اعتبرت صحيفة «كيهان» الإيرانية أن إنشاء «جبهة المقاومة» والحفاظ عليها يشكل الاستثمار الأفضل الذى حققته الجمهورية الإسلامية، والإنجاز الأعظم لثورة الإمام الخمينى.
الحديث عن هذا «الإنجاز الأعظم»، جاء فى سياق تناول الجريدة، مسألة تقليص الميزانية المخصصة لـ«جبهة المقاومة»، بنحو 10% فى السنة المالية الإيرانية المقبلة، بحسب ما اقترحته حكومة الرئيس الأسبق حسن روحانى.
افتتاحية الجريدة التى تعكس توجهات على خامنئى المرشد الأعلى، أشارت إلى أن الجدل حول تخفيض مخصصات «جبهة المقاومة» انتهى بالحفاظ على التدفق النقدى لحلفاء طهران الإقليميين، وقررت حكومة الرئيس الإيرانى الجديد إبراهيم رئيسى استمرار عملية «تمويل المقاومة» التى يقوم بها «فيلق القدس» بقيادة اللواء إسماعيل قاآنى.
ونقلت افتتاحية الصحيفة عن خامنئى قوله إن «فيلق القدس ليس مجرد قوة عسكرية أو أمنية أو استخبارية أو دبلوماسية أو اقتصادية أو خدمية عامة، بل هو كل ذلك فى آن».
ويرى الكاتب الإيرانى أمير طاهرى أن «فيلق القدس» بمثابة «حكومة خارجية لدول جبهة المقاومة، أى العراق ولبنان وسوريا واليمن، وبالطبع إيران نفسها» بحسب مقاله بجريدة «الشرق الأوسط» الذى نشر فيها مقتطفات من افتتاحية «كيهان».
حديث صحيفة «كيهان»، ليس جديدا ولا غريبا، فقد سبق أن اعترف الجنرال الإيرانى غلام على رشيد قائد ما يعرف بـ«مقر خاتم الأنبياء» بأن الجنرال قاسم سليمانى قائد فيلق القدس كان قد أبلغه قبل اغتياله بثلاثة أشهر بأنه أسس بدعم من الحرس الثورى 6 جيوش خارج الأراضى الإيرانية «مهمة هذه الجيوش التى تنتشر بدءا من حدود إيران وصولا إلى البحر المتوسط وتحمل ميولا عقائدية هى الدفاع عن طهران من أى هجوم محتمل».
وهو ما أقره اللواء إسماعيل قاآنى قائد فيلق القدس الحالى الذى قال إن هذا النهج سيستمر حتى «تشكيل الدولة الإسلامية العالمية بقيادة الإمام المهدى».
افتتاحية «كيهان» وحديث قادة ايران، يعكس حقيقة استراتيجية إيران التمددية التى تسعى إلى السيطرة على عواصم المنطقة، مستغلة ما مرت به بعض الدول العربية من هزات وصراعات من جهة، ومن جهة أخرى انسحاب بل غياب القوى الإقليمية العربية التقليدية عن المواجهة.
لم تكتف بعض العواصم العربية بالانسحاب أو الغياب، بل عمد بعضها أخيرا لتسويق أعداء وخصوم الأمة العربية وتقديمهم إلى الشعب العربى باعتبارهم أصدقاء وأشقاء، وطالبونا بفتح صفحة جديدة مع هؤلاء الذين لايزالون يحتلون أراضى عربية ويسفكون دماء الشعب العربى، فى غزة والضفة الغربية ومأرب وبغداد ودير الزور والبوكمال.
«جبهة المقاومة» التى يتفاخر قادة طهران بتأسيسها ودعمها وتمويلها، لم توجه صواريخها إلى المدن الإسرائيلية ولم تشتبك مع قوات الاحتلال الصهيونى منذ 2006، وباستثناء حركتى حماس والجهاد اللذين ذكرهما الجنرال الإيرانى غلام على فى سياق حديثه عن «جبهة المقاومة»، تخوض فى الدماء العربية، وتوجه نيران الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية الصنع إلى المدن العربية.
مقاومة فصائل تلك الجبهة اقتصرت على العبث بمقدرات واستقرار الدول التى تنتشر فيها، تعمل على تقويض مخرجات أى انتخابات لا ترضى عن نتائجها كما جرى فى العراق، تتدخل فى عمل القضاء كما حدث فى لبنان، تخضع المناطق التى تسيطر عليها للثقافة الإيرانية وتفرض على سكانها تعلم الفارسية كما يجرى فى اليمن.
لا أوجه اللوم إلى إيران وجيوشها فى المنطقة العربية، فاللوم يقع أولا وأخيرا على الأنظمة العربية التى قدمت مصالحها الخاصة على مصالح الشعوب العربية.
اعتقد هؤلاء أن التمدد الإيرانى لن يتجاوز محيط «الجمهورية الإسلامية» المباشر، إلا أن ما جرى خلال السنوات الأخيرة أثبت واقعا آخر فالمال والسلاح الإيرانى وصلا إلى نقاط أبعد من الهلال الشيعى الذى رسمت حدوده ثورة الخمينى قبل 40 عاما، ويسعى حكام طهران حاليا إلى استطلاع رؤية الهلال الثانى.
مشروع «إيران الكبرى»، أو «حوزة إيران الحضارية» الذى يداعب مخيلة آيات الله الذين يعتقدون أن بلادهم هى مركز الأمة الإسلامية وأنها «أم القرى» تلك الفكرة التى نظر لها محمد جواد لاريجانى كبير مستشارى المرشد الأعلى فى كتابه «مقولات فى الاستراتيجية الوطنية» والتى تتحدث عن إحياء النفوذ الإيرانى فى النطاقات التى خضعت لنفوذ المملكة الفارسية القديمة، لا يمكن مجابهتها إلا بإعادة إحياء المشروع القومى العربى.
إعادة إحياء المشروع القومى العربى واتحاد دول المنطقة تحت مظلة جديدة، بات فرض عين فى تلك الظروف التى تتسرب فيها إلى بلادنا مشروعات بديلة تستهدف احتلالها وتغيير هويتها أو تخريبها وتفتيتها.
نقلا عن الشروق