قادت الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 الإرهابية حربًا عالمية بدعم من حلفائها حول العالم ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان التي قدمت له الدعم، في أفغانستان (أكتوبر 2001)، وفي المناطق التي ينشط فيها التنظيم، وأتباعه، وكذلك الدول التي قدمت له الدعم، أو كانت على صلة بقياداته. وقد فاقت خسائرها المالية والبشرية ما كان يتوقعه مهندسوها. فوفقًا لدراسة عن مشروع تكاليف الحرب بجامعة براون، أنفقت الحكومة الفيدرالية الأمريكية 2,3 تريليون دولار على العمليات العسكرية في أفغانستان وباكستان، و2,1 تريليون دولار في العراق وسوريا، و355 مليار دولار في الصومال ومناطق أخرى في إفريقيا. وقد تم إنفاق 1,1 تريليون دولار إضافية على تدابير الأمن الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2001، ليصل إجمالي النفقات الأمريكية المباشرة للحرب على الإرهاب في الداخل والخارج إلى حوالي 5,84 تريليوناتات دولار. وتُشير تقديرات الجامعة إلى أن التكلفة البشرية لحروب ما بعد 11 سبتمبر تُقدر بما بين 897000 إلى 929000 شخص قد لقوا مصرعهم خلال تلك الحروب.
وقد كانت منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق حول العالم التي تأثرت خلال العقدين الماضيين بالحرب الأمريكية على الإرهاب، حيث لم تنجح الاستراتيجيات التي تبنّتها الإدارات الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة في إحداث التغييرات التي كانت تخطط لها واشنطن لمنع إنتاج وانتشار الإرهاب بالمنطقة، ولكنها زادت من حدة الأزمات والصراعات الكائنة على نحو فرض تهديدات مباشرة لأمن واستقرار دول المنطقة.
كانت الحرب الأمريكية على الإرهاب في أعقاب أحداث سبتمبر الإرهاب موجهة بصورة رئيسية لتنظيم القاعدة الذي نفذ تلك الهجمات، ولكن بعد عقدين من حروب أمريكية، لم تنجح الولايات المتحدة في هزيمة التنظيم، بل توسع في الدول التي يتواجد فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة من خلال التنظيمات التي تدين له بالولاء الفكري والتنظيمي، ناهيك عن ظهور تنظيمات إرهابية جديدة مثل تنظيم داعش الذي نجح في عام 2014 في السيطرة على مساحات شاسعة من أراضي دولتي العراق وسوريا. وعلى الرغم من فقدانه السيطرة الترابية، إلا أنه لا يزال –راهنًا- مؤثرًا ضمن عديد من التنظيمات الإرهابية النشطة في المنطقة.
وقد أخفقت الولايات المتحدة الأمريكية في إحداث تحولات ديمقراطية في المنطقة باستخدام القوة العسكرية، وكذلك بناء الدول كما كان يعلن المسؤولون الأمريكيون في بداية الحرب على الإرهاب، الذين اعتنقوا فرضية أن غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان هي السبب الرئيسي للإرهاب الذي ضرب الولايات المتحدة في سبتمبر 2001، ولكن السياسات الأمريكية حولت الدول التي تدخلت فيها من دول مستقرة لديها السيطرة على أراضيها إلى دول فاشلة، ومناطق نفوذ للتنظيمات الإرهابية التي تنطلق منها لتهديد باقي دول المنطقة. ناهيك عن تصاعد الصراعات الإثنية والطائفية بها، وكذلك الحروب الأهلية.
وبعد عقدين من الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط لمجابهة الإرهاب، زاد نفوذ القوى الإقليمية التي استغلت الفوضى الناجمة عن إخفاقات السياسات الأمريكية، التي دفعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى التفكير في الانسحاب منها، لتعزيز نفوذها المزعزع للاستقرار في المنطقة. بجانب سعي قوى دولية مناوئة لواشنطن لملء الفراغ الأمريكي.وعليه، يُناقش هذا الملف الذي يضم بعض التقديرات التي نُشرت على موقع الحائط العربي انعكاسات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان على خطط الانتشار الأمريكي في مناطق الصراعات العربية، وتداعيات عقدين من الحرب الأمريكية ضد الإرهاب على المنطقة، وأسباب السعي الأمريكي للتهدئة في عديدٍ من مناطق الصراع، والأزمات الإقليمية، وأخيرًا: هل تتجه واشنطن للانسحاب من الشرق الأوسط مثلما حدث في أفغانستان بعد عقدين من الانخراط الأمريكي المكثف في شؤون دول المنطقة؟