ضغوط مستمرة:
دلالات تجدد تصعيد النظام السوري في إدلب

ضغوط مستمرة:

دلالات تجدد تصعيد النظام السوري في إدلب



تكشف تصريحات المسئولين السوريين والروس بشأن شن ضربات جوية وصاروخية بدأها الجيش السوري بدعم الطيران الروسي، في 27 يونيو الفائت، على مواقع فصائل المعارضة في إدلب، والتي يرتبط بعضها بتركيا، عن تعقد الأوضاع الميدانيةفي إدلب، وصعوبة توصل الطرفين السوري والتركي إلى تفاهمات جديدة لتجاوز الخلافات القائمة، وتعزيز عملية التطبيع بين البلدين. ويبدو أن هذه الضربات مرشحة للتطور، خاصة أن دمشق وموسكو تعتبرها بمثابة رد على مهاجمة المسلحين أهدافاً في الأراضي السورية، التي تسيطر عليها الحكومة باستخدام طائرات مسيرة.

 ويعزز هذا الاتجاه المواجهات العسكرية التي اندلعت في الفترة الأخيرة، في ظل استمرار العمليات العسكرية التي يشنها الجيش السوري، بدعم روسي، على منطقة درعا وجسر الشغور، بداية من الشهر الماضي، بالإضافة إلى إصرار دمشق وموسكو على محاصرة الجماعات المسلحة المناهضة للنظام السوري. وقد دفع ذلك اتجاهات عديدة إلى طرح تساؤلات حول أهداف دمشق وموسكو من تصعيد الهجمات مجدداً في إدلب.

توقيت لافت

تزامنت الضربات الجوية والصاروخية السورية في إدلب مع تطورات لافتة على الساحة السورية، في الصدارة منها استهداف سلاح الجو التابع للنظام السوري، في 26 يونيو الفائت، بغارتين جويتين، موقعين في ريف درعا جنوب سوريا. كما جاء الهجوم على إدلب بعدما قصفت طائرات حربية روسية وسورية، قبل ذلك بيوم واحد، سوقاً للخضار في منطقة جسر الشغور بريف إدلب الغربي، مما أسفر عن مقتل 9 مدنيين وإصابة 61 آخرين.

كما كان لافتاً أن القصف الذي استهدف إدلب مؤخراً جاء بعد أيام قليلة من انتهاء محادثات “أستانة 20″، التي عُقدت في 20 يونيو الفائت، كما تزامن مع توتر روسي-أمريكي في شمال سوريا، ومع التصعيد الذي شهدته الحدود الشمالية السورية، حيث كثف الجيش التركي ضرباته ضد مواقع “وحدات حماية الشعب الكردية” الجناح العسكري لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

اعتبارات عديدة

يمكن القول إن ثمة دوافع عديدة تفسر تصاعد الهجمات السورية، بمساعدة موسكو، في إدلب في هذا التوقيت تحديداً، يتمثل أبرزها في:

1- محاصرة الفصائل والمليشيات المناوئة: لا تنفصل الهجمات السورية، بدعم روسي، في إدلب، عن سعي دمشق إلى توظيف رغبة أنقرة في تطبيع العلاقات مع النظام السوري، لتشويه الصورة النمطية لجماعات المعارضة والمليشيات المسلحة التي تتواجد في إدلب، خاصة وأنها قصفت في الفترة الأخيرةبالمسيرات منطقة جورين بريف حماة والقرداحة بريف اللاذقية، والتي تمثل مناطق استراتيجية للنظام السوري والقوات الروسية. كما يبدو أن هذه الهجمات ترتبط برغبة موسكو ودمشق في تعزيز الضغوط على الجماعات المسلحة في إدلب لفتح الطريق الدولي “إم فور”.

2- إضعاف “هيئة تحرير الشام”: تسعى دمشق وموسكو، وربما أنقرة، عبر هذه الهجمات إلى إضعاف “هيئة تحرير الشام” التي تمثل الفصيل العسكري الأكبر والمهيمن على مفاصل إدلب، والتي يبدو أنها باتت تتعارض مصالحها مع التوجهات التركية في سوريا، ولم تعد تنسق بشكل كبير مع أنقرة. ويشار في هذا الصدد إلى أن “الهيئة” المصنفة على قوائم الإرهاب، هي الجهة الأكبر التي تحظى بالنفوذ في شمال غرب سوريا، لكنها ليست طرفاً في الاتفاقيات التي توقع والمحادثات التي تعقد مثل محادثات “أستانة”، بل تعارض معظم هذه الاتفاقيات الموقَّعة بين القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الأزمة السورية، ومن ذلك على سبيل المثال اتفاقا سوتشي الموقعان بين أنقرة وموسكو في 2019 و2020.

3- تعزيز الضغوط على أنقرة: ترتبط الهجمات السورية على إدلب، في جانب منها، برغبة دمشق وموسكو في تعزيز الضغوط على أنقرة التي لا تزال تهدد بشن عملية عسكرية جديدة على مناطق شمال سوريا لمواجهة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، فضلاً عن رفضها الاستجابة لمطالب النظام السوري، الذي يرهن تطبيع العلاقات معها بسحب قواتها العسكرية من الأراضي السورية.

وفي هذا السياق، فإن الضربات الأخيرة التي تستهدف إدلب قد تساهم في وضع العديد من النقاط الأمنية التركية تحت حصار الجيش السوري، الذي تشير مواقفه، من جانب آخر، إلى أنه لن يتراجع بعد تقدمه على عدد من النقاط الاستراتيجية غرب البلاد، كما أنه يوظِّف الموقف الروسي الداعم له لصالحه. وبالتوازي مع ذلك، يرجح أن تتجه دمشق وموسكو إلى الضغط في اتجاه المضيّ قدماً إلى الأمام في تكثيف الهجمات على إدلب، وخاصة نقاط ارتكاز الجماعات الموالية لأنقرة.

4- احتواء تأثير تمرد “فاجنر”: تشير تقارير عديدة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تعكف على دراسة مدى تأثير تمرد مجموعة “فاجنر” القصير الأمد ضد المؤسسة العسكرية الروسية على حضور موسكو، وعمليات الجماعة في مناطق الصراعات، ومنها الساحة السورية. كما كشف بعض المراقبين عن رسالة من قبل الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين وصلت إلى دمشق قبل أيام، وحملها نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي فيرشينين، ضمن مساعي بلاده لتطبيق إجراءات احترازية لاحتواء أية أخطار، خاصة أن قوات “فاجنر” تنتشر حول حقول النفط السورية، وضمن مناطق تخضع لتفاهمات تركيا وروسيا والتي تعرف بمناطق خفض التصعيد، ويوجد معهم أيضاً أكثر من 3000 سوري مجندين تحت إمرة قوات “فاجنر” داخل سوريا. كما أن ثمة تقارير متضاربة عن انسحاب عناصر “فاجنر” من مواقعها الاستراتيجية في سوريا الواقعة على خطوط التماس، وتأثير ذلك على جبهات القتال، لا سيما وأن عناصر “فاجنر” باتت تمتلك مخزوناً وافراً من المعلومات بشأن طبيعة القتال على الأرض السورية بعد انخراطها في الأزمة السورية منذ فترة طويلة.

وفي هذا السياق، فإن الهجوم الأخير على إدلب من قبل القوات السورية، بدعم جوي روسي، ربما يمثل رسالة إلى الدول المنخرطة في الأزمة السورية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية فضلاً عن تركيا وإيران، مفادها أن تمرد “فاجنر” التي تعد العمود الفقري لتحركات موسكو على الأراضي السورية، لا يعني تراجع نفوذ موسكو الميداني، وأن الجيش الروسي قادر على إدارة معارك متنوعة على جبهات مختلفة.

مرحلة جديدة

ختاماً، يمكن القول إن الهجوم السوري الأخير على إدلب، بدعم روسي، ربما يدشن مرحلة جديدة من التصعيد العسكري ضد الجماعات والفصائل الموجودة فيها، في ظل التطورات الميدانية والسياسية التي طرأت على الساحة السورية خلال الفترة الأخيرة، فضلاً عن الانعكاسات المحتملة التي يمكن أن يفرضها التمرد الذي قامت به مجموعة “فاجنر” الروسية والذي رغم أنه تم احتواءه سريعاً، إلا أن ارتداداته ما زالت قائمة حتى الآن.