الأزمة الروسية ــ الأوكرانية والعمل العربى المشترك – الحائط العربي
الأزمة الروسية ــ الأوكرانية والعمل العربى المشترك

الأزمة الروسية ــ الأوكرانية والعمل العربى المشترك



اصابت الأزمة الروسية ـ الأوكرانية الأسواق الدولية بمزيد من الارتباك، خاصة إنها تزامنت مع الموجة التضخمية التى يمر بها الاقتصاد العالمي، وأصبح الجميع يبحث عن الإجابة الشافية عن المدى الزمنى لها. وما يهمنا هنا ان هذه الأحداث، قد كتبت النهاية لحقبة ما بعد الحرب الباردة وتعد بمثابة الإعلان عن انهيار النظام الحالي، والقائم على أساس توافق واشنطن بآلياته ومؤسساته، وبدء البحث عن نظام جديد أكثر إنسانية وأقل وحشية. وهكذا إعادة الاعتبار للدولة القومية والتحالفات الإقليمية بدلا من السوق العالمية، وأصبح من غير المحتمل العودة مرة اخرى للحديث عن العولمة المفيدة للأطراف، والتى بنى على أساسها النظام الاقتصادى الحالي، وتم تقويض المبادئ الأساسية للتصنيع العالمى من خلال سلاسل القيمة المرتبطة بعدة دول، ووضعت كل دولة مصلحتها الوطنية أولا، كما ازدادت درجة عدم اليقين فالتغيرات الجارية والمتلاحقة على الساحة العالمية، لم تعد تدور، كما كانت من قبل، وفقا لقواعد وأسس محسوبة أو يمكن توقعها. بل على العكس من ذلك تماما، إذ زادت بشدة كمية الأحداث الفجائية والتى تخرج عن اى توقعات ممكنة. ولم تكن الاقتصادات العربية بمعزل عن ذلك، حيث ارتفعت معدلات التضخم بها بصورة كبيرة ،ومع تسليمنا الكامل بأن مشكلة التضخم ترجع بالأساس إلى أسباب هيكلية فى بنية الاقتصادات القومية للمنطقة. فإن الموجة الحالية تعود بالأساس إلى التضخم المستورد وذلك بسبب تراجع الإنتاج وانخفاض إنتاجية العديد من القطاعات. الأمر الذى أدى إلى تزايد الحاجة للاستيراد لتغطية الاستهلاك المحلى، خاصة من المواد الغذائية ومستلزمات الإنتاج مما ينعكس بدوره على المستوى العام للأسعار، بعد الارتفاع الكبير فى أسعار المنتجات الغذائية وعلى رأسها القمح الذى تعتمد عليه هذه البلدان بصورة كبيرة فى ضوء انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتى من السلع الزراعية، حيث تصل الى 37% من الحبوب والقمح، وفى السكر الى 45%، وفى الزيوت الى 51% وأصبحت اكبر مستود للسلع الغذائية حجما وقيمة على الصعيد العالمي، فهى تستأثر بما يزيد عن ثلث الواردات العالمية من سلع رئيسية كالحبوب. وبالتالى فان ارتفاع معدلات التضخم ستنعكس بآثارها السلبية على القطاعات الأكثر فقرا بالمنطقة مما يؤدى الى تفاقم أوجه عدم المساواة الحالية حيث يصل عدد الفقراء بالمنطقة الى أكثر من 115 مليون نسمة، اى حوالى ربع سكان المنطقة. كما يسهم فى زيادة أسعار الفائدة مما يقوض من سياسات التعافى الحالية ويؤدى الى ارتفاع مستويات الدين العام، مما ينذر بمخاطر وتحديات عديدة أهمها صعوبة الحفاظ على الاستدامة المالية والاستقرار المالى او الاستثمار فى المستقبل. وكلها امور تدفعنا للعمل على تدارك الآثار السلبية لها عبر آليات محددة. وكما ذكرت كريستينا جورجييفا المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولي: ان صانعى السياسات على مستوى العالم بحاجة الى تقدير سياساتهم المالية والنقدية بعناية لضمان أن إنهاء برامج الدعم المالى لآثار كورونا وارتفاع أسعار الفائدة لن يقوضا الانتعاش الاقتصادي. من هذا المنطلق تأتى أهمية العمل على إعادة تعزيز العمل العربى المشترك بغية تقليص الاعتماد على الخارج لمصلحة المزيد من التعاون العربي. خاصة أن المنطقة تملك الإمكانيات المؤهلة لذلك، فعدد السكان يزيد على 431 مليون نسمة، يمثلون 5.5% من سكان العالم.ورغم ذلك فمازالت التجارة البينية العربية فى حدود 12% من إجمالى التجارة العربية، يحتل النفط حصة ملموسة فيها. مع ملاحظة انها تتركز فى دول الجوار الجغرافي، فعلى سبيل المثال فان 88% من صادرات البحرين تذهب الى الامارات والسعودية والكويت، وبالمثل فان 62% من صادرات الامارات تذهب الى السعودية وعمان، و79% من صادرات تون تذهب الى الجزائر والمغرب وليبيا. لكل ما سبق أصبح من الضرورى العمل على زيادة حجم التجارة البينية وتكثيف المعاملات والمبادلات بين هذه الأطراف وبعضها البعض، ولكن تكمن المشكلة فى التركيب السلعى للتجارة العربية والخصائص الهيكلية التى تتميز بها، ونقصد بها تحديدا طبيعة الإنتاج ومدى تطوره وتنوعه، والتماثل والتشابه فى القواعد الإنتاجية. هذا فضلا عن كون كل المحاولات الهادفة الى تشجيع التبادل التجارى العربى قد تمت انطلاقا من إزالة المعوقات الإدارية والبيروقراطية، ولم تهتم على الإطلاق بالقضية الأساسية وهى تطوير الهياكل الإنتاجية مع العمل على زيادتها وتنويعها. وهكذا أصبح من الضرورى العمل على تلافى الآثار السلبية للنظام الاقتصادى الدولى الراهن وهو ما لن يتأتى إلا عبر الانتقال من دائرة النيات الحسنة والأقوال المرسلة الى دائرة الفعل الجاد، وذلك عن طريق تبنى مفهوم تنموى جديد، يضع استراتيجية شاملة وعامة للعمل العربى المشترك، بحيث تحدد بوضوح أهدافها وأسسها واتجاهاتها ووسائلها وآلياتها وتوحد حركتها على نحو يحقق التكامل والترابط بين هذه الحركة فى داخل كل قطاع من قطاعاته، وفيما بين جميع هذه القطاعات، وذلك على المحاور الثلاثة للعمل دوليا وإقليميا وقطريا، بحيث يركز المحور الأول على علاقة البلدان العربية، فرادى او مجتمعة، بباقى بلدان العالم خاصة فى صورة تجمعات اقتصادية، اما المحور القومى فيركز على علاقات الدول العربية وبعضها البعض، واخيرا ينصب المحور القطرى بطبيعة التوجه التنموى داخل كل قطر عربى . فإذا ما ترجمنا هذه الأهداف عمليا فان المنطقة العربية ينبغى ان تعمل على الصعيد الدولى بكل ضراوة وقتال من اجل الحصول على حقوقها التجارية، فى مواجهة طغيان منظمة التجارة العالمية، هذا مع ضرورة البحث عن آليات جديدة، وسبل محددة للتعامل الإيجابى مع التطورات الجارية على الساحة الدولية. وعلى الصعيد الإقليمى فانه ينبغى تطوير منطقة التجارة الحرة العربية مع التطبيق الكامل لبنود الاتفاقية وإزالة العوائق التى تحول دون انتقال السلع ورؤوس الأموال والأشخاص وحل مشكلات قاعدة المنشأ ووضع سياسة تجارية مشتركة لمواجهة حالات الإغراق والوقاية وغيرها وتطوير التعاون الجمركي.

نقلا عن الأهرام