هنا بيت العرب.. الهموم واحدة.. المصائر مشتركة.. التوقيت يستدعي الوقوف على الحقائق، ومصارحة الواقع، وتقدير الموقف العربي وفقاً للظرف المحيط.
خرائط ما بعد عام ما يسمى «الربيع العربي»، ليست هي الخرائط نفسها التي سبقته، لم تعد الخرائط مستقرة، بات قاموسها مغايراً، مفرداته تبحث عن الحفاظ على الأمن القومي العربي، والوجود الوطني، ومواجهة التحديات المشتركة، وحماية مستقبل يسير على أنامله ليصل إلى أهدافه.
اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم الثلاثاء الماضي، جاء في توقيته المناسب، شاهدت الحضور من مختلف العواصم العربية، وتصورت أمامي شكل التهديدات التي تلف الخرائط العربية، قطعاً الموقف صعب، العراق يتعرض لفتنة كبرى، تتطلب اليقظة والحكمة، لوقف نزيف القلاقل والتأزيم والصراع داخل بلاد الرافدين، القضية الفلسطينية، وهي القضية المركزية للعرب، لا تزال تعاني عدم الوصول إلى محطات نهائية، محطات الحل العادل الدائم، الذي ينطلق من إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967.
فهذه القضية هي الرئيسية، وحلها هو مفتاح الاستقرار بالشرق الأوسط، أيضاً على مرمى البصر من تهديدات الخريطة نتوقف أمام الجغرافيا السورية، فلا تزال الأوضاع تعاني جموداً متزايداً وسط موقف أمني شديد الخطورة، وأزمات اقتصادية واجتماعية.
فضلاً عن الغرق في محيط الاستقطابات الدولية، الأمر نفسه لم يختلف عن الأوضاع في اليمن، فجوة الصراع تتسع، الأطراف المتصارعة لم تقترب من نقطة التقاء، التدخلات الخارجية تلعب دوراً كبيراً في إطالة أمد التأزيم والصراع.
أما في ليبيا فنجد الخريطة تتحدث عن نفسها، الاستقرار يبتعد، الانقسام يزداد، الصراع والعنف بين الأطراف، يؤكد أن الأوضاع قابلة للاشتعال، ربما يقود المشهد الليبي الأمور إلى المربع صفر، بل ويدخل به إلى دائرة مفزعة، يصبح الخروج منها أمراً صعباً، كذلك الأمر بالنسبة لتطورات الأوضاع اللبنانية، وحالة الاسترخاء السياسي التي يمر بها لبنان، بما يضفي مخاطر مستقبلية اقتصادية وسياسية تضاعف الأزمات الحالية.
إذن نحن أمام حزام جغرافي ملتهب، يحتاج منا نحن الشعوب والحكومات العربية، مزيداً من اليقظة والحكمة في التعامل، والحفاظ على أوطاننا التي باتت «لوحة تنشين» لقوى وتدخلات خارجية، لديها أهدافها ومخططاتها في المنطقة.
من القضايا المهمة التي جاءت على جدول أعمال وزراء الخارجية العرب بجامعة الدول العربية، قضية الأمن الغذائي التي تمثل واحدة من أخطر تداعيات جائحة «كورونا»، والحرب الروسية – الأوكرانية، فلا شك أن تأمين مصادر الغذاء هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل، الأمر الذي دفع الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، إلى تكليف المنظمة العربية للتنمية الزراعية، بوصفها الذراع الفنية المتخصصة والمعنية بالأمن الغذائي بإعداد دراسة شاملة حول هذه القضية.
فضلاً عن بلورة استراتيجية للأمن الغذائي العربي ستلقى قبولاً واهتماماً واسعاً، في إطار العمل العربي المشترك خلال الفترات المقبلة، بما يضمن تأمين الغذاء للشعوب العربية على الصعيد المستقبلي وسط المتغيرات العالمية المتلاحقة نحو نظام عالمي جديد.
تتزامن أجواء اجتماع وزراء الخارجية العرب، مع الاستعداد لانعقاد القمة الحادية والثلاثين في الجزائر مطلع نوفمبر المقبل، فالآمال المعقودة على هذه القمة الكبيرة، كل الملفات والقضايا التي تترك بصماتها على الخريطة العربية، ستكون على طاولة نقاش القادة والزعماء العرب، لم الشمل العربي واجب وطني في هذا التوقيت، الالتئام والوحدة مطلب مركزي بتوقيت العرب.
ما بين اجتماع وزراء الخارجية العرب والقمة المرتقبة في الجزائر، علينا أن نكتب إرادة جديدة، تتسم بالقوة والوحدة والتماسك العربي، من أجل توحيد وتطابق الرؤى حول التهديدات التي تلاحق المنطقة، من أجل الحفاظ على الوجود الوطني، وتثبيت أركان العواصم التي هشمتها المخططات والمؤامرات، ومنع التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لأوطاننا العربية.
وضرورة الحفاظ على أمننا القومي والمائي والغذائي، ومواجهة التنظيمات الإرهابية التي تحاول استعادة قوتها وانتشارها من جديد، على خلفية الاهتزازات التي تشهدها بعض العواصم العربية، أرى أنه قد آن الأوان لكتابة ميثاق صلب للوحدة، والتضافر والتضامن العربي من أجل حماية خرائطنا الوطنية.
نقلا عن البيان