يؤدى الى استقالة الحكومة الحالية، كما حدث مع لجنة أجرانات، والتى أدت الى استقالة الحكومة الإسرائيلية برئاسة جولدامايير حينئذ.
وقد يكون قلق حكومة نيتانياهو حاليا من إنشاء لجنة تحقيق ثم الإدانة والاستقالة بعد وقف القتال، من أهم الأسباب لدى هذه الحكومة فى استمرار هذه الحرب والتدمير الشامل، أى أساسا بقاء الوضع الحالى، ومنع أى تغيير ثم العودة الى ماكان، ألم تعلن هذه الحكومة رسميا أنه عندما تنتهى الحرب ستكون هى المسئولة عن «الأمن» فى غزة، أى أنها ستستمر فى احتلال غزة ومحاصرتها؟ وهى سياسة حكومة غبية جدا حتى بالنسبة لإسرائيل كما رأينا فى نجاح هجوم حماس فى 7 أكتوبر، وحتى قبل هذه الحرب عندما كانت تندلع المظاهرات داخل إسرائيل على مر الشهور احتجاجا على سياسة هذه الحكومة ضد النظام القضائى.
مايهمنا ويهم العالم أيضا هو عدم العودة الى الوضع الماضى قبل هذه الحرب المدمرة، وهو مانجحت فيه فعلا حرب أكتوبر سنة 1973، ومهما تكن التحفظات على المعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية فقد استردت مصر أراضيها وسيادتها على سيناء حاليا، إذن هو العمل على إنشاء الشرق الأوسط الجديد أو المختلف، ومقاومة العودة الى حالة الاحتلال والحصار قبل الحرب، هذه هى المقاومة الحقيقية، والتى من السهل حشد التأييد العالمى لها، حتى داخل إسرائيل نفسها، فالجميع لا يود تكرار كارثة التدمير الحالية، وبالتالى تستطيع المنظمات العربية والإسلامية الارتكاز على دعم دولى فى هذا الصدد، بما فيها من الجمعية العامة للأمم المتحدة، والأمين العام لهذه المنظمة الدولية، فلنعمل جديا على أجندة المستقبل، وحشد هذا التأييد العالمى من أجلها.
نقلا عن الأهرام