أعلن نائب وزير الدفاع الإيراني مهدي فرحي، في 28 نوفمبر الجاري، عن استكمال ترتيبات شراء مقاتلات روسية جديدة، تضم مقاتلات “سوخوي 35” من الجيل “الرابع ++”، ومروحيات “مي 28” الهجومية، وطائرات “ياك 130” التدريبية. ورغم أن هذه الخطوة لا تعبر عن توجه جديد خاص بمسار التعاون العسكري بين إيران وروسيا، في ظل التصريحات المتكررة من جانب المسئولين الإيرانيين عن إبرام صفقة لشراء “سوخوي 35” من روسيا، إلا أن ما أكسبها مزيداً من الأهمية والزخم هو توقيتها، حيث تأتي في ظل تصاعد حدة التوتر في منطقة الشرق الأوسط بسبب استمرار الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، رغم تمديد الهدنة بين إسرائيل وحماس، وتفاقم الخلافات بين روسيا والدول الغربية بسبب التطور الملحوظ في العمليات العسكرية الروسية داخل أوكرانيا.

ملاحظات رئيسية

لكن ثمة ملاحظات رئيسية ثلاث يجب أخذها في الاعتبار في هذا الصدد: الأولى، أن إيران هي التي أعلنت عن استكمال الإجراءات الخاصة بإتمام الصفقة، في حين لم يكن هناك رد واضح من جانب روسيا، وهو ما يُضفي نوعاً من الشكوك حول مدى جدية الوصول إلى المرحلة النهائية من هذه الصفقة، وإن كان تسلم إيران بالفعل، في بداية سبتمبر الماضي، طائرتين من طراز “ياك 130” المخصصة للتدريب، يشير إلى أن الطرفين يتجهان إلى اتخاذ خطوات تنفيذية في هذه الصفقة.

والثانية، أن المؤسسة الإيرانية التي أعلنت عن استكمال إجراءات الصفقة هي وزارة الدفاع وليس الحرس الثوري، بما يعني أن الجيش الإيراني هو الذي سيحصل على المقاتلات الجديدة، على نحو سوف يكون له دور في إجراء تعديل نسبي في توازن القوى العسكري بين الطرفين، والذي يميل بوضوح لصالح الحرس الثوري، الذي يسيطر على القطاعات الرئيسية، مثل البرنامجين الصاروخي والنووي.

والثالثة، أنه لم يظهر بعد رد فعل مباشر من جانب الدول الغربية، التي دائماً ما كانت تحذر من خطوة وعواقب التعاون العسكري بين إيران وروسيا. ورغم أن ذلك قد يكون مرتبطاً بانشغال هذه الدول، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، بالتطورات التي تشهدها ملفات أخرى، مثل الحرب في قطاع غزة، والعمليات الروسية في أوكرانيا؛ إلا أن ذلك لا ينفي أن هذه الدول ربما تفضل انتظار تأكيد أو نفي من جانب روسيا لهذه التصريحات الإيرانية قبل أن يكون هناك موقف واضح من جانبها.

اعتبارات مختلفة

يمكن تفسير تعمد إيران الإعلان عن هذه الخطوة الجديدة في مجال التعاون العسكري مع روسيا في هذا التوقيت في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- الاستعداد لمرحلة جديدة من التصعيد مع إسرائيل: رغم أن إيران نفت ضلوعها في عملية “طوفان الأقصى”، التي نفذتها كتائب القسام- الذراع العسكرية لحركة حماس- داخل غلاف غزة، في 7 أكتوبر الفائت؛ إلا أنها لا تستبعد أن تتجه إسرائيل في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب في قطاع غزة، إلى رفع مستوى التصعيد معها، باعتبار أنها ما زالت ترى أن إيران هي الداعم الرئيسي لحماس وكل الفصائل والمليشيات المناوئة لإسرائيل في المنطقة.

ومن هنا، فإن الإعلان عن هذه الخطوة يمثل رسالة استباقية لإسرائيل مفادها أن إيران لديها من القدرات ما يمكن أن يساعدها في رفع “أثمان” أي تصعيد يمكن أن تتعرض له من جانبها. صحيح أن إيران ربما تستبعد الانخراط في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، لكنها ترى أن مراكمة القدرات العسكرية وتطويرها يعزز موقعها في مواجهة خصومها الإقليميين والدوليين في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب في غزة.

2 استثمار رفع الحظر الأممي عن تطوير الصواريخ: جاءت التصريحات الجديدة التي أدلى بها نائب وزير الدفاع الإيراني بعد نحو أربعين يوماً من القرار الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي، بمقتضى قرار 2231 والاتفاق النووي، برفع الحظر عن الأنشطة المرتبطة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، بعد انقضاء ثمانية أعوام من تاريخ اعتماد خطة العمل المشتركة “الاتفاق النووي”.

وهنا، فإن الدول الغربية لم تعد تستبعد أن يمهد ذلك المجال لرفع مستوى التعاون العسكري بين إيران وروسيا خلال المرحلة القادمة، لدرجة يمكن أن تدفع إيران بالفعل إلى مد روسيا بالصواريخ لمساعدتها على إدارة عملياتها العسكرية في أوكرانيا، بعد أن كانت الطائرات من دون طيار، على غرار طائرة “شاهد 136″، هي محور التعاون العسكري بين الطرفين خلال المرحلة الماضية.

وقد دفع ذلك الولايات المتحدة الأمريكية إلى توجيه تحذيرات للدولتين من عواقب هذا التوجه، حيث قال المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي، في 21 نوفمبر الجاري، إن “الولايات المتحدة ستراقب الوضع بين إيران وروسيا وستتخذ الإجراء المناسب حسب الحاجة”، مضيفاً: “ربما تستعد إيران لاتخاذ خطوة أخرى في دعمها لروسيا..نشعر بالقلق من أن تكون إيران تدرس الآن تزويد روسيا بصواريخ باليستية لاستخدامها في أوكرانيا”.

ويبدو أن توسيع نطاق التعاون العسكري بين إيران وروسيا كان هو السبب الرئيسي الذي دفع وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو إلى زيارة طهران، في 19 سبتمبر الماضي، حيث أشارت تقارير عديدة إلى أن إيران عرضت على وزير الدفاع الروسي أنظمة صواريخ باليستية وتكتيكية وطائرات من دون طيار.

3- استباق التغير المحتمل في ترتيبات المشهد السوري: لا تستبعد طهران وموسكو أن تبرز تحولات محتملة على صعيد الترتيبات الأمنية في سوريا خلال المرحلة القادمة، كأحد ارتدادات الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة. إذ إن الموقف الذي تبنته روسيا إزاء تطورات تلك الحرب، والذي أثار استياء واضحاً من جانب إسرائيل، فضلاً عن تعرض القواعد الأمريكية في سوريا لهجمات متتالية من جانب المليشيات المسلحة الموالية لإيران؛ كلها عوامل من شأنها أن تحدث هذه التحولات على نحو ترى الدولتان أنه يفرض عليهما توسيع نطاق التنسيق والتعاون، ولا سيما على المستوى العسكري، لتحييد أية تداعيات سلبية قد تنتج عن ذلك، في ظل الأهمية القصوى التي يحظى بها هذا الملف بالنسبة لهما.

4- الرد على تصاعد الدعم الغربي لأوكرانيا: ربما تمثل هذه الصفقة -في حال إتمامها- جزءاً من الرد الروسي على تصاعد الدعم الذي تقدمه الدول الغربية إلى أوكرانيا لتعزيز قدرتها على مواجهة العمليات العسكرية الروسية. فقد كان لافتاً أن الولايات المتحدة الأمريكية سعت إلى توظيف الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة لتقديم مزيد من الدعم لأوكرانيا، وهو ما توازى مع تأسيس ما يسمى “مجلس أوكرانيا والناتو”، والذي يهدف إلى تعزيز التعاون إلى حين استكمال إجراءات ضم أوكرانيا إلى الحلف.

ومن هنا، فإن روسيا تسعى حالياً إلى رفع مستوى تعاونها العسكري مع إيران، باعتبار أن ذلك يعزز قدرتها على إدارة المواجهة مع الدول الغربية، التي اتسع نطاق خلافاتها مع إيران بشكل كبير ليشمل إلى جانب الاتفاق النووي برنامج الصواريخ الباليستية، والدور الإقليمي، ولا سيما فيما يتصل بنفوذها لدى المليشيات التي تتواجد في دول الأزمات.

ختاماً، من المتوقع أن تثير هذه الخطوة -في حال إتمامها- ردود فعل متشددة من جانب الدول الغربية، إذ إنها سوف تكون متغيراً جديداً سوف يدفع تلك الدول إلى تقديم مزيد من الدعم، على مستويات مختلفة، إلى كل من إسرائيل وأوكرانيا، باعتبار أنهما المستهدفتان بشكل مباشر من اتجاه إيران وروسيا نحو تطوير العلاقات الثنائية على الصعيد العسكري إلى هذه الدرجة.