العرب وقطار إيران السريع نحو… الهاوية! – الحائط العربي
العرب وقطار إيران السريع نحو… الهاوية!

العرب وقطار إيران السريع نحو… الهاوية!



في كل مرة نحبس فيها أنفاسنا لما ستتمخض عنه المفاوضات الغربية – الإيرانية، حول نشاطها النووي الذي نجحت في تحويله إلى أحد مسامير النعوش التي تصدرها لنا يميناً ويساراً ضمن حمولات تصدير «ثورتها» بدلاً عن «ثرواتها»! هذا غير الغرض الخفي لهذه المفاوضات وصيغة إدارتها لتكون سيفاً مسلطاً على رقبة المنطقة واستقرارها، وورقة ضغط ندفع ثمنها المؤبد، يقف المرء في حيرة من أمره أمام هذه العلاقة المبتذلة بين عالم يدّعي التمدن ودولة تتلحف بعباءة ولاية الفقيه والتوكيل الإلهي للبشر في إدارة الدولة، ولا ندري – حقيقةً – متى سيظهر الرجل الرشيد من بين أنقاض الدمار الشامل للمعارك التي تختلقها إيران لمحيطها العربي، الذي يبدو أن أسبابه متجذرة ومترسخة في صلب الشخصية الفارسية منذ العصور الكسروية تجاه من هم على الضفة الثانية من النهر!

فها هي إيران «الجارة» تواصل ضربها عرض الحائط بكل القوانين والأعراف والاعتبارات الدبلوماسية من احترام للجيرة، لتخسر – في المقابل – سمعتها كحضارة تاريخية، ولديها من المقدرات البشرية والطبيعية والمادية ما يمكّنها لأن تكون أحد أهم اللاعبين الاستراتيجيين في المنطقة، وما أدرانا كيف سيتغير شكل الإقليم ودوره الاستراتيجي لو تحقق ذلك!

فهل كان بيدنا كدول على الجانب المقابل من الخليج، أن نقوم بالمزيد لنستوعب هذا المشكل التاريخي الذي ندفع ثمنه، جيلاً وراء جيل، لتتحول علاقتنا مع إيران إلى قطيعة نفسية وتباعد سياسي وشعبي ضمن معركة مصيرية لا تُبقي ولا تَذَر؟
وهل يُعقل أن كل ما يحصل معها هو نتيجة لعقدتها المزمنة تجاه العرب وحساسيتها المفرطة من الفتح العربي الذي ترك بصماته على الشخصية الفارسية «بسبب التحامها العضوي بالتاريخ العربي، لدرجة أن المفردات العربية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من لغتها الأم ولم تستطع التعبير عن ذاتها إلا بلغة قريش»، (م. ج. الأنصاري – العرب، إيران، الخليج: وجهة نظر خليجية، طبعة 2021). هذا بالإضافة، حسب رأي الكاتب، إلى محاولاتها المستميتة للاستحواذ على التشيع الذي هو في حد ذاته «حركة ثورية اجتماعية عربية في منطلقها وأهدافها وشهدائها، انطلقت لمقاومة استبداد بني أمية»، فأصبح للتشيع مفهوم مختلف لدى الدولة الفارسية وأداة للسيطرة على أتباع المذهب من العرب، الذين يتحولون، في أغلب الأحيان، إلى ضحايا لها، وينقلب بعضهم الآخر إلى دمى تحركها إيران ومعهم من ينضم إلى القطيع من المزايدين والكارهين لاستقرار المنطقة، لا لسبب إلا لكون «اللااستقرار» وظيفتهم في الحياة ومصدراً لبقائهم، وهنا «أم المصائب».

وفي وقفة ترصد المشهور من التحليلات السياسية التي تؤكد أن الوضع الراهن يبرر استمرار الحماية الغربية للمنطقة بوجه تدخلات وهجمات وصواريخ ودرونات وشحنات وميليشيات إيران التي تتفنن في إيقاع الضرر وإشغال دول المنطقة في دوامة من المصادمات معها… نطرح سؤالاً افتراضياً وحالماً: هل من أمل في تطبيع واقعي ومثمر في العلاقات مع إيران الجارة المسلمة؟

نعم، هناك محاولات مخلصة تقوم بها المملكة العربية السعودية لفتح باب الحوار مع إيران، رغم كون المملكة على خط المواجهة «عربياً» في تحمل الهجمات الإيرانية، وعلى أكثر من جبهة، إلا أنها تخطو خطوات الشجعان وبدبلوماسية هادئة فيها الكثير من الشهامة عند الخصومة، لمد يد التعاون. وتعمل دولة الإمارات العربية المتحدة للحفاظ على الحد الأدنى من علاقات الجوار والاحترام المتبادل، رغم احتلال إيران للجزر الإماراتية ضمن مخططها، الذي يبدو ظاهرياً أنه نُفذّ للتحكم في مداخل الخليج والإشراف على مضيق هرمز، إلا أنه في الواقع جاء لدغدغة المشاعر والذات الإمبراطورية الفارسية المستعلية على جوارها التابع لها – حسب أوهامها طبعاً – ولتكون محطة أولى لرفع علمها خارج حدودها. هذا غير تدخلاتها التي لا تقف عند حد تجاه مملكة البحرين، على مر التاريخ، التي دخلت بدورها، في مفاوضات أممية لإثبات عروبتها، ولكن لا يزال قَدَر البحرين قائماً، لتكون بوابة الصد الخليجية في مواجهة الخطر الإيراني.

ورجوعاً لما يمكن أن ينتشلنا من هذا الواقع المأزوم وتداعياته على دول الخليج، خصوصاً أن إيران تعي تماماً أنها ليس لديها ما تخسره في هذه العلاقة المأزومة بالاستناد إلى قاعدة «عليَّ وعلى أعدائي»، وممارسة دور «المشاغب» و«المعطل» لأي محاولة انتعاش أو نهوض في المنطقة، مستفيدةً من المزاج الغربي باتّباع سياسة «الكيل بمكيالين»، ولعبة «فرِّق تسد» الكلاسيكية التي رسمت وترسم أقدارنا كعرب… فرجوعاً لهذا الوضع الراهن، آخذين في الاعتبار أن التصادم مع الجارة لا يحل لنا شيئاً، هل يستطيع التهادن – كخطوة أولى – ولن أقول التصالح التام، أن يُحدث انفراجة لصالح استقرار المنطقة؟ وهل نمتلك كدول عربية (المتحالف منها)، بديلاً مناسباً يخترق المفاوضات الغربية، ويقرّب إيران من جوارها، للاستفادة من مقدراتها في التصنيع النووي – الحربي، مثلاً؟

والسؤال الأهم هنا: كيف لنا أن نخلق أرضية مشتركة جديدة لزرع بذرة «المصالح العربية – الإيرانية المشتركة»، وما سيتبع ذلك من نتائج إيجابية لو قُدّر لهذه الصداقة أن تبدأ، لـ«ضخامة إمكانات التعاون في كل ميدان: ثقافياً واقتصادياً وسياحياً وسياسياً ودينياً… وأن حضارة جديدة في الإمكان أن تنشأ على أكتاف الأمتين من جديد، كما قامت الحضارة الإسلامية الجامعة بفضل المساهمات المشتركة للعرب والفرس في صدر الإسلام» (ذات المصدر السابق، للدكتور الأنصاري)؟
فالخلاصة كما يعود لها أغلب المستشرفين لمستقبل استقرار المنطقة، أنه لا مفر لنا من التعامل مع التحدي الإيراني، ندّاً لند، بوضع استراتيجية مركّزة تتعامل مع الممكن والمتاح حسب اعتبارات اليوم لإطفاء الحرائق المشتعلة حولنا، بعيداً عن الانفعال والقطيعة والتجاذب. وكما أشرنا آنفاً، فإيران ليس لديها ما تخسره، ولكننا نملك الكثير الذي يجب أن نحافظ عليه، وسيكون من المؤسف أن تشغلنا هذه الجبهة عن تنميتنا ومواصلة مسارات التحديث التي نتطلع لها.

نقلا عن الشرق الأوسط