رؤى متعددة:
حدود التقارب والتباين في المقاربتين الأمريكية والأوروبية تجاه سوريا

رؤى متعددة:

حدود التقارب والتباين في المقاربتين الأمريكية والأوروبية تجاه سوريا



أعلن الاتحاد الأوروبي، في 15 نوفمبر الفائت، عن فرض عقوبات جديدة على أربعة من المسئولين السوريين، وهو ما يشير إلى أن هناك تنسيقاً عالي المستوى بين الاتحاد والولايات المتحدة، التي تفرض بدورها عقوبات على النظام وبعض الجهات الأخرى بموجب قانون قيصر. وربما يكون ذلك أحد انعكاسات السياسة الجديدة التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، فمع وصوله إلى البيت الأبيض في 20 يناير الماضي، تعهد الرئيس بايدن بإعادة تحسين العلاقات الأمريكية – الأوروبية بعد سنوات من التوتر خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، انطلاقاً من أن الشراكات والتحالفات الأمريكية تزيد من قوة الدور الأمريكي عالمياً. وقد بدا ذلك جلياً في التقارب الأمريكي- الأوروبي حيال العديد من الملفات في منطقة الشرق الأوسط. إلا أن ذلك لا ينفي أن هناك تبايناً بين الحليفين حول أولوياتهما، على ضوء تأثيرات الأزمات في المنطقة على الأمن القومي لكل منهما، وهو ما يبدو جلياً في المقاربتين الأمريكية والأوروبية تجاه الأزمة السورية تحديداً.

محاور التوافق

تتمثل أبرز محاور التوافق في المقاربتين الأمريكية والأوروبية إزاء تطورات الأزمة السورية فيما يلي:

1- محاربة التنظيمات الإرهابية في سوريا: لا تزال الولايات المتحدة تؤكد على أهمية مواصلة الحرب ضد تنظيم “داعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى في سوريا، بعد نجاحها في القضاء على مشروع التنظيم في سوريا بمساعدة قوات التحالف الدولي التي قادتها ومليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية (قسد). وربما لا يعود ذلك فقط إلى أن “داعش” ما زال حريصاً على محاولة العودة إلى مناطق نفوذه السابقة، وإنما يعود أيضاً إلى أن  لدى الإدارة الأمريكية مخاوف من استخدام تنظيم “القاعدة”- الذي يمثل تهديداً للولايات المتحدة وحلفائها- سوريا كملاذ آمن لإعادة البناء والتنسيق مع الجهات الخارجية والتخطيط للعمليات الإرهابية. ولهذا، واصلت واشنطن استهداف أعضاء تنظيم “القاعدة” والتنظيمات الإرهابية الأخرى التي تحاول استهداف المصالح الأمريكية. وفي هذا الإطار، استهدفت ضربة جوية أمريكية باستخدام طائرة من طراز (إم كيو -٩)، القيادي البارز في تنظيم “القاعدة” عبد الحميد المطر، في ٢٢ أكتوبر الماضي، في شمال غرب سوريا.

بالتوازي مع ذلك، فإن هناك اهتماماً أوروبياً بالتهديدات الإرهابية المحتملة في سوريا، وقد عبّرت تصريحات المسئولين الأوروبيين عن ذلك، حيث قال جوزيب بوريل الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية، خلال الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد “داعش” في 28 يونيو الماضي، أن “التعاون الشامل لا يزال ضرورياً لتحقيق هزيمة كاملة ودائمة لتنظيم داعش في جميع أنحاء العالم”. ورغم فقدان التنظيم المناطق التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، إلا أن الاتحاد الأوروبي لا يقلل من شأن التهديد المستمر الذي يفرضه، ولهذا فإنه يتعاون مع الولايات المتحدة- التي تشاركه المخاوف ذاتها- لمواجهة التنظيم الإرهابي في سوريا.

2- منح الأولوية للحل السياسي: ترى الإدارة الأمريكية وحلفائها الأوروبيون أن الاستقرار في سوريا يمكن تحقيقه فقط من خلال التسوية السياسية. وهناك اتفاق على ضرورة العمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة من أجل الوصول إلى حل سياسي دائم للأزمة السورية، وذلك تماشياً مع تخلي الإدارة الأمريكية الحالية عن هدف تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق، تؤكد الولايات المتحدة والدول الأوروبية، من خلال تصريحات كبار مسئوليها، على التزامهما بقرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢٢٥٤، الذي يمثل الآلية الوحيدة للوصول إلى حل سياسي، وتدعو النظام السوري إلى الالتزام بوقف إطلاق النار على مستوى البلاد والعمل على بناء الثقة والمشاركة الكاملة في العملية السياسية. ولذلك، فقد استنكرت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا الانتخابات السورية التي أجريت في ٢٦ مايو الماضي لأنها أجريت، وفقاً لهذه الدول، خارج الإطار الذي حدده قرار الأمم المتحدة.

3- فرض عقوبات على مسئولين سوريين: ركزت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تعاطيهما مع تطورات الأزمة السورية على فرض العقوبات الاقتصادية على النظام، لاسيما المسئولين المتهمين بـ”قمع المدنيين السوريين”، فضلاً عن بعض المنظمات والبنوك والشركات التي تستفيد من علاقاتها بالنظام. ففي ١٥ نوفمبر الفائت، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على أربعة وزراء تم تعيينهم مؤخراً في الحكومة السورية، ليصل عدد المستهدفين بعقوباته في سوريا إلى ٢٨٧ شخصاً. وتطبيقاً لقانون قيصر الذي وافق عليه الكونجرس منذ عامين، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات أيضاً على عدد من المسئولين السوريين ولاسيما الأمنيين وكذلك مؤسسات ومنظمات مسلحة قريبة من النظام السوري.

4- عدم المشاركة في عمليات إعادة الإعمار: أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تمول عمليات إعادة الإعمار في سوريا على نطاق واسع قبل أن يتم إحراز تقدم لا رجعة فيه على المسار السياسي، ولكنها في الوقت ذاته أعربت عن التزامها بتقديم المساعدة من خلال كافة الأساليب ومنها الاستثمار في مشاريع الإنعاش المبكر. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي لديه رأس المال والخبرة والموارد البشرية اللازمة للمشاركة في إعادة إعمار سوريا بعد الحرب، فإنه من غير المرجح أن يدعم هذه العمليات في ظل عدم الوصول إلى حل سياسي.

أولويات مختلفة

على الرغم من الاتفاق بين الحليفين الاستراتيجيين حول الخطوط العريضة لكيفية التعامل مع الأزمة السورية، وتداعياتها السياسية والإنسانية، فإن رؤيتيهما لمواجهة تهديداتها لأمنهما القومي أدت إلى بروز تباينات في مقاربتيهما لاسيما فيما يتعلق بآليات مواجهة تلك التهديدات، على نحو يمكن تناوله في التالي:

1- تركيز واشنطن على دعم الأكراد: مع أن الولايات المتحدة ليس لها سوى ٩٠٠ جندي أمريكي يتمركزون في الشمال الشرقي لسوريا، ويقدمون المساعدة لمليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في حربها ضد تنظيم “داعش”، فإنها وجهت رسائل طمأنة بأنها لا تفكر في الانسحاب من سوريا، في الوقت الذي تتعرض فيه قواتها العسكرية لهجمات من المليشيات الموالية لإيران، والتي كان آخرها الهجوم على قاعدة “التنف” في ٢٠ أكتوبر الماضي.

وقد وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن قائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن حلفائها الأكراد، حيث أرسل البيت الأبيض قائد القوات الأمريكية المركزية “سينتكوم” الجنرال كينيث ماكينزي إلى شمال شرقى سوريا، في 21 مايو الماضي، لتقديم تطمينات إلى “قسد” بأن الإدارة الأمريكية لن تتراجع عن تقديم الدعم لها. وبعد هذا الاجتماع التقت إلهام أحمد رئيسة اللجنة التنفيذية لـ”مجلس سوريا الديمقراطية”- الذراع السياسية لـ”وحدات حماية الشعب الكردي”، بمسئولين في الإدارة الأمريكية في واشنطن والذين أكدوا أن إدارة بايدن لا تخطط لانسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وأنها مستمرة في دعم “قوات سوريا الديمقراطية”.

2- اهتمام أوروبي بقضية الهجرة: في الوقت الذي تركز الولايات المتحدة بصورة رئيسية على التهديدات الأمنية والعسكرية التقليدية النابعة من سوريا ونشاط المليشيات الموالية لإيران وتهديداتها للقوات الأمريكية في المنطقة وكذلك التهديدات الإرهابية، فإن الدول الأوروبية كانت أكثر اهتماماً بالتهديدات المتعلقة بالهجرة وأزمة اللاجئين. ولذلك، فقد ركزت مؤسسات الاتحاد الأوروبي على مساعدة الدول المجاورة لسوريا لاحتواء اللاجئين السوريين بدلاً من السماح بدخول المزيد منهم إلى دول الاتحاد.

3- تأسيس قنوات تواصل مع النظام السوري: رغم توافق الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية على رفض تأسيس علاقات دبلوماسية مع النظام السوري، إلا أن هناك عدداً من الدول الأوروبية الأخرى، مثل اليونان وقبرص وهنغاريا، أعادت فتح سفاراتها في دمشق، وإن أبقت تمثيلها الدبلوماسي على مستوى قائم بالأعمال. بل إن اتجاهات عديدة تشير إلى أن العديد من الدول الأوروبية الرئيسية فتحت قنوات تواصل أمنية مع النظام السوري للتعامل مع ملف “الإرهابيين الأجانب”.

مدخل جديد

ختاماً، برزت دعوات داخل الولايات المتحدة وأوروبا بأهمية تركيز مقاربتى الحليفين تجاه الأزمة السورية على مراعاة احتياجات المجتمع السوري، ولاسيما الموجود داخل الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة، حيث أن ذلك قد يساعد في إحداث تطورات إيجابية على أرض الواقع، وخاصة في وقت تواجه الأوضاع الاقتصادية للسوريين تدهوراً شديداً في ظل جائحة كوفيد-١٩، مع تعزيز جهود الإغاثة لكون الأزمة السورية إحدى الأزمات الإنسانية التي تزيد من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط من خلال تزايد حالات التهجير للمواطنين وانتشار الإرهاب وتفاقم الخلافات الطائفية وتحول الأراضي السورية إلى ساحة للحرب بالوكالة بين عدد من القوى الإقليمية ذات المصالح والأهداف المتباينة التي تتعارض مع المقاربتين الأمريكية والأوروبية.