بعد ثلاثة عقود من الزمن – الحائط العربي
بعد ثلاثة عقود من الزمن

بعد ثلاثة عقود من الزمن



افتتح مؤتمر مدريد للسلام العربي – الإسرائيلي في 30 أكتوبر (تشرين الأول) 1991، مناسبة مهمة وتاريخية مر عليها 30 عاماً وما يزيد.

أهم إنجازات المؤتمر، إعادته الطابع الإقليمي الشامل لجهود السلام، بحضور كافة دول المواجهة العربية وإسرائيل من دون استثناء، وعُقد تحت رعاية مشتركة للولايات المتحدة وروسيا، وانطلقت خطب الأطراف الراعية والمتنازعة عدا إسرائيل، داعية للتوصل إلى حل سلمي وفقاً للشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 242 بحظر الاستيلاء على الأرض بالقوة، وطرح المجتمع الدولي آنذاك أن المعادلة الحاكمة هي الأرض مقابل السلام، أي استعادة الدول العربية للأرض التي احتُلت عام 1967 مقابل حصول إسرائيل على السلام وإنهاء النزاع القائم بين الأطراف.

سبق مؤتمر السلام عدد من اتفاقيات فك الاشتباك بين إسرائيل وجيرانها عقب حرب أكتوبر 1973، وتوصّلت مصر وإسرائيل إلى اتفاق سلام ثنائي، وإطار للتفاوض من أجل الحل الشامل، بخاصة ما يعني المسار الفلسطيني، إلا أن تل أبيب باعتراف رئيس وزرائها مناحم بيغن لم تكُن ملتزمة سوى بالاتفاق الثنائي، بحجة أن المفاوض العربي المعني مباشرة لم يكُن طرفاً في المفاوضات، حجة وذريعة غير صادقة لأن التحفظ الإسرائيلي كان أيديولوجياً في المقام الأول لتمسّك اليمين الذي يمثله الليكود بالضفة الغربية لنهر الأردن والقدس باعتبارها جزءًا من الدولة الإسرائيلية.

وبعد مؤتمر مدريد، كثفت المفاوضات الإسرائيلية – الأردنية وتوصلت إلى اتفاق سلام بين البلدين، وأجريت مفاوضات مكثفة مع سوريا، شهدت تقدماً بالغاً، بما في ذلك تفاهمات حول الترتيبات الأمنية وخطوات تطبيعية قبل أن تتعثر وتفشل حول ترسيم الحدود بين البلدين مع تمسك حافظ الأسد باستعادة أرضه كاملة وتصوّر إسرائيل أنه سيقبل بتعديلات حول بحيرة طبرية، ودار حديث بيني وبين فاروق الشرع، وزير الخارجية السوري خلال ولايتي سفيراً لمصر في الولايات المتحدة أقرّ خلاله أن المفاوضات تخطت 85 في المئة من القضايا العالقة بين البلدين.

وكان تمثيل فلسطين خلال مؤتمر مدريد محل خلاف نتيجة رفض إسرائيل مشاركة الفلسطينيين كوفد مستقل وانتهاء الأمر بانضمامهم  إلى الوفد الأردني في مدريد، وتفرعت عن المؤتمر مفاوضات عربية – إسرائيلية ثنائية مباشرة شملت مفاوضات فلسطينية – إسرائيلية مستقلة أسوةً بالسورية والأردنية، حتى قبل أن تعقد مفاوضات إسرائيلية مع منظمة التحرير بشكل مباشر وسري في مدينة أوسلو النرويجية والتوصل إلى اتفاق أوسلو الذي جاء خارج إطار مسارات مدريد وإنما على نفس أسس وقواعد المؤتمر والأمم المتحدة.

وإذ اعتبر أن من إنجازات مؤتمر مدريد أنه أعاد الطابع الإقليمي والشمولي إلى المفاوضات حتى إن تمت بالتوازي، وإن كل ذلك انطلق على أساس قرار 242، فالإضافة المهمة الأخرى هي أنه قطع الطريق كلياً على مقولة إن الشعب الفلسطيني لا يستطيع تمثيل نفسه، بل إن من إيجابيات تبعيات مدريد والتمثيل الفلسطيني المستقل أن الحقوق الوطنية المشروعة أصبحت واقعاً دولياً مقبولاً ومعترفاً به دولياً، بما في ذلك حقه في إقامة دولة بصرف النظر عن الحاجة لمزيد من المفاوضات والاعترافات الرسمية على حدود الدولة الفلسطينية وممارساتها.  

حصل تقدّم على مسار مدريد وما تبعه، وإنما غني عن القول إننا لم نصل إلى الأهداف المرجوة عربياً من حيث إنهاء الاحتلال الإسرائيلي سورياً ولبنانياً وفلسطينياً وإقامة دولة للشعب الفلسطيني أو إسرائيلياً بتوفير علاقات طبيعية بينها وبين جيرانها على الرغم من اتفاقيات السلام مع مصر والأردن واتفاق أوسلو مع الفلسطينيين، واعتراف الولايات المتحدة تحت رئاسة جورج بوش الابن بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، وحتى مع إبرام اتفاقيات تطبيع مع عدد من الدول العربية خلال الأعوام الأخيرة، وعليه لا يسعني إلا القول إن مؤتمر مدريد لم يحقق الأهداف المرجوة منه على الرغم من بعض الإنجازات، فأراضٍ عربية ما زالت محتلة والدولة الفلسطينية لم تتحقق بعد، على الرغم من مبادرات عربية عدة، ومن أهمها قمة بيروت 2002 التي تضمنت أن يكون الانسحاب من الأراضي المحتلة ستقابله علاقات طبيعية مع الدول العربية كافة وليس فقط الدول المواجهة، كما تضمنت إشارة إلى أنه يجب التوصل إلى حل متفق عليه حول اللاجئين وهي صياغة مرنة للغاية.

ولم يسعف العقدين الأولين من القرن الحالي الفلسطينيين أو يقرّبهم من حل قضيتهم، بل تسلّطت الأضواء على قضايا إقليمية مشتعلة أخرى، بعضها حول توافقات وتناقضات داخلية وأخرى لوجود خلل في موازين الأمن القومي الإقليمي، واتجهت إسرائيل يميناً وازداد تعنتها، وطرح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب مبادرة تقترب من الصفقات العقارية وبعيدة كل البعد من تلبية الخيار الوطني الفلسطيني، وتوترت العلاقات الفلسطينية – الفلسطينية وخلق انقسام لا يزال حتى يومنا هذا يضر بالمصالح الفلسطينية.

ما زلت متشائماً من إمكانية تحريك المسار الفلسطيني الإسرائيلي، على الرغم من ترك بنيامين نتنياهو ودونالد ترمب الساحة الدولية، أو على الأقل قيادة بلادهما فيها، وعلى الرغم من تولّي إدارة أميركية جديدة بقيادة جو بايدن تؤمن بحل الدولتين، وتشكيل ائتلاف حاكم في إسرائيل تاريخي في تشكيله يشمل أقصى اليمين واليسار وممثلين عن عرب إسرائيل، وهي تطورات إيجابية وإنما ليست كافية لأن بايدن مهموم بأوضاع داخلية صعبة لن تجعله يجتهد بجدية في ملف السلام العربي – الإسرائيلي، وباعتبار أن الائتلاف الحاكم في إسرائيل جامع لتوجهات متناقضة تماماً في ما يتعلق بعملية السلام، وهو ائتلاف مصلحة بغرض ضمان عدم عودة نتنياهو إلى الحكم.

على الرغم من عدم تفاؤلي، واستبعادي تجاوب إسرائيل مع أي مبادرات سلام فلسطينية بالتشكيلة الحالية للحكومة، أرى من الضروري تحرك الجانب الفلسطيني واتخاذ عدد من المواقف حتى ولو أحادية، بمناسبة مرور 30 عاماً على مؤتمر مدريد، لتثبيت حلم مدريد والحق الفلسطيني المشروع في أذن وأعين المجتمع الدولي.

وفي هذا الصدد اقترح الآتي:

أن تصدر السلطة الفلسطينية إعلاناً بإقامة الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

أن تسعى السلطة إلى الحصول على أكبر قدر من الاعتراف الدولي بالدولة من دول صديقة ومن خلال الانضمام إلى مؤسسات دولية.

أن تستغل ذلك الإعلان وتأخذه منطلقاً لدفع جهود المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، والقبول بدور المؤسسات الدولية وليس السلطة في كل من الضفة الغربية وغزة.

نقلا عن اندبندنت عربية