يكشف إعلان تنظيم “داعش” عن بيعة عناصر من تونس ولبنان، لزعيم التنظيم الجديد أبي الحسين الحسيني القرشي، عن الرغبة في توظيف الحدث لخدمة أهداف دعائية، ومحاولات بناء سردية لاستمرار نشاط التنظيم رغم محدودية العمليات، في ضوء مواصلة عمليات مكافحة الإرهاب في الدولتين وتفكيك خلايا مرتبطة بالتنظيم، إضافة إلى مساعي استقطاب عناصر جديدة، مع رغبة في التأكيد على امتلاك خلايا تعمل كـ”نواة صلبة” يمكن أن تمارس أدواراً متعددة.

أعلن تنظيم “داعش”، عبر صحيفة “النبأ” الأسبوعية في عددها (368) الصادر في 9 ديسمبر 2022، وعبر حسابات موالية له على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، عن بيعة عدد من أفرع التنظيم لزعيمه الجديد المعروف بأبي الحسين الحسيني القرشي، خلفاً لأبي الحسن الهاشمي القرشي، الذي يُرجح مقتله خلال مواجهات بين فصائل مسلحة وعناصر التنظيم في مدينة جاسم بمحافظة درعا جنوبي سوريا في منتصف شهر أكتوبر الماضي.

ويركز “داعش” على إبراز بيعة الأفرع لكل زعيم جديد للتنظيم، مع الإشارة إلى بيعات لعناصره في بعض الدول خارج نطاق الأفرع الإقليمية المتعارف عليها، وكان لافتاً الإعلان عن بيعة عناصر لزعيم التنظيم الجديد، من دولتي تونس ولبنان، رغم عدم وجود نشاط عملياتي للتنظيم في الدولتين خلال الفترة الأخيرة.

أبعاد رئيسية

يمكن تحديد عدد من الأبعاد الرئيسية المرتبطة بنشاط تنظيم “داعش” في الدولتين، وجهود مكافحة الإرهاب، وذلك كالتالي:

1- الإعلان الثاني لبيعة عناصر من تونس: منذ مقتل زعيم تنظيم “داعش” السابق أبي بكر البغدادي عام 2019، تعاقب على قيادة التنظيم ثلاثة زعماء كان آخرهم أبو الحسين الحسيني القرشي، وبمراجعة بيانات إعلان البيعة لأفرع التنظيم منذ 2019 وحتى 2022، وتحديداً على مستوى تونس ولبنان، يتضح أن الإعلان عن بيعة عناصر في تونس خلال شهر ديسمبر الجاري، ليس الأول من نوعه، وإنما سبق الإعلان عن بيعة لزعيم التنظيم أبي إبراهيم الهاشمي القرشمي الذي خلف البغدادي وتحديداً في 6 نوفمبر 2019، فيما غاب إعلان البيعة لأبي الحسن القرشي الذي يُعتقد مقتله في أكتوبر الماضي. وعلى مستوى لبنان، لم يُعلن التنظيم عن أي بيعات لزعماء التنظيم المتعاقبين منذ مقتل البغدادي، سوى مرة واحدة فقط مع تولي الزعيم الجديد.

2- تحركات مستمرة لتجنيد عناصر في لبنان: خلال شهر يناير الماضي،أعلن الجيش العراقيمقتل عدد من الشباب اللبنانيين خلال عملية عسكرية في محافظة ديالى العراقية لملاحقة عناصر “داعش”، قبل الكشف عن موجات لسفر الشباب من لبنان بداية من صيف 2021 على دفعات، للانضمام لتنظيم “داعش”، وتحديداً من مدينة طرابلس. ووفقاً لوزير الداخلية اللبناني بسام المولوي، في 13 يناير الماضي، فإن عدد الشباب يُقدر بنحو 37 شاباً، فيما تشير بعض التقديرات غير الرسمية إلى أن العدد وصل إلى 48 شاباً.

وبغض النظر عن ملابسات وظروف سفر هؤلاء الشباب، فإن انتقال عناصر من لبنان للانضمام لـ”داعش” في نطاق “القيادة المركزية” يشير إلى أن التنظيم ما زالت لديه القدرة على ضم عناصر جديدة، رغم التراجع الملحوظ منذ عام 2017.

3- محدودية النشاط العملياتي في الدولتين: يتسم النشاط العملياتي لـ”داعش” في كل من تونس ولبنان بالمحدودية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، كأحد انعكاسات تراجع التنظيم على مستوى “القيادة المركزية” في العراق وسوريا خلال عامي 2017 و2019 على الترتيب، وارتباك مراكز القيادة العليا بعد مقتل واعتقال العشرات من قيادات الصف الأول خلال عمليات مكافحة الإرهاب.

وعلى مستوى تونس، بدا أن ثمة تراجعاً في معدل العمليات منذ عام 2020، وإن كانت تركز على استهداف قوات الجيش والشرطة المشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب. أما في لبنان، فإن عملية “فجر الجرود” عام 2017، ساهمت في تحجيم نشاط تنظيم “داعش” وطرده من مناطق نفوذه على الحدود اللبنانية-السورية، ولم تشهد لبنان عمليات مؤثرة من تنظيم “داعش” خلال السنوات القليلة الماضية، رغم نشاط التنظيم في تجنيد الشباب تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة.

4- عمليات استباقية لتفكيك الخلايا الإرهابية: لم يتمكن تنظيم “داعش” من تأسيس وجودبارز في كل من تونس ولبنان خلال السنوات القليلة الماضية، على وقع عمليات استباقية للأجهزة الأمنية والجيش في الدولتين، لتحجيم نشاط التنظيم وتفكيك الخلايا التي تتشكل. فخلال شهر نوفمبر الماضي، أعلنت قوى الأمن الداخلي في لبنان تفكيك ثماني خلايا إرهابية على علاقة بتنظيم “داعش”، في مناطق البقاع وبيروت والشمال والجنوب وجبل لبنان خلال الفترة من يوليو إلى أكتوبر الماضيين. وعلى مستوى تونس، تتواصل عمليات الجيش التونسي والأجهزة الأمنية لتفكيك خلايا التنظيم، في المناطق الجبلية الغربية المتاخمة للحدود الجزائرية، مثل إعلان الجيش التونسي، في 12 أغسطس الماضي، الاشتباك مع عناصر إرهابية في منطقة جبل السلوم بمحافظة القصرين.

دلالات مختلفة

يطرح إعلان تنظيم “داعش” عن بيعة عناصر من تونس ولبنان خلال الفترة الحالية، مقارنة بفترات سابقة، عدداً من الدلالات، يتمثل أبرزها في:

1- تداخل الأبعاد الدعائية لتنظيم “داعش”: رغم محدودية النشاط العملياتي لتنظيم “داعش” في لبنان وتونس، فإن التنظيم لم يُقدم على إبراز أي وجود له بصورة رسمية في الدولتين خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إلا من خلال الإعلان عن بيعة عناصر لزعيم التنظيم الجديد، وهي محاولة للاستفادة من حالة الزخم لمتابعة الولايات التي بايعت أبي الحسين الحسيني القرشي عقب توليه زعامة “داعش”، للترويج لخلاياه في الدولتين، خاصة أن الإعلان عن خلايا أو مجموعات للتنظيم في أي دولة يأتي في سياق الإعلان عن عمليات إرهابية، ولكن في هذه الحالة ربما كانت الفرصة مواتية للإعلان عن خلايا للتنظيم في سياق الأبعاد الدعائية، لإظهار قدرة التنظيم على استقطاب عناصر جديدة.

2- مساعٍ لبناء سردية مضادة لجهود مكافحة الإرهاب: يعكس التوجه لإعلان بيعة عناصر من تونس ولبنان،مساعي التنظيم لبناء سردية مضادة لسردية الجيش والأجهزة الأمنية في الدولتين،التي تعلن بين حين وآخر عن تنفيذ عمليات استباقية لتفكيك خلايا للتنظيم قبل تنفيذ عمليات إرهابية،إذ يحاول “داعش” التأكيد على استمرار نشاطه رغم محدودية العمليات، وملاحقة عناصره واعتقالهم، وتحجيم أي وجود في مناطق نفوذه على مستوى تونس بالمناطق الغربية، أو على مستوى لبنان في المحافظات التي تشهد انتشاراً للمكون السني وتنشط فيها عمليات التجنيد.

3- قدرة التنظيم على الاحتفاظ بـ”نواة صلبة”: بعيداً عن الأبعاد الدعائية لـ”داعش”، فإن إبراز بيعة عناصر من تونس ولبنان، رغم التراجع الملحوظ ومواصلة عمليات مكافحة الإرهاب، تعكس قدرة التنظيم على الحفاظ على “نواة صلبة” له داخل الدولتين، يمكن البناء عليها مستقبلاً، وفقاً لقادته، لاستعادة نفوذه ونشاطه بغض النظر عن حدود نجاحه في ذلك.

وربما تتطلع هذه العناصر إلى دعم التنظيم ليس على المستوى العملياتي فحسب، ولكن على مستوى توفير تمويلات عبر التبرعات، أو تنفيذ مهام على المستوى الإعلامي، خاصة مع تفكيك خلايا تنشط إعلامياً للترويج لـ”داعش” في تونس، بعضها من العناصر النسائية.

4- محاولات لجذب عناصر إرهابية جديدة: اتصالاً بالحفاظ على “نواة صلبة” للتنظيم في الدولتين، فإن “داعش” يهدف إلى جذب عناصر للانضمام له في تونس ولبنان، سواء من أفراد يؤمنون بفكره، أو من أفراد يتسمون بـ”التشدد والتكفير”، خاصة أن لبنان شهدت موجات من الانضمام لـ”داعش” في الخارج خلال العام الماضي، واحتمالات جذب عناصر جديدة خلال الفترة المقبلة، إذ إن موجات سفر الشباب من لبنان إلى العراق تحتاج إلى خلية لتنسيق عمليات السفر بصورة ممنهجة، إضافة إلى انتشار الأفكار المتشددة في تونس، إلى حد أن حاملي الجنسية التونسية كانوا بين أكثر الجنسيات العربية انضماماً للتنظيم.

توجه جديد

أخيراً، رغم غلبة الأبعاد الدعائية لتنظيم “داعش” جراء الإعلان عن بيعة عناصر من تونس ولبنان للزعيم الجديد للتنظيم، ومحدودية النشاط العلمياتي خلال الأعوام القليلة الماضية، في ضوء عمليات مكافحة الإرهاب في الدولتين؛ فإن التنظيم أظهر قدراً من التماسك والتكيف واستمالة عناصر جديدة منذ العام الماضي، والحفاظ على خلايا تعمل كـ”نواة صلبة” يمكن توظيفها لتنفيذ عمليات في الدولتين مستقبلاً حال نجاحه في بناء القدرات، أو توجيه العناصر المنضمة حديثاً لدول تشهد نشاطاً عملياتياً لـ”داعش” لتعويض خسائره البشرية، وتحديداً على مستوى قارة أفريقيا، التي وجه “داعش” عناصره للهجرة إليها.