دبلوماسية الطاقة:
الأبعاد الإقليمية لاجتماع دول خط الغاز العربي في الأردن

دبلوماسية الطاقة:

الأبعاد الإقليمية لاجتماع دول خط الغاز العربي في الأردن



شهدت العاصمة الأردنية عمّان، في 8 سبتمبر الجاري، انعقاد الاجتماع الوزاري الرباعي بين الأردن ومصر وسوريا ولبنان، وذلك لبحث نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية والأردنية. وانتهى الاجتماع إلى الاتفاق بين وزراء الدول الأربعة حول تقديم خطة عمل وجدول زمني لنقل الغاز إلى لبنان سريعاً، وذلك من خلال إحياء الخط العربي لنقل الغاز والكهرباء المتوقف منذ نهاية عام 2011. وقد اكتسبت نتائج الاجتماع أهميتها من كونها تعمل على حلحلة أزمة الوقود القائمة في لبنان، فضلاً عن محاولة الدول العربية موازنة الدور الإيراني في لبنان، ولاسيما بعد إعلان حزب الله، في 19 أغسطس الفائت، بدء استيراد الوقود من إيران.

نتائج رئيسية

انتهى الاجتماع الرباعي في عمّان، في 8 سبتمبر الجاري، الذي ضم وزيرة الطاقة الأردنية هالة زواتي، ووزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا، ووزير النفط والثروة المعدنية السوري بسام طعمة، ووزير الطاقة والمياه السابق اللبناني ريمون غجر، إلى اتفاق بين الدول الأربعة على تقديم خطة عمل وجدول زمني لتنفيذ نقل الغاز المصري إلى لبنان.

وقد أشارت وزيرة الطاقة الأردنية هالة زواتي، في مؤتمر صحفي بعد الاجتماع، إلى أن “الهدف من الاجتماع الرباعي الذي يضم دول خط الغاز العربي هو إعادة ضخ الغاز المصري إلى لبنان بعد انقطاعه لمدة حوالي عشر سنوات”، وأضافت أن “البنية التحتية لخط الغاز العربي التي ستنقل الغاز شبه جاهزة، ولكنها تتطلب بعض الإصلاح لأن الخط لم يستخدم باتجاه لبنان لفترة طويلة، على أن تتم مراجعة الاتفاقيات خلال 3 أسابيع”، لافتة إلى أن “كل دولة ستتحمل كلفة الإصلاحات اللازمة لبنيتها التحتية”.

دلالات هامة

بالرغم من الطابع الفني لاجتماع دول خط الغاز العربي في عمان، إلا أنه يستدعي أيضاً أبعاداً سياسية هامة تتداخل مع التوازنات والمعطيات الإقليمية الراهنة. وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى عدد من الدلالات الرئيسية لهذا الاجتماع على النحو التالي:

1- حلحلة أزمة الوقود اللبنانية: سعى الاجتماع إلى تقليص حدة أزمة الوقود في لبنان، والتي تفاقمت بصورة كبيرة خلال الشهور الماضية في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها لبنان. فقد توقفت المرافق الحكومية عن إمداد الكهرباء للبنانيين في مناطق عديدة وهو ما دفع الأفراد إلى البحث عن الوقود اللازم لتشغيل المولدات الاحتياطية. وبالتوازي مع ذلك، تزايدت عمليات تهريب الوقود وتوسعت السوق السوداء. وفي 12 أغسطس الفائت، أعلن البنك المركزي اللبناني أنه لم يعد بإمكانه دعم واردات الوقود بسعر صرف تفضيلي، ليتم بعد ذلك الإعلان عن رفع أسعار الوقود بصورة كبيرة.

وقد أشار وزير الطاقة والمياه اللبناني السابق ريمون غجر خلال اجتماع عمّان إلى أهمية نقل الغاز للبنان في الوقت الراهن، حيث أعرب عن حاجة لبنان الماسة لدعم قطاعاته الحيوية كالكهرباء سواء عبر الغاز أو الطاقة الكهربائية بشكل مباشر، وقال إن “هذه هى الخطوة الأولى التي سيستفيد منها لبنان عبر تزويد معمل دير عمار الذي يحتاج إلى 600 مليون متر مكعب من الغاز لتوليد 450 ميجاواط من الكهرباء”، وأضاف أن الحكومة اللبنانية تعمل حالياً مع البنك الدولي لتأمين التمويل لقاء الغاز المصري، لافتاً إلى أن “هناك إمكانية في المستقبل لاستيراد الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا بعد أن يتم إصلاح بعض المناطق التي تضررت بسبب الحرب في سوريا”.

2- دعم حكومة نجيب ميقاتي: يعكس توقيت عقد اجتماع عمّان حالة من الدعم العربي لجهود تشكيل الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي في لبنان، والتي أعلن عنها بالفعل في 10 سبتمبر الجاري، ومحاولة لمساعدة لبنان على الخروج من حالة الفراغ الحكومي القائمة منذ إعلان رئيس الحكومة حسّان دياب تقديم استقالته بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020. ولا يمكن إغفال أن إعلان ميقاتي عن تشكيل الحكومة الجديدة بعد يومين فقط من اجتماع عمّان، ربما يعطي زخماً ودفعة هامة لنتائج الاجتماع، لاسيما أنه مطلوب من لبنان التأكد من جاهزية البنية التحتية وتقديم تقرير بالعوائق، إن وجدت، خلال أسبوعين، ويحتمل أن تحتاج الحكومة اللبنانية إلى التعاقد مع أطراف خارجية لديها القدرات الفنية اللازمة في هذا الشأن.

3- موازنة النفوذ الإقليمي الإيراني: ينطوي اجتماع عمّان على محاولة لموازنة النفوذ الإيراني في لبنان، إذ أن التحركات نحو إحياء خط الغاز العربي بين الدول الأربعة جاءت بعد إعلان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في 19 أغسطس الفائت، بدء استيراد الغاز والمازوت من إيران عبر أكثر من شحنة، وكذلك تحذيره الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من أن “السفينة ستكون أرضاً لبنانية بمجرد إبحارها”. وفي هكذا سياق، يمكن أن يقطع اجتماع عمّان الطريق أمام حزب الله لتوظيف ورقة الطاقة لتعزيز حضور إيران في المشهد اللبناني، وكذلك تحسين صورة الحزب بعد تصاعد حدة الاستياء داخل لبنان ضده، والاتهامات الموجهة إليه بالتسبب في الأزمات التي يواجهها لبنان، بالمشاركة مع النخب السياسية الموجودة. فضلاً عن محاولة اتجاهات عديدة الربط بين الحزب وحادث انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، بالإضافة إلى السياسة الخارجية للحزب والتي جعلت أطرافاً وقوى عديدة تنظر إليه كأداة لخدمة المصالح الإيرانية، دون أن يأخذ في الحسبان مصالح الدولة اللبنانية.

4- تراجع عزلة النظام السوري: يشير الاجتماع إلى تراجع العزلة الإقليمية، وكذلك الدولية، المفروضة على النظام السوري بعد سنوات طويلة. فقبل الاجتماع بأيام، وبالتحديد في 4 سبتمبر الجاري، قام وفد وزاري لبناني ترأسته نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع ووزيرة الخارجية بالتكليف في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية السابقة، زينة عكر، بزيارة دمشق في أول زيارة رسمية على هذا المستوى بين البلدين منذ عام 2011، وكان الهدف من الاجتماع بحث قضية نقل الغاز المصري إلى لبنان. وبعد هذا الاجتماع، أعلنت الحكومة السورية إنها ترحب بطلب لبنان استيراد الغاز المصري لتوليد الكهرباء عبر أراضيها. كما أكد الرئيس السوري بشار الأسد، في لقاء مع قيادات حزبية لبنانية في دمشق في 5 سبتمبر الجاري، على دعم سوريا للشعب اللبناني ووقوفها معه على مختلف الأصعدة.

5- تعزيز أواصر التعاون العربي: كان لافتاً أن اجتماع عمّان جاء بعد فترة وجيزة من مشاركة دول عربية رئيسية في قمة بغداد للتعاون والشراكة، والتي عقدت في 28 أغسطس الفائت، وعكست اهتمام تلك الدول بتعزيز العلاقات مع العراق، ودعم الجهود التي تبذلها حكومة مصطفى الكاظمي من أجل تكريس حالة الأمن والاستقرار على الساحة الداخلية. وقبل ذلك، بدأت تلك الدول في الانخراط في مشروعات تعاون مع العراق، لدعم جهودها في التعامل مع المشكلات المستمرة التي تواجهها. وقد بدا ذلك جلياً في القمة الثلاثية التي عقدت في بغداد، في 27 يونيو الماضي، وضمت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن هذه التطورات في مجملها تشير إلى أن ثمة اتجاهاً تقوده الدول العربية الرئيسية لدعم الدول التي تواجه أزمات على المستويات المختلفة، باعتبار أن ذلك يمثل أحد المداخل الأساسية ليس فقط لتعزيز التعاون والتضامن العربي، وإنما أيضاً لمواجهة تدخلات القوى الأخرى غير العربية.