التعاون المثمر – الحائط العربي
التعاون المثمر

التعاون المثمر



ألم تصبح دول مجلس التعاون الخليجي رقماً صعباً، إقليمياً وعالمياً؟ سؤال تمكن الإجابة عنه من خلال متابعة بعض التطورات الأخيرة التي تؤكد الدور المتنامي لدول المجلس، اقتصادياً وجيوسياسياً وعسكرياً، يرافقه تحول مهم آخر يكمن في استقلالية القرار الخليجي، والذي جاء نتيجة لتراكمات اشتد معها عود دول المجلس، وبالأخص في ظل التحالف السعودي الإماراتي الذي شكَّل نقطةَ تحول مهمة للغاية في رسم العديد من السياسات المعبّرة عن المصالح الوطنية لدول المجلس ككل.
اقتصادياً أضحت مختلف بلدان العالم تسعى لتعميق علاقاتها التجارية والمالية والاقتصادية مع دول الخليج العربية، خصوصاً بعد أن أثبتت التطورات في العامين الماضين مدى المكاسب التي يمكن أن تجنيها البلدان الأخرى من علاقاتها مع دول مستقرة ومزدهرة وغنية، كما أن العكس صحيح إذا ما توترت علاقات هذه الدول مع دول المجلس فإنها تتكبد خسائر كبيرة تؤثر على نموها وعلى مستويات المعيشة فيها.
وأقرب مثال على ذلك هو علاقات دول المجلس مع كل من تركيا وإيران، فبعد أن رسمت هاتين الدولتان لنفسيهما أجندات أيديولوجية بعيدة عن الواقع، اتخذت معظم دول المجلس موقفاً عقلانياً متزناً، إذ خفضت إلى الحد الأدنى علاقاتها التجارية والاقتصادية وجمدت تنفيذ مشاريع مهمة، لتعبّر عن مواقفها بروح حضارية مسالمة.
وبما أن مطالب دول الخليج كانت واضحة وعادلة، فقد أُعيد النظر في بعض التوجهات والمواقف الأيديولوجية لدى الجهتين، وهو ما وجد ترحيباً في دول المجلس التي تتعامل بحكمة وعقلانية، فعادت المياه إلى مجاريها بين تركيا ودول المجلس لتترتب على ذلك نتائج إيجابية كبيرة للجانبين، وبالأخص للجانب التركي، حيث تشير الإحصائيات الأخيرة التي أوردتها صحيفة «جمهوريت» التركية إلى أن انتهاء الحظر الضمني من قبل السعودية على الواردات التركية مؤخراً أدى إلى زيادة الصادرات التركية للمملكة بنسبة 801%، كما ارتفعت الصادرات التركية في الأشهر الأولى من العام الجاري بنسبة 17% للإمارات، علماً أن الإمارات بدأت مجدداً تنفيذ مشاريع في تركيا بقيمة 12 مليار دولار.
ويتوقع أن تسفر الزيارة المتوقعة للرئيس التركي للسعودية قريباً في تسهيل عملية مبادلة بقيمة 15 مليار دولار. وبدورها بدأت إيران في استيعاب الأهمية الاقتصادية لدول المجلس وشهدت العلاقات التجارية معها بعض التحسن مؤخراً، إلا أنه ما يزال هناك الكثير مما يمكن عمله في هذا الاتجاه خدمةً للمصالح المشتركة بعيداً عن أي أجندات أيديولوجية. وفي هذا المجال هناك أيضاً ترحيب خليجي بأي خطوة ترمي إلى تبادل المصالح وتنميتها بين الطرفين.
ولم يقتصر الثقل الخليجي على المجال الإقليمي، وإنما تجاوزه ليعكس الأهمية العالمية لدول المجلس، والتي اتخذت موقفاً عملياً ينطلق من مصالحها الوطنية فيما يتعلق بالضغوط الكبيرة التي مورست عليها لزيادة إنتاج النفط، حيث حافظت على تماسك مجموعة «أوبك+» ومنع انهيارها، مما قد تترتب عليه خسائر فادحة بسبب إمكانية انهيار أسعار النفط.
مجمل هذه التطورات يشير إلى أن مَن يتعاون مع دول المجلس سيحقق مكاسب مهمة، أما مَن يحاول تجاوز خطوطها الحمراء، فذلك ينم عن عدم درايته بطبيعة الصحراء العربية ورمالها التي يمكن أن تبتلع من يحاول السير في دروبها دون معرفةٍ بتضاريسها، مما يعني أن الطريق الصحيح للتعامل مع دول الخليج العربية، هو طريق التعاون ضمن المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهي تفعل ذلك مع الآخرين كجزء أصيل في نهجها السياسي والدبلوماسي.

نقلا عن الاتحاد