الانحياز شرقاً:
دلالات مشاركة الجزائر في المناورات الروسية “الشرق 2022”

الانحياز شرقاً:

دلالات مشاركة الجزائر في المناورات الروسية “الشرق 2022”



يأتي توقيت إجراء مناورات “الشرق 2022” بروسيا، في ظرف دولي حرج، حيث لا تزال الحرب الروسية-الأوكرانية تدور رحاها بين روسيا وحلفائها من جانب والولايات المتحدة والكتلة الغربية من جانب آخر. وقد انطوت المشاركة الضخمة من جيوش حوالي 14 دولة، ولا سيما الصين والهند، على رسائل عدة أرادت موسكو توجيهها إلى واشنطن والدول الغربية، فيما عبرت المشاركة الجزائرية عن رغبة الجزائر في الاستفادة من هذا الصراع الدولي في تعزيز علاقاتها مع موسكو، وتفعيل محور موسكو-بكين في مواجهة الضغوط الأمريكية والغربية، وما تصفه الجزائر بانحياز واصطفاف أمريكي وغربي مع المغرب.

فقد شاركت الجزائر في مناورات فوستوك “الشرق-2022” بروسيا خلال الفترة 1-7 سبتمبر 2022، بمشاركة 14 دولة، وعلى رأسها الصين والهند، وجرت المناورات في مواقع مختلفة في الشرق الأقصى وبحر اليابان، وهو ما يُثير تساؤلات حول رسائل روسيا من إجراء هذه المناورات في هذا التوقيت، وأيضاً دلالات المشاركة الجزائرية.

السياق والتوقيت

تضمنت هذه المناورات دلالات زمانية ومكانية على النحو التالي:

1- مشاركة حشود عسكرية ضخمة: حيث شارك أكثر من 50 ألف جندي من 14 دولة، وما يزيد على 5000 وحدة أسلحة؛ منها 140 طائرة، و60 سفينة حربية متعددة الأشكال والأحجام والمهام، وضمت الجيوش المشاركة ثاني وثالث أقوى جيشين في العالم، وهما الروسي والصيني، إضافة إلى الهند التي تمتلك رابع أقوى جيش في العالم، وأذربيجان، وأرمينيا، وبيلاروسيا، وكازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، ولاوس، ومنغوليا، ونيكاراغوا، وبلدين عربيين هما الجزائر وسوريا.

2- إجراء تدريبات عسكرية واسعة: حيث أتاحت هذه المناورة لجيوش الدول المشاركة ممارسة عمليات دفاعية وهجومية في سبعة ميادين تدريب بالمنطقة العسكرية الشرقية وفي المناطق البحرية والساحلية لبحر أوخوتسك وبحر اليابان، حسبما نقلت وكالة أنباء تاس الحكومية عن وزارة الدفاع الروسية.

3- تزامنها مع سياق دولي حرج: حيث ينظر بعض المراقبين لهذه المناورات باعتبارها ليست مجرد تدريبات بين هذه الجيوش، وإنما هناك أهداف أبعد من كونها مناورات بهذا الحجم في ظل ظروف دولية عاصفة، تنبئ بتغييرات مهمة في بنية النظام الدولي، على وقع الحرب في أوكرانيا بين روسيا وحلف الأطلسي، وفي شرق آسيا بين الولايات المتحدة والصين؛ حيث تستعر المواجهة بينهما على خلفية الأزمة التايوانية، وتصاعد الحرب الاقتصادية على مساحة العالم في صراع على النفوذ والموقع الدولي.

رسائل موسكو

تريد روسيا والصين من هذه المناورات الواسعة وغير المسبوقة أن توجه رسالة مشتركة إلى الدول الغربية، وتحديداً إلى دول حلف الأطلسي، وأهمها:

1- تعزيز الجاهزية القتالية للقوات الروسية: حيث تهدف هذه المناورات إلى استعراض قوة روسيا العسكرية من جهة، وتوجيه رسائل مباشرة إلى الولايات المتحدة والغرب في سياق الحرب على أوكرانيا. وتعكس المشاركة الصينية تأكيدها أنها تشارك روسيا نفس الأهداف في مواجهة التهديدات والضغوط التي تتعرض لها من جانب الولايات المتحدة. كما أن المشاركة الصينية ووجود الدول التابعة لها، تُشير إلى رغبة موسكو وبكين في تغيير الوضع بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، في إشارة إلى واشنطن، وخصوصاً في ضوء التوترات الصينية الأمريكية القوية حول تايوان، وهي أوضاع تسعى موسكو إلى توظيفها، فضلاً عن استغلال ورقة دول شرق آسيا والمحيط الهادئ للرد على جميع التهديدات في المنطقة بشكل مشترك، وتحذير الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا في سياق الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا.

2- تدشين تحالفٍ موازٍ لحلف وارسو: حيث يُشير العديد من المراقبين إلى تطلعات موسكو في تعزيز التحالف العسكري بين الدول المشاركة، كما تُعزز قدراتها العسكرية في المواجهة المفتوحة بين روسيا والصين من جهة، ودول حلف الأطلسي من جهة أخرى، في حال تطورت المواجهة الحالية إلى ما هو أسوأ؛ لذا فإن بعض الخبراء العسكريين يعدون بأن هذه المناورات تضع الأساس لحلف عسكري موازٍ لحلف الأطلسي.

3- توسيع نطاق التحالفات في مواجهة الغرب: حيث أعربت الولايات المتحدة عن قلقها بشأن تركيبة الدول المشاركة، وخصوصاً مشاركة الهند، وفقاً لما ذكرته كارين جان بيير، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض. ويعتقد العديد من المراقبين أن موسكو تسعى في سياق حربها الباردة الجديدة مع الغرب جاهدة لاستقطاب الصين لصفها، خاصة مع تفاقم التوتر بين بيجين وواشنطن مؤخراً، وتشكيل تحالف شرقي مضاد للمحور الغربي، أضلاع مثلثه الرئيسية موسكو وبكين ونيودلهي، وهو ما سيقود قطعاً لإحداث توازن مع الكتلة الغربية.

4- تعزيز التوجه شرقاً: حيث يرى بعض المراقبين أنه كلما تأزمت علاقات موسكو مع الغرب اتجهت للشرق، وهو تقليد تجسد خاصة على يد قائد الثورة البلشفية لينين، وتسعى موسكو الآن لتكريس هذا التوجه، والذي يندرج في سياق احتدام صراعات النفوذ بين القوى الدولية الكبرى والشرق في الخطاب السياسي والاستراتيجي الروسي يُعزز بداهة روابط موسكو مع مختلف دول الكتلة الشرقية، ويضم بهذا المعنى ليس فقط آسيا بل هو يشمل حتى أمريكا اللاتينية وأفريقيا.

أهداف الجزائر

تُشير المشاركة الجزائرية في هذه المناورات إلى العديد من الدلالات، وأهمها:

1- تعزيز التعاون العسكري مع موسكو: حيث أبرز بيان للجيش الجزائري أن مشاركته ممثلاً في وحدة قتالية تابعة للقوات البرية في هذه المناورات، يعتبر فرصة لتبادل الخبرات وتقاسمها مع الجيوش الأجنبية، إلى جانب تحسين المهارات وأداء المهام المشتركة. وينتظر أن تجري المنطقة العسكرية الجنوبية الروسية مناورات مشتركة لمكافحة الإرهاب للقوات البرية الروسية والجزائرية في نوفمبر من هذا العام بقاعدة حماقير. ناهيك عن أن موسكو تعد هي المصدر الأول لتسليح الجيش الجزائري منذ الاستقلال، كما يشكل التعاون العسكري الجزائري الروسي عنصراً أساسياً في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.

2- اصطفاف سياسي مع موسكو: حيث تؤكد المشاركة الجزائرية على تفاهمات روسية جزائرية، وتقاطعها في العديد من الملفاتوقضايا السياسة الخارجية. وقد أعرب مسؤولون في البيت الأبيض عن أن الولايات المتحدة لديها مخاوف بشأن أي دولة تجري تدريبات عسكرية مع روسيا التي شنت حرباً “غير مبررة ووحشية” ضد أوكرانيا، وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارين جان بيير، في ردها على أسئلة حول التدريبات العسكرية التي ستستضيفها روسيا: “لدى الولايات المتحدة مخاوف بشأن أي دولة تتدرب مع روسيا بينما تشن روسيا حرباً وحشية غير مبررة ضد أوكرانيا”.

3- التقارب مع محور “موسكو – بكين”: حيث تسعى الجزائر إلى تعزيز تعاونها العسكري مع روسيا، ضمن مساعٍ للانضمام إلى مجموعة “بريكس” والتقارب مع محور “موسكو – بكين”. ويحمل هذا التقارب رسائل ذات دلالة إلى المغرب، ففي حين يعمل المغرب على تعزيز علاقاته مع الدول الغربية تتجه الجزائر لتعزيز علاقاتها مع موسكو والصين لموازنة التحركات المغربية على الساحة الدولية.

تعزيز الاستقطاب

وإجمالاً، يمكن القول إن مناورات “الشرق 2022” تشير إلى توجه موسكو لإعادة بناء المحاور الدولية عبر تأسيس محور الشرق لمواجهة المحور الغربي المتشكل من الولايات المتحدة وأوروبا ككتلة أطلسية، وهو ما يُشبه الاستقطاب الذي كان قائماً إبان الحرب الباردة خلال القرن الماضي، ما بين حلفي الناتو ووارسو. فيما تسعى الجزائر إلى تعزيز تعاونها العسكري مع موسكو، ضمن مساعيها للانضمام إلى مجموعة “بريكس” والتقارب مع محور “موسكو – بكين”، وموازنة التحركات المغربية على الساحة الدولية.