اللاعبون الإقليميون فى الأزمة الأوكرانية – الحائط العربي
اللاعبون الإقليميون فى الأزمة الأوكرانية

اللاعبون الإقليميون فى الأزمة الأوكرانية



الإقليم الذى نعيش فيه مرشح بأوضاعه المضطربة أن يكون مرآة لما قد يترتب على الأزمة الأوكرانية من تداعيات ونتائج، تنعكس عليه وتؤثر فيه بأكثر من أية منطقة جغرافية أخرى فى العالم.

بحكم التجارب المريرة التى مرت بالإقليم المنكوب فهو متحسب لما قد يحدث خشية أن يدفع أغلب الفواتير، كما جرت العادة.

هناك إدراك شبه جماعى، من مواقع مختلفة، أن الحرب الأوكرانية لن تحسم بالضربة القاضية، وأن تسوية سياسية ما سوف تحدث فى نهاية المطاف.

هكذا طرح سؤال إدارة التوازن نفسه على جميع اللاعبين الإقليميين حتى لا تتضرر مصالحهم الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية.

بالضغوط الدبلوماسية المفرطة نجحت الولايات المتحدة فى حشد وتعبئة الأغلبية الساحقة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت بإدانة العمل العسكرى الروسى دون التفات إلى طبيعة الأزمة وأسبابها، أو التفات آخر للتعهدات التى قطعتها الولايات المتحدة إثر انتهاء الحرب الباردة بألا يتمدد حلف «الناتو» بالقرب من الأراضى الروسية دون أن تلتزم بها.

بدا ذلك نصرا دبلوماسيا قبل أن تؤكد التطورات والحوادث المعلنة والخفية أنه يقف على أرض هشة.

«ماذا تعتقدون؟.. هل نحن عبيد لديكم، نفعل أى شىء تقوله الولايات المتحدة، باكستان بلد محايد.. هل كتبتم مثل هذه الرسالة إلى الهند؟!».

كان ذلك تصريحا غاضبا من رئيس الوزراء الباكستانى «عمران خان» على بيان أصدره سفراء الاتحاد الأوروبى فى عاصمة بلاده أقرب إلى الأملاء والتوجيه ــ كما فعلوا فى بلدان أخرى دون أن يتلقوا الرد المناسب.

الموقف الباكستانى لافت بخلفياته ومقارناته مع الهند العدو اللدود.

كان ذلك تعبيرا مدويا عن شىء مختلف فى النظر إلى طبيعة العلاقة مع القوة العظمى المنفردة فى سنوات الحرب الباردة، عن قراءة مختلفة لموازين وحسابات القوى المتغيرة، أو المرشحة للتغيير بعد انقضاء الأزمة الأوكرانية.
«فجأة أصبح يسمح لنا خلط الرياضة بالسياسة.. إذا لنتحدث عن فلسطين التى مرت بما تمر به أوكرانيا الآن من 74 سنة».

كان ذلك تعبيرا مدويا آخر لبطل العالم فى الاسكواش المصرى «على فرج»، لم يصدر عنه عفو الخاطر، أو فى لحظة انفعال.

الصياغة نفسها تكشف أنه فكر فيما قال وعقد العزم عليه دون لحظة تردد فى حساب عدد السنين التى مرت على النكبة الفلسطينية.

الموقف السياسى والأخلاقى كشف المسكوت عنه فى خلط السياسة بالرياضة إذا ما اقتضت المصالح والاستراتيجيات الكبرى وأكد بدوره أهمية مصر الاستثنائية فى عالمها العربى حين تلامس الوجدان بصدق المواقف.

الانحياز ضد فلسطين بإنكار التهجير القسرى والفصل العنصرى واحتلال أراضى الغير بقوة الترهيب والسلاح حقيقة لا يمكن إنكارها.

التعاطف مع معاناة الشعوب الأخرى قضية عادلة، وإدانة توظيفها لمقتضى المصالح والاستراتيجيات التوسعية قضية أخرى تماما.

ازدواج المعايير الإنسانية والقانونية آفة النظام الدولى تحت القيادة الأمريكية المنفردة.

بالتوقيت نفسه تأكدت ازدواجية المعايير فى إدانة القصف الإيرانى لموقع عسكرى استخباراتى إسرائيلى قيد الإنشاء فى حرم القنصلية الأمريكية بأربيل عاصمة كردستان العراق باسم الاعتداء على سيادة دولة أخرى وانتهاك القانون الدولى فيما الصمت يغلب ما عداه فى القصف الإسرائيلى المتكرر لمواقع فى سوريا يقال إن قوات إيرانية تتمركز فيها.

تبدو إسرائيل شبه مرتبكة فى خياراتها ومواقفها من الأزمة الأوكرانية.

وقفت بلا تحفظ واحد معلن مع ما تطلبه الولايات المتحدة حيث علاقاتها ومصالحها ممتدة لكن دون صدام مع موسكو بالنظر إلى التفاهمات التى تجمعهما فى أزمات إقليمية عديدة أهمها الأزمة السورية.

حاولت بضغط من مؤسستها العسكرية أن توازن مواقفها وأن تمشى على الحبل المشدود بين مصالحها مع راعيتها واشنطن وتفاهماتها مع موسكو التى تسمح لمواطنيها دخول الأراضى الروسية دون تأشيرة، ثم بين الجالية اليهودية فى أوكرانيا والجالية اليهودية فى روسيا!

أرادت أن تتوازن، لكنها عادت مرة أخرى لتؤكد أنها لن تكون ممرا لكسر العقوبات الغربية على موسكو.

المستغرب فى القصة كلها أنها تطرح نفسها وسيطا لحل الأزمة الأوكرانية وأن تكون القدس المحتلة مقرا للمفاوضات.

عبرت تلك الفكرة عن الحد الأقصى من ازدواج المعايير والاستخفاف بالعقول فى الوقت نفسه.

فالقدس محتلة وفق القانون الدولى ويتعرض أهلها من العرب الفلسطينيين لكل أنواع التمييز العنصرى، فإذا بعنصرى عتيد كـ«نفتالى بنيت» يدعو للسلام من أرض السلام دون أن ينظر أحد إلى يديه الملطختين بالدم.

لم تكن إسرائيل الوحيدة من بين دول الإقليم التى طرحت نفسها وسيطا، فقد سبقتها تركيا إلى لعب هذا الدور باستضافة حوار مباشر فى انطاليا بين وزيرى خارجية روسيا «سيرجى لافروف» وأوكرانيا «ديمترى كوليبا».

الحيثيات التركية تختلف.

فهى تقع إلى جنوب كل من روسيا وأوكرانيا، عضو بحلف «الناتو» ولها بالوقت نفسه تفاهمات استراتيجية مع موسكو فى ليبيا وسوريا وملفات أخرى وتعتمد بصورة كبيرة على الغاز الروسى فى إدارة صناعتها ومشروعاتها الحيوية.

من هنا فإن الأزمة الأوكرانية تدخل فى صلب أمنها القومى كتهديد محتمل.

روسيا تحتاج الدور التركى كنافذة على التفاوض مع المعسكر الآخر، لكنها لا تراها وسيطا محايدا، كما لا تتفهم تصديرها المتواصل لمسيراتها «بيرقدار» إلى كييف بتمويل غربى كامل.

الغرب يفضل وساطتها حتى تكون مصالحه حاضرة، لكنه لا يرتاح إلى تعويلها على روسيا فى تطوير أنظمة دفاعها الجوى.

الأدوار الملتبسة تعترض احتمالات المضى فى سيناريو الوساطة التركية إلى نهايته.

بدورها لا تطرح مصر نفسها وسيطا.

إنها فى حاجة إلى إعادة هيكلة سياستها الخارجية، فلسفتها فى زمن جديد وقدرتها على إطلاق المبادرات، قبل أن تضطلع بمثل هذه الأدوار.

كانت الإدانة المصرية لاستخدام العقوبات الاقتصادية فى إدارة الصراع موقفا موحيا وصفه وزير الخارجية الروسى «لافرورف» بأنه «عظيم» وقد انتهجته مع مصر الصين والهند.

روسيا لم تقف معنا فى أزمة السد الإثيوبى، ولا الصين ناصرتنا، حاجتنا ماسة إلى السياحة الروسية كما واردات القمح بذات قدر حاجتنا إلى التوازن الاستراتيجى فى إدارة مصالحنا خاصة فى أزمة السد الإثيوبى.

فيما يتعلق باللاعب الإثيوبى يستلفت الانتباه أنه غاب عن جلسة التصويت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا صوت بـ«نعم» ولا صوت بـ«لا»، امتنع عن الحضور لتجنب أن يخسر أحد طرفى المعادلة.

وبالنسبة للاعب الإيرانى بوزنه الجغرافى والاستراتيجى فى الإقليم كمصر وتركيا، فإن ما يعنيه الآن أن ينتهى من إحياء الاتفاق النووى، يحافظ على العلاقات مع موسكو، يتجاوز أية ألغام لإفساد العلاقة بينهما.

زار وزير خارجيتها موسكو داعيا إلى استبعاد الحلول العسكرية فى حل النزاعات مؤكدا بالوقت نفسه على قوة العلاقات معها دون أن تخامره أية أوهام عن وساطات.

فى الآونة الحالية يركز الإيرانيون اهتمامهم فى الأدوار التى يمكن أن يلعبوها عندما تنجلى الحقائق عن نظامين دولى وإقليمى جديدين بعد الحرب الأوكرانية والعودة إلى الاتفاق النووى دون تنازل عن المشروع الصاروخى.

بالتوقيت نفسه طرحت قطر نفسها وسيطا، لكنها لا تمتلك مواصفات الوساطة فى مثل هذه الأزمات الدولية الطاحنة.

القضية الأولى فى الخليج أسعار الطاقة، المكاسب الممكنة والضغوط الماثلة، الإمارات أخذت مسافة بالامتناع عن التصويت فى مجلس الأمن عكس كل التوقعات المسبقة قبل أن تصوت تاليا بـ«نعم» لإدانة موسكو فى الجمعية العامة للأمم المتحدة.

السعودية نحت إلى إبداء شىء آخر غير معتاد فى علاقاتها مع الغرب بالاتفاق مع بكين على إجراء التعاملات النفطية بالعملة الصينية «اليوان».

فى أوضاع خلخلة وسيولة كالتى نشهدها الآن، فإن قراءة الخرائط المتغيرة وما وراءها من حسابات وضغوطات تساعد على ضبط البوصلات واستكشاف ملامح ما قد يحدث غدا فى الإقليم الذى نعيش فيه.

نقلا عن الشروق