جلسة استماع:
“الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط وانعكاساته على الدول العربية”

جلسة استماع:

“الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط وانعكاساته على الدول العربية”



نظم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 7 ديسمبر 2021، جلسة استماع عن الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط وانعكاساته على الدول العربية، واستضاف المركز وزير الخارجية المصري الأسبق السفير نبيل فهمي -كمتحدث رئيسي في الجلسة- بجانب مشاركة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة وهم: الأستاذة كارن أبو الخير، والدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ أحمد كامل البحيري، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ محمد بسيوني، والأستاذ محمد الفقي.

حسابات المصلحة

استهلّ السفير نبيل فهمي الجلسة بالتأكيد على أن تحليل السياسة الخارجية الأمريكية يرتبط بعدد من الأبعاد الأساسية المتمثلة فيما يلي:

1- المقومات الرئيسية: فالولايات المتحدة تحتل مساحة جغرافية كبيرة، فهي دولة قارة، وتضم تنوعاً سكانياً كبيراً، بالإضافة إلى حجم اقتصادها الكبير، وكذلك القوة العسكرية الكبيرة التي اتصلت بتدخلات عسكرية عديدة في أكثر من منطقة على مدار التاريخ الأمريكي. وهكذا، أفضت هذه المعطيات إلى تداخل السياسة الخارجية الأمريكية مع قضايا ومناطق متعددة، حيث تمتد المصالح الأمريكية إلى كافة مناطق العالم.

2- الواقعية السياسية: بالرغم مما يقال عن التباينات السياسية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فإن السياسة الخارجية الأمريكية تظل محكومة بنمط تفكير براجماتي، وهو الأمر الذي يسري على المجال السياسي مثله مثل المجال الاقتصادي، بحيث تتخذ القرارات المختلفة وفقاً لحسابات التكلفة والعائد، المكسب والخسارة.

3- الاستثنائية الأمريكية: وهي فكرة تسيطر على المجتمع الأمريكي، بشكل أو بآخر، ومن ثم النظر إلى مكانة الولايات المتحدة في النظام الدولي باعتبارها مكانة متفردة لا تقارن بأي دولة أخرى، كما أن القيم الأمريكية تتجاوز ما عداها، ولكن هذا الشعور بالاستثناء جعل الولايات المتحدة لا تنضم إلى بعض المنظمات مثل المحكمة الجنائية الدولية، فالولايات المتحدة، بحسب هذا التوجه، لا تقبل المحاسبة من أي طرف دولي آخر، وهي التي تضع قانونها وتفرضه بصرف النظر عن القانون الدولي، ولذا فإنها أكثر دولة تدخلت عسكرياً خارج حدودها الجغرافية.

4- البحث عن الهوية: فالولايات المتحدة تمر في السنوات الأخيرة بمرحلة بحث عن الذات والهوية، وذلك بالتزامن مع التغيرات التي يشهدها العالم ككل، ولعل هذا ما انعكس على اختيارات المجتمع الأمريكي للرؤساء في السنوات الماضية، والمراوحة المستمرة بين رؤساء من توجهات وأفكار مختلفة. وفي هذا السياق، شكّل انتخاب الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” نموذجاً لمرحلة البحث عن الهوية الأمريكية، خاصة أنه كان يمثل نموذجاً للرئيس الرافض للمؤسسات الأمريكية. ولا يمكن إغفال أن البحث عن الهوية الأمريكية انعكس بشكل ما على السياسة الخارجية الأمريكية، مما جعلها في بعض المناطق، مثل الشرق الأوسط، تتسم بدرجة ما من التناقض والالتباس.

تراجع الأهمية

بالرغم من الأطروحات التي تتحدث عن الانسحاب الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط، فإن السفير “نبيل فهمي” يرى أن الولايات المتحدة لن تختفي من المنطقة، ولن تنسحب بصورة كلية مثلما يردد البعض، وكل ما هنالك أن السياسة الأمريكية في المنطقة تعد في مرحلة إعادة هيكلة وترتيب لخياراتها، فالولايات المتحدة لا تزال لديها مصالح في المنطقة يصعب التخلي عنها، وبالتالي فإن تواجدها في المنطقة أمر ضروري للحفاظ على هذه المصالح. ولكن مع ذلك، يتعين الأخذ في الحسبان أن منطقة الشرق الأوسط تراجعت أهميتها عما كانت عليه في الماضي بالنسبة لواشنطن، وهو أمر لم يبدأ في ظل إدارة بايدن ولكنه بدأ منذ سنوات طويلة، وخصوصاً مع انتهاء الحرب الباردة وحساباتها، وكذلك تراجع أهمية النفط بالنسبة للولايات المتحدة.

وفي هذا الإطار، يشير السفير “نبيل فهمي” إلى أن تغير السياسة الأمريكية بالمنطقة، وهو أمر لا يعني الانسحاب، مرتبط بتراجع الانخراط العسكري المباشر في قضايا وأزمات المنطقة، فإدارة بايدن غير طامحة في التدخل فيما يجري بالمنطقة لأنها لا ترى، وفقاً لحسابات المكسب والخسارة، منطقية التضحية بثرواتها المادية والبشرية في صراعات الشرق الأوسط. وتنعكس هذه التوجهات على سياسة واشنطن تجاه قضايا المنطقة. فعلى سبيل المثال، ستظل تراقب الأوضاع في سوريا ولكن من غير المنتظر أن تنشط دورها هناك، وفي الوقت ذاته قد تسمح بأي عمل إنساني ينخرط فيه النظام السوري دون فرض عقوبات. وبموازاة ذلك، فإن واشنطن ستظل تراقب تفاعلات المنطقة لضمان عدم تصاعد نفوذ بعض القوى الدولية المنافسة مثل روسيا، وتجاوز الحدود المسموح بها في بعض الملفات وخصوصاً الملف الليبي.

وأضاف السفير “فهمي” أن الإدارة الأمريكية الحالية لن تغير قرارات ترامب المتعلقة بقضايا المنطقة، ولكنها في الوقت ذاته قد لا تلتزم بها بحيث تسمح ببعض التحركات المعارضة لهذه القرارات، وذلك على غرار التحركات التي قد تجري داخل الأمم المتحدة. ومن النماذج على هذه القرارات قرار إدارة ترامب بشأن الصحراء الغربية، وكذلك قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

الخيارات الممكنة

أشار السفير “نبيل فهمي” إلى أن وحدوية الكيان العربي أمر هام بالنسبة للدول العربية ومصالحها وأمنها، وموازنة نفوذ وتهديدات القوى الإقليمية المنافسة. وفي هذا الإطار، على الدول العربية اتخاذ زمام المبادرة في إعادة تشكيل المنطقة بدلاً من أن تأتي من خارج النظام العربي ويتم فرض إطار معين للمنطقة بعيداً عن المصالح والرؤية العربية. وفي هذا الإطار، يمكن للدول العربية أن تتفق فيما بينها لتحديد ملامح استراتيجية موحدة لمواجهة التهديدات المختلفة، ولا يستدعي هذا المسار افتراض التطابق المطلق في المواقف بين الدول العربية، وإنما الحرص على وجود قدر كبير من التشارك في المصالح والأهداف بين هذه الدول.

وأوضح السفير “فهمي” أنه بالرغم من صعوبة تجنب الدول العربية التعامل مع الولايات المتحدة والبحث عن بديل لها نظراً للمصالح المتداخلة بين الطرفين، فإنه من الخطأ أيضاً افتراض الالتصاق التام بالسياسة الأمريكية، ومن ثم سيكون على الدول العربية تقديم رؤيتها الذاتية لأمن المنطقة، وتجنب الاعتماد المبالغ فيه على الغير، لأن مثل هذا النمط من الاعتماد أضعف قدرة الدول العربية على مواجهة التهديدات والتحديات القادمة من الداخل والخارج.