أعلنت مفوضية الانتخابات الليبية يوم الخميس الماضي أنها ستعقد مؤتمراً صحفياً يوم الأحد 7 نوفمبر، وذكرت المفوضية أنها ستعلن في هذا المؤتمر عن فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وبدء توزيع بطاقات الناخبين، وصرح رئيس المفوضية بأن البلاد سوف تكون بالنسبة للانتخابات الرئاسية دائرةً انتخابية واحدة يفوز فيها مَن يحصل على 50٪+1 من الأصوات، فإن لم يُحقق أحد من المرشحين هذه النسبة تُجرى جولة ثانية يخوضها المرشحان الحاصلان على أكثر الأصوات. أما الانتخابات البرلمانية فستُجرى بالنظام الفردي في 75 دائرة ويفوز فيها الحاصلون على أكثر الأصوات. كما أفاد بالانتهاء من توزيع بطاقات الناخبين على اللجان المختصة.
وبغض النظر عما يكون قد تم في المؤتمر الصحفي الذي يُفترض انعقاده بعد الانتهاء من كتابة هذه المقالة، فإن الإعلان عن فتح باب الترشح للانتخابات واستكمال الاستعدادات لها يدعو للتفاؤل بقدر الأمل في أن تكون هذه الانتخابات طريقاً موثوقاً به لتجسيد الإرادة السياسية للشعب الليبي مؤسسياً، بما يضع الأساس لإعادة بناء الدولة الليبية، غير أن هذا التفاؤل ينبغي أن يكون حذراً لعدة اعتبارات داخلية وخارجية.
ويرتبط الاعتبار الأول بالاعتراض الذي صادفه إصدار مجلس النواب الليبي في سبتمبر الماضي قانون انتخاب رئيس الدولة الذي أثار جدلاً وانقساماً بين مرحب بالخطوة التي تمهد لإجراء الانتخابات الرئاسية ومعارض لها يرى فيها تجاوزاً للاتفاق السياسي وتكريساً للانقسام، فقد رحب 13 تكتلاً وحزباً سياسياً بإصدار القانون واعتبروه إنجازاً تاريخياً بينما عارضه «المجلس الأعلى للدولة» وحزب «العدالة والبناء» (أي التيار المتأسلم) و22 نائباً من البرلمان بحجة عدم التشاور حول مع «المجلس الأعلى للدولة» وأنه لم يُصَوت عليه. كما اتُهم القانون بانحيازه لحفتر على أساس أنه يبيح ترشح العسكريين لمنصب الرئيس بشرط التوقف عن ممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وهو ما فعله حفتر. وكان مجلس النواب قد أصدر القانون بعد أن فشل منتدى الحوار السياسي في التوافق على القاعدة التي ستُجرى الانتخابات على أساسها.
ولو استمرت هذه الاعتراضات فإنها ستفتح الباب دون شك لتحدي الانتخابات من القوى المعترضة، سواء قبل إجرائها أو إذا لم تأت النتائج لمصلحتها.
أما الاعتبار الثاني فيعود للعقبة الخطيرة التي تهدد الإجراء النزيه والآمن للانتخابات، وهي وجود القوات الأجنبية والمرتزقة ناهيك بالميليشيات المنفلتة. والمفروض أن القرارات الأممية وبعثة الدعم الأممي في ليبيا تؤكد على ضرورة انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة وتأهيل من يصلح من عناصر الميليشيات ضمن المؤسستين العسكرية والأمنية في ليبيا، لكن شيئاً لم يحدث بعد على أرض الواقع في هذا الصدد.
وقد شهدت الآونة الأخيرة بعض التطورات الإيجابية، حيث توصلت اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، في 8 أكتوبر الماضي، إلى اتفاق أقرته السلطات الليبية على خطة عمل لخروج المرتزقة والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية في عملية تدريجية ومتوازنة ومتزامنة ومتسلسلة. وفي أيام 1-3 نوفمبر الجاري عقدت اللجنة اجتماعاً بالقاهرة، حضره ممثلون من السودان وتشاد والنيجر، وُصِفَت نتائجه بأنها مثمرة، وصرح أحد أعضاء اللجنة بأنها ستجتمع لاحقاً مع ممثلين من روسيا وتركيا للغرض نفسه وهو إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا. ويعني هذا أن اللجنة جادة في هذا الصدد، لكن تصور اكتمال مسعاها قبل الموعد المحدد للانتخابات يبدو صعباً إن لم يكن مستحيلاً.
أما الاعتبار الأخير فهو مستمد من الخبرة التاريخية، ويشير إلى غياب الثقافة الديمقراطية التي تجعل من السهولة بمكان تحدي نتيجة الانتخابات إن لم ترض عنها القوى التي تعمل بالسياسة وتملك السلاح، كما شاهدنا في العراق. وهو ما يدفعنا للنظر الجاد في الآليات التي تضمن سلامة الانتخابات إن أُجريت في موعدها.
نقلا عن الاتحاد