نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 30 أبريل 2023، جلسة استماع بعنوان “حزام النار: التأثيرات الإقليمية للاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع”، واستضاف المركز العميد سمير راغب، رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ حسين معلوم، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ محمد الفقي، والأستاذ هيثم عمران، والأستاذ محمد عمر، والأستاذة نادين المهدي.
محددات رئيسية
يشير “راغب” إلى عدد من المحددات الرئيسية في الأزمة السودانية الراهنة، والصدام المسلح بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وأبرزها:
1- صراع متعدد الأبعاد والمستويات: الصدام الراهن بين الجيش السوداني و”الدعم السريع”ليس عسكرياً فقط، وإنما هو صراع متعدد الأبعاد والمستويات، إذ إنه صراع عسكري-عسكري، وأيضاً صراع مدني عسكري في مرحلة الانتقال السياسي في السودان، من خلال احتمالات دعم قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي لقوات “الدعم السريع”، كما أن ثمة أبعاداً قبلية مناطقية فقائد “الدعم السريع” ينتمي إلى قبيلة تمتد عبر السودان إلى ليبيا وتشاد، وأيضاً هناك بعد أيديولوجي من خلال تنظيم الإخوان في المشهد السوداني، وجميعها أبعاد تشير إلى تعقد المشهد السوداني والأزمة القائمة.
2- بروز معضلة الانتقال السياسي: يعيش السودان خلال السنوات القليلة الأخيرة، مرحلةمتعثرة من الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي، وتحديداً فيما يتعلق بمرحلة “اليوم التالي” لانتقال السلطة، إذ إن الجيش بشكل عام يرغب في التحول الديمقراطي وتقدم البلاد، ولكن تكون لديه تخوفات من تسليم السلطة لأي شخص هل سيكون أميناً أم لا على البلاد؟ كما أن ثمة أزمة تتعلق بوضع قادة الجيش في اليوم التالي لتسليم السلطة، هل سيتم ملاحقتهم بقضايا متعددة حدثت خلال المرحلة الانتقالية؟ وهذا يؤدي إلى تخوفات من تسليم السلطة، بخلاف صياغة ضمانات معينة لضمان تسليم السلطة، بعيداً عن المثالية الثورية.
كما أن ثمة أزمة تتصل بالنهج الإقصائي من قبل “الحرية والتغيير”، وهو ما دفع بعض الأطراف الداخلية إلى رفض الاتفاق الإطاري، كما أنه في مراحل التحول الديمقراطي لا يجب أن يكون سقف الطموحات عالياً، وبالتالي فإن الصدام الحالي يمثل استفادة لبعض الرافضين للاتفاق، دون الجزم بأنهم سبب اندلاع الصدام المسلح.
3- توقع حدوث الصدام المسلح: النقطة السابقة تقود في التحليل إلى أن الصدام المسلح بين الجيش السوداني و”الدعم السريع” كان متوقعاً منذ فترة، والأزمة لا تتعلق بالخلاف حول فترة الدمج لـ”الدعم السريع” في الجيش، سواء كانت عامين أو ثلاثة أو حتى 10 أعوام، ولكن هناك مرحلة ربما يرغب قادة طرفي الصدام المسلح في الاستمرار بموضع السلطة، فقائد الجيش أصبح رئيساً للمجلس السيادي، وبالتالي يمتلك السلطة، وأيضاً قائد “الدعم السريع” لديه طموحات في السلطة، ولا يرغب في الخضوع لسلطة المؤسسة العسكرية، بعد أن كان نائباً لرئيس المجلس السيادي.
وبشكل عام، فإن تحركات “الدعم السريع” خلال الأسبوعين الماضيين، ربما اتصلت بمعرفة اتجاه الجيش السوداني للتخطيط والتجهيز للتحرك ضد تلك القوات، وبالتالي استباق “الدعم السريع” لهذه الخطوة والتحرك على مستوى المطارات والمواقع العسكرية.
4- احتمالات التحول لاحتراب أهلي: لا يمكن تصنيف الصدام بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، باعتباره انقلاباً عسكرياً ضد السلطة الانتقالية الممثلة في المجلس السيادي، الذي يقوده قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إذ إن تحركات “الدعم السريع” لا تعبر عن تحرك كتيبة أو مكون داخل الجيش السوداني، وإنما يُمكن تصنيفه بـ”التمرد”، ورغم أن الوضع في السودان لا يصنف أيضاً كـ”احتراب أهلي”، إلا أنه يمكن الوصول لهذه المرحلة خلال الفترة المقبلة، وهذا مرهون ببسط الجيش السوداني السيطرة على العاصمة الخرطوم، وبالتالي تمركز قوات الدعم السريع في دارفور، وهناك يمكن أن تجد دعماً لها، بما قد ينعكس على المشهد في السودان تماماً.
وهنا، لا يمكن إغفال محاولة “الدعم السريع” تقليم أظافر الجيش في العاصمة بشكل خاص، رغم أن الجيش يسيطر على أغلب الولايات، إذ يتضح من اليوم الأول رغبة “الدعم السريع” في تحييد القوة الرئيسية المتمثلة في سلاح الطيران، ولذلك اتجهت إلى مطار “مروي” لتعطيل الطلعات الجوية لقصف قواته، وهذا يكشف اتجاه “الدعم السريع” إلى تساوي القوتين على الأرض، بعزل سلاح الجو.
مشهد معقد
يوضح “راغب” أن الصدام المسلح في السودان له انعكاسات إقليمية، وتمتد لأبعاد دولية أيضاً، وفقاً لشبكة المصالح والعلاقات، كالتالي:
1- تفاعل لافت للمكون العربي: لأول مرة في أزمة داخل دولة عربية بأفريقيا، يكون الحضور العربي أكثر بروزاً من الاتحاد الأفريقي، وهو بروز لافت، وتحديداً الحديث عن ثلاث دول رئيسية: مصر والإمارات والسعودية، في إطار مصالح الدول الثلاث بالسودان، هذا برغم الحديث عن اختلاف المصالح، إلا أنه من المهم إدراك عدم تأثير مصالح دولة على أخرى، في إطار العلاقات بين الدول الثلاث وتشابك المصالح على أكثر من مستوى.
في المقابل، ليس هناك حضور بارز للاتحاد الأفريقي على الساحة السودانية، في مقابل تحركات لمنظمة “إيجاد” أو إثيوبيا أو جنوب السودان، ولكن تأثير الدول العربية في مسار الأزمة السودانية أبرز، في ضوء المصالح والروابط بين الدول الثلاث والسودان، إذ إن السعودية أكبر مانح وداعم للسودان، والإمارات من أكثر الدول من حيث الاستثمارات هناك، وبالنسبة لمصر فإن العلاقات التاريخية والمشتركات كبيرة وتجعل العلاقات عميقة.
2- خريطة تشابكات معقدة بأفريقيا: عند النظر إلى دول الجوار للسودان، فإن ثمة تشابكات معقدة لتحديد الموقف من الأزمة، والانحياز لأي من الطرفين.مصر على سبيل المثال، اتخذت موقفاً محايداً من الأزمة،واعتبرت ذلك شأناً داخلياً، وقدمت مبادرة لوقف إطلاق النار بالتعاون مع دول جنوب السودان، وفي الأخيرة يمتلك “حميدتي” نفوذ هناك، خاصة مع إمكانية دعم الرئيس سلفا كير ضد أي تمرد عليه، مقابل احتمالات عدم دعم البرهان له في مثل هذا الموقف.
وأعلنت دولة “تشاد” رسمياً دعم “البرهان” في الصدام المسلح، ولكن هذا على المستوى الرسمي. وعلى جانب آخر، فإن ثمة أبعاداً قبلية قد تميل إلى “حميدتي” خاصة مع الامتدادات القبلية في تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى.
وعلى مستوى إثيوبيا وإريتريا، فمع المتوقع أن يكونا أقرب إلى “حميدتي”، فإثيوبيا على وجه الخصوص، لديها مصلحة في أزمة سد النهضة والرغبة في السيطرة على منطقة الفشقة المتنازع عليها، وقد ترى عدم دعم “البرهان”.
3- انعكاسات الاستقطاب والصراع الدولي: هناك حالة من الاستقطاب الدولي، وأبرز مظاهرها متعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، في حين أن الولايات المتحدة وحلفاءها كانوا يرغبون في محاصرة روسيا، عبر توسيع حلف الناتو باتجاه حدود روسيا، إلا أنالأخيرة فاجأت أمريكا ودول أوروبا بالتوسع في الفناء الخلفي في أفريقيا، وهذا يتضح من رفض 25 دولة أفريقية لإدانة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتعتمد روسيا على شركة “فاغنر”، الموجودة في السودان ودول الجوار مثل ليبيا وأفريقيا الوسطى وتشاد، وبالتالي يتوقع انعكاسات للاستقطاب والصراع الدولي في الأزمة السودانية.
وتجدر الإشارة إلى أن روسيا ترغب في إقامة قاعدة عسكرية في بورتسودان على البحر الأحمر، ولذلك دفعت الولايات المتحدة بمدمرة إلى تلك المنطقة، لمنع أي محاولة لروسيا لإقامة القاعدة العسكرية، حتى لا تتفاجأ الولايات المتحدة بالوجود الروسي مثل حالة مالي.
كما أن الصراع في السودان جزء من الصراع في منطقة “الإندوباسيفك”، إذ إن المفتاح هو منطقة الخليج وبحر العرب، وبالتالي ترغب روسيا في تعزيز تواجدها بالسودان، للربط مع قاعدتها في طرطوس بسوريا، بما يسمح بقطعها البحرية للتحرك بحرية والتوقف للتزود بالوقود والمؤن وغيرها من اللوجيستيات.
أما الموقف الأوروبي فهو حرج، لاعتبارات الرغبة في مواجهة النفوذ الروسي المتزايد في أفريقيا، ولكنها في الوقت نفسه ربما لن ترغب في اتخاذ موقف مناهض لـ”حميدتي”، نظراً لأن الأخير قادر على مواجهة موجات الهجرة غير الشرعية، في ظل فقدان الجيش السوداني السيطرة على حرس الحدود.
سيناريوهات متعددة
وأخيراً، يشير رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية، إلى تعدد سيناريوهات الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني و”الدعم السريع”، سواء بالتوصل لاتفاق بين الطرفين خلال الفترة المقبلة، بناء على تعدد المبادرات المطروحة، وإمكانية اجتماع “البرهان” و”حميدتي” في دولة ثالثة، أو استمرار اتجاه التصعيد وخروج “الدعم السريع” من الخرطوم باتجاه مناطق نفوذه بدارفور، وهناك يمكن أن يحصل على دعم، وتنتقل الأزمة لمرحلة جديدة، وهناك 8 جماعات مسلحة في دارفور يمكن أن تعلن دعمها لـ”حميدتي”.
ولم يستبعد إقدام أحد الأطراف الداعمة لـ”حميدتي” على تقديم صور متعددة من الدعم، سواء العسكري أو السياسي حال إحراز الجيش السوداني تقدماً ميدانياً. وفي المقابل، قد تتدخل أطراف لصالح “البرهان” حال تراجع الجيش السوداني خلال المواجهات المسلحة، وليس بالضرورة أن تكون الأطراف الإقليمية هي الداعم الرئيسي لأي من الطرفين، في ظل حالة الاستقطاب والصراع الدولي وانعكاساته الماثلة في السودان.