كيانات "الظل":
احتمالات عودة التنظيمات العسكرية الموازية في السودان

كيانات "الظل":

احتمالات عودة التنظيمات العسكرية الموازية في السودان



أعلن بعض العسكريين المتقاعدين الإسلاميين في السودان تأسيس تنظيم سياسي عسكري أطلقوا عليه “كيان قوة الوطن” بقيادة اللواء متقاعد “الصوارمي خالد سعد” المتحدث السابق باسم الجيش السوداني، وذلك بهدف إلغاء اتفاق جوبا للسلام، وإيجاد حالة من التوازن العسكري بين الولايات السودانية المختلفة، والقضاء على التهميش السياسي والاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية. ويعكس الإعلان عن هذا التنظيم حالة من السيولة الأمنية التي تعاني منها البلاد في ظل تصاعد نشاط الإسلاميين، وقد يمثل هذا التنظيم امتداداً للتنظيمات العسكرية التي سادت في عهد البشير.

عقدت مجموعة من ضباط الجيش السوداني المتقاعدين بقيادة اللواء “الصوارمي خالد سعد ” مؤتمرا صحفيا بالعاصمة السودانية الخرطوم، في 13 نوفمبر الجاري، أعلنوا فيه تشكيل تنظيم ًً سياسي عسكري يحمل اسم “قوات كيان الوطن”. وفور الإعلان عن هذا التنظيم سارعت الاستخبا ارت العسكرية السودانية إلى اعتقال قائد التنظيم “الصوارمي” وعدد من الضباط الم ارفقين له، وإجراء تحقيقات موسعة معهم لمعرفة ماهية التنظيم وأهدافه والجهات الداعمة له، خاصة وأنه تم توجيه اتهام بالدعوة العلنية للتمرد ضد السلطات القائمة.

أهداف محددة

أعلن اللواء متقاعد “الصوارمي خالد سعد” الذي كان يشغل منصب المتحدث باسم الجيش في عهد الرئيس السابق “عمر البشير” وحتى إسقاطه في أبريل عام 2019، وبعدها تم استبعاد “الصوارمي” بعد قضائه فترة زمنية منتدباً لدى قوات الدعم السريع برئاسة الفريق أول ركن “محمد حمدان دقلو” نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عن سعيهم لتشكيل هذا التنظيم بغرض تحقيق مجموعة من الأهداف (28 هدفاً)، من أبرزها ما يلي:

1- إيجاد توازن عسكري بين الولايات السودانية: أعلن اللواء متقاعد “الصوارمي” خلال المؤتمر الصحفي لتأسيس هذا التنظيم أن الهدف الرئيسي يمكن في إيجاد حالة من التوازن العسكري بين الولايات السودانية كافة، وخاصة بين ولايات الشمال والوسط ومناطق كردفان في مواجهة الولايات السودانية الأخرى التي توجد بها جماعات وحركات مسلحة على غ ارر إقليم دارفور، وفي ظل امتلاك التنظيم الجديد آلاف الجنود والمقاتلين في الولايات المشار إليها؛ فإن ذلك يمثل دافعاً لتأسيس هذا التنظيم الجديد. 

2- إلغاء اتفاق جوبا للسلام بين الحكومة الانتقالية السابقة والحركات المسلحة: يهدف تنظيم “قوات كيان الوطن” في أحد جوانبه، لتحقيق أهداف سياسية على أرسها إلغاء اتفاق جوبا النهائي للسلام الموقع في أكتوبر 2020 بين الحكومة الانتقالية السابقة والحركات والجماعات المسلحة المنضوية تحت لواء “الجبهة الثورية”، حيث يرى قادة التنظيم الجديد أن هذا الاتفاق منح الموقعين عليه من الحركات المسلحة مزايا سياسية واقتصادية لم تحصل عليها ولايات الشمال والوسط، وشاركوا في الحكومة الحالية، كما أن الاتفاق لم يتم تنفيذه بشكل كامل حتى الآن، وهو ما يدعو لإلغائه.

3- محاربة التهميش التنموي والإقصاء السياسي: يرى مؤسسو تنظيم “قوات كيان الوطن” أن ولايات الشمال والوسط وكردفان لا تازل تعاني من عمليات التهميش والإقصاء على المستويين السياسي والاقتصادي. ومقارنة بحركات دارفور المسلحة التي حصلت على بعض المناصب السياسية، فإن التنظيم الجديد يجب منحه بعضاً من هذه المناصب السياسية التي تؤهلهم للدفاع عن مصالح الولايات التي يمثلونها ومن ثم تمكينهم من الحصول على مناصب سياسية تمنحهم القدرة على حماية مصالح أهالي الولايات الشمالية والوسط ومناطق كردفان.

 4- تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية: حيث أعلن قادة التنظيم أنه يحمل أهدافاً ذات طابع اقتصادي واجتماعي، وذلك من خلال العمل على إحقاق الحقوق وإرساء قيم العدالة الاجتماعية داخل المجتمع السوداني.

دلالات هامة

رغم إعلان السلطات السودانية اعتقال قادة التنظيم والتحقيق معهم، إلا أن فكرة تنظيم مؤتمر صحفي بالعاصمة الخرطوم للإعلان عن تأسيس تنظيم ذات أهداف سياسية وعسكرية، يحمل في طياته عدداً من الدلالات السياسية والأمنية الهامة، ومن أبرزها ما يلي:

1- إثارة مسألة كيانات موازية مؤسسة منذ عهد البشير: حيث أثار الحديث عن تأسيس تنظيم كيان قوة الوطن إشكالية التنظيمات العسكرية الموازية التي أنشأها نظام الإنقاذ في عهد الرئيس السابق “عمر البشير”، وذلك على غ ارر كتائب “طلائع البشير” و”قوات الدفاع الشعبي” وما كان يعرف أيضاً بـ”نسور البشير” التي كانت تنشط في دارفور، والتي أشرف على تأسيسها الرئيس السابق “البشير” بنفسه، وذلك بغرض الدفاع عن النظام السياسي القائم ضد أية محاولات للانقلاب عليه.

وأيضاً ما كان يعرف بـ”كتائب الظل” التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين والتي كان يشرف عليها القيادي السابق “علي عثمان طه” وهدد باستخدامها للقضاء على الثورة الشعبية في 2019، وكان لها دور في محاولة إرباك المشهد السياسي والأمني في السودان قبل أن تنجح الثورة الشعبية في إسقاط نظام الإنقاذ في أبريل 2019، وبالتالي قد يمثل تنظيم “كيان قوة الوطن” المشار إليه امتداداً لهذه الكتائب مع العمل على تطويرها وتحديثها، إذ يرغب الإسلاميون في إعادة إحيائها مرة أخرى وتوظيفها لمساعدتهم في العودة للسلطة مرة أخرى.

 2- عودة تصاعد نشاط الإسلاميين: رغم إشارة قائد التنظيم اللواء “الصوارمي” في مؤتمر إعلان تأسيسه أنه لا يتبع أي حزب سياسي أو ديني، إلا أن المصادر السودانية تشير إلى أن “الصوارمي” ذاته ينتمي إلى حزب المؤتمر الوطني “المنحل”، وأن الضباط المتقاعدين المؤسسين لهذا التنظيم ينتمون إلى الحركة الإسلامية التي ظلت في الحكم طوال عهد الرئيس المعزول “عمر البشير”، ويحمل ذلك دلالة هامة على أن التيار الإسلامي العريض وحزب المؤتمر الوطني لهما دور كبير في دعم وتمويل هذا التنظيم، خاصة وأن الإعلان عن تأسيسه جاء مت ازمناً مع تصاعد أنشطة التيار الإسلامي العريض وحزب المؤتمر داخل البلاد خلال الفترة الأخيرة. ومن المؤش ارت الدالة على ذلك التظاه ارت والاحتجاجات الشعبية التي نظمها الإسلاميونبتحريض من رئيس حزب المؤتمر الوطني المنحل “إب ارهيم غندور”، في 25 أكتوبر الماضي والأسبوع الأول من شهر نوفمبر الجاري، وتحذيرهم الفريق “البرهان” من دخوله في أية تسوية مع القوى السياسية المدنية استناداً إلى الوثيقة الدستورية التي طرحتها نقابة المحامين كأساس لتسوية الأزمة السياسية ال ارهنة في البلاد.

3- مواجهة تصعيد المؤسسة العسكرية: من اللافت للنظر أن الإعلان عن تأسيس هذا التنظيم السياسي العسكري جاء عقب التصريحات الأخيرة التي أطلقها الفريق أول “عبد الفتاح البرهان” رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، والتي أطلقها خلال كلمته في منطقة “المرخيات” شمال العاصمة الخرطوم مؤخ ار، والتي حذر فيها الإسلاميين وحزب المؤتمرً الوطني المنحل بشكل واضح وصريح من محاولات الترويج لمسألة الاستقواء بالجيش والعودة من خلاله إلى الحياة السياسية والسلطة، وتحذيره المباشر للإسلاميين بعدم التدخل في الشؤون الخاصة للجيش. ويأتي ذلك رداً على مطالبتهم له بعدم عقد أية اتفاقات مع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير لحل الأزمة السياسية ال ارهنة في البلاد.

ورغم إعلان “الصوارمي” (قائد التنظيم الجديد) عدم وجود نية لديهم للصدام مع المؤسسة العسكرية، إلا أن حديثه عن امتلاك التنظيم آلاف الجنود والمقاتلين وسعيهم للحصول على مكاسب سياسية والدفاع عن مصالح بعض الولايات السودانية، يتعارض تماماً مع ذلك ويشير بقوة إلى أن هذا التنظيم في حال سماح الجيش له بالتأسيس، سوف يصطدم مع الجيش بشكل لا يقبل الشك.

4- غياب الرؤية وتناقض الأهداف داخل الكيان الموازي: يحمل تنظيم كيان قوة الوطن في داخله عوامل تفككه وضعفه قبل إلقاء القبض على قادته ومؤسسيه، فخلال المؤتمر الصحفي الذي نظموه للإعلان عنه، أشار “الصوارمي” إلى أن هذا التنظيم هو تجمع سياسي وثقافي وعسكري قومي، وأنه جاء تحت شعار “جيش واحد.. شعب واحد” وفي ذلك تناقض وغياب للرؤية والأهداف التي يقوم على أساسها هذا التنظيم، هذا بالإضافة إلى عدم وجود معلومات محددة بشأن عدد القوات أو الجنود التابعة لهذا التنظيم وكذلك فيما يتعلق بالجهات الممولة له.

5- خلافات المكون العسكري من فلول النظام السابق: يعكس الإعلان عن هذا التنظيم العسكري الأوضاع الأمنية الراهنة داخل السودان والتي أصبحت تتسم بحالة من السيولة والاضطارب الذي دفع بعض التنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة للتفكير في الانطلاق من السودان لتمديد نفوذهم هناك، الأمر الذي من شأنه التأثير سلباً على الأمن القومي للبلاد في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة سياسية متفاقمة منذ الانقلاب العسكري على السلطة الانتقالية في أكتوبر 2021.

وربما يعكس الإعلان عن هذا التنظيم في هذا الوقت، تصاعداً للخلافات بين المكون العسكري وأنصار النظام السابق من الإسلاميين، وخاصة بعد استخدام الفريق “البرهان” خطاباً سياسياً شديد اللهجة لنفي أية علاقة بين الجيش والإسلاميين، فمن غير المعقول أن الاستخبا ارت السودانية لم تكن على علم بخطوات تشكيل هذا التنظيم قبل تنظيم مؤتمر صحفي علني لتدشينه؛ إلا أن الخلاف مع أنصار (فلول) النظام السابق أدى بالجيش إلى اعتقال قيادات هذا التنظيم.

سيناريو الإخضاع

خلاصة القول، رغم الإعلان عن اعتقال قادة هذا التنظيم العسكري، إلا أنه من غير المستبعد أن يكون لبعض عناصره ردة فعل قد تتسم بالقوة أو العنف للتأكيد على حقيقة امتلاك التنظيم آلاف الجنود والمقاتلين وفقاً لما تم الإعلان عنه في المؤتمر الصحفي التأسيسي للتنظيم، ومع ذلك فإن المعطيات الراهنة ترجح أن تتجه المؤسسة العسكرية السودانية لإخضاع قادة هذا التنظيم لإجراءات عسكرية مشددة والتي بدأتها بالاعتقال، وذلك بهدف منع هذا التنظيم من التأثير السلبي على الأوضاع السياسية والأمنية المتأزمة في المرحلة الانتقالية الراهنة التي تتسم بقدر عال من التعقيد والارتباك.