رسائل الردع:
إجراء مناورات الأسد الأفريقي 2022 على الحدود المغربية-الجزائرية

رسائل الردع:

إجراء مناورات الأسد الأفريقي 2022 على الحدود المغربية-الجزائرية



تنطلق مناورات الأسد الأفريقي 2022، التي يستضيفها المغرب بمشاركة الولايات المتحدة إلى جانب 18 دولة أخرى، خلال الفترة من 20 يونيو إلى 1 يوليو القادم، وتُجرَى في سياق دولي وإقليمي مضطرب بسبب تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، ناهيك عن تصاعد حدة التهديدات الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي، وتزايد التوترات بين المغرب والجزائر حول الصحراء، وتعقد مسار المصالحة بين الجانبين، وهو ما يثير تساؤلات حول دلالات إجراء هذه المناورات في هذا التوقيت.

سياق مضطرب

يمكن الإشارة إلى أهم ما يميز المناورات هذا العام وسياقها الإقليمي على النحو التالي:

1- مشاركة دولية وأفريقية واسعة في تلك المناورات: حيث يُشارك في هذه التدريبات حوالي 7500 جندي من 18 دولة، بقيادة فرقة أفريقيا التابعة للجيش الأمريكي، وفرقة عمل جنوب أوروبا في إفريقيا، بالاشتراك مع وحدات من القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، وستستمر هذه التدريبات حتى أول يوليو في أربع دول أفريقية (المغرب، وغانا، والسنغال، وتونس). وتشارك فيها قوات من البرازيل، وتشاد، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، وإسبانيا، والمملكة المتحدة.

2- تزامنها مع توتر العلاقات المغربية-الجزائرية: ولا سيما حول الصحراء، ناهيك عن تصاعد التوترات الجزائرية مع الدول الأوروبية المؤيدة للمقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء، وخصوصاً بعد تعليق الجزائر اتفاقية الصداقة مع إسبانيا، في 7 يونيو الجاري، على خلفية موقف الأخيرة ودعمها للمقترح المغربي.

3- انعكاسات الحرب الروسية-الأوكرانية: حيث تعكس هذه التدريبات رغبة العديد من الدول المشاركة في مواجهة التهديدات وحماية المصالح المشتركة، ولا سيّما ما قد ينتج عن هذه الحرب من تحديات ترتبط بعودة المقاتلين الأجانب إلى العديد من المناطق، وخاصة أوروبا ومنطقة الساحل الأفريقي والمغرب العربي، وما يرتبط بعودتهم من مخاطر محتملة، خاصة خطر تصاعد موجة جديدة من الإرهاب في هذه المناطق.

4- تصاعد التهديدات الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي: حيث تُبدي الدول المشاركة اهتماماً متزايداً بمواجهة التهديدات في هذه المنطقة، ولا سيما في ظل ما تمر به بلدانها من حالة عدم استقرار سياسي مع تصاعد موجة جديدة من الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينافاسو، وانخراط قوات فاجنر الروسية في عمليات مكافحة الارهاب، ناهيك عن الانسحاب الفرنسي والأوروبي من مالي، وهو ما ساعد على تمدد التنظيمات الإرهابية في المنطقة وتمددها باتجاه منطقة خليج غينيا. وتحمل هذه التهديدات الأمنية تداعيات خطيرة على الأمن الدولي والأفريقي على حدّ سواء.

رسائل عديدة

تحمل مناورات الأسد الأفريقي في نسختها الـ18 بتوقيتها ومكان إجرائها، رسائل عديدة، وذلك على النحو التالي:

1- محورية الدور المغربي في شمال إفريقيا: وخاصة في ظل مشاركة هذا العدد الكبير من الدول، وهو ما يُعزز من الدور الاستراتيجي للمغرب في منطقة شمال أفريقيا، ويؤكد رهان المجتمع الدولي على المغرب ومناخ الاستقرار الذي يتمتع به، فضلاً عن الأدوار المحورية التي بات يضطلع بها على مستوى الأمن الإقليمي والقاري، ولا سيما أن هذه المناورات تأتي بعد مرور أيام قليلة من عقد مؤتمر التحالف الدولي لمواجهة داعش، والذي استضافه المغرب في 11 مايو الماضي، حيث ربط المغرب بشكل صريح بين الأجندات الانفصالية والتهديدات الإرهابية في القارة الأفريقية.

2- تعزيز التعاون الأمني بين الرباط وواشنطن: حيث إن استمرار البلدين في تنظيم مناورات “الأسد الأفريقي” على الأراضي المغربية، على مدى سنوات، يؤكد الأهمية الاستراتيجية التي توليها واشنطن والرباط لهذا التعاون العسكري، والبعد الأمني لمحور التعاون الإقليمي على المستوى الأفريقي، حيث يسعى المغرب إلى استثمار هذا التعاون العسكري بالقدر الذي يجعل نفوذه أكثر تأثيراً على المستويَيْن القاري والدولي.

3- تأكيد سيادة المغرب على الصحراء: حيث تتم هذه المناورات على بعد كيلو مترات من الحدود الجزائرية، وتشمل للمرة الثانية على التوالي منطقة المحبس في الصحراء، المتاخمة للحدود الجزائرية. ويهدف المغرب من إجراء هذه المناورات في منطقة المحبس إلى إرسال رسالة قوية للجزائر مفادها أن المغرب يمتلك الجاهزية القتالية والعسكرية لفرض سيطرته على كامل الصحراء، وخاصة في ظل اعتراف العديد من الدول المشاركة بالمقترح المغربي، لا سيما الولايات المتحدة، وأيضاً هولندا التي أيدت مؤخراً المقترح المغربي.

4- إفشال الضغوط الجزائرية على المغرب: حيث تشارك في هذه المناورات العديد من الدول التي أبدت تأييدها للمقترح المغربي حول منح الصحراء حكماً ذاتياً. وتشير المعلومات إلى أن المغرب والولايات المتحدة قد وجّها الدعوة بالفعل لإسبانيا للمشاركة في هذه المناورات، وستكون مشاركة إسبانيا تأكيداً لموقفها الداعم للموقف المغربي في مواجهة الجزائر، وترسل برسالة هامة مفادها فشل الضغوط الجزائرية على مدريد لثنيها عن موقفها، وهو ما يزيد من عزلة الجزائر أوروبياً.

تداعيات محتملة

تحمل هذه المناورات تداعيات محتملة يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تصاعد اللجوء للمناورات العسكرية بين المغرب والجزائر: حيث أجرى الجيش الجزائري، في 6 يونيو الجاري، تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية بالقطاع العملياتي الجنوبي في تندوف، وقد أرادت الجزائر بذلك استباق المناورات العسكرية التي ينوي المغرب القيام بها في منطقة المحبس. ومن الجدير بالذكر أن المناورات العسكرية الجزائرية التي أُطلق عليها “الصمود 2022” سبقتها نسخة بحرية “الردع 2021” نفذها الجيش الجزائري في سبتمبر 2021 بالناحية العسكرية الثانية التي تشمل الحدود مع المغرب. وفي 23 مايو 2022، نفذ الجيش الجزائري بالناحية العسكرية الثانية تدريبات للقوات البحرية تحت عنوان “إعصار 2022”. وجميعها تهدف إلى إرسال رسائل تحذيرية للمغرب.

2- زيادة وتيرة سباق التسلح المغربي-الجزائري: إذ إن البلدين يعملان على تطوير قدراتهما العسكرية في سباق عسكري تزداد وتيرته بشكل متسارع. وبينما تسعى الجزائر إلى الحصول على مقاتلات سوخوي SU-57، لتكون أول بلد إفريقي يحصل عليها من روسيا؛ فإن المغرب يعتزم الاعتماد على وساطة إسرائيلية لإقناع الولايات واشنطن ببيع مقاتلات F-35 لتعزيز ترسانته العسكرية الجوية. وبينما تركز التدريبات العسكرية للأسد الأفريقي بالأساس على اختراق الدفاع الجوي لدى عدو افتراضي مزود بمنظومة (إس-400) الروسية؛ فقد نشرت الجزائر، في يناير الماضي، لأول مرة هذه المنظومة، وهي ثالث دولة تقوم بنشرها بعد كل من الصين وتركيا، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة، ودفعها إلى الموافقة على تزويد المغرب بمنظومة صواريخ باتريوت. لذلك، فإن الإصرار الجزائري، وتمسكها بمنظومة إس 400، يشي باحتمال تصاعد حدة الموقف في المستقبل، سواء عبر تعميق التدريبات، أو توسيع نطاق تسليح المغرب.

3- التصعيد العسكري لجبهة البوليساريو داخل الصحراء: حيث تأتي هذه المناورات في وقت تهدد فيه البوليساريو بشن هجمات في مدن الصحراء، كما لوحت باللجوء إلى الإرهاب لضرب مواقع داخل المغرب. وقد أكدت تقارير رصد دولية أن السلطات الجزائرية عرضت “بشكل غير رسمي” مع موسكو، في نهاية مارس الماضي بالجزائر العاصمة، خلال لقاء جمع بين السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الجزائري، وديمتري شوغاييف المسؤول المكلف بالتعاون العسكري والفني في روسيا، تدريب العشرات من عناصر جبهة البوليساريو من أجل تمكينها من تعلم تقنيات الحرب والرد على الطائرات بدون طيار التي تستخدمها القوات المسلحة المغربية في العمليات العسكرية ضد توغلات البوليساريو في الصحراء.

4- تنامي حدة التنافس الروسي-الأمريكي: حيث تستعد الجزائر لإجراء مناورات عسكرية مُشتركة مع روسيا، على الحدود الشرقية للمغرب في نوفمبر من العام 2022 في قاعدة حماقير بالجزائر. وبلا شك فإن مشاركة روسيا في المناورات، قرب الحدود المغربية، محاولة لإقحام روسيا، مما يشير إلى تصاعد التنافس الأمريكي-الروسي في المنطقة، ففي الوقت الذي تعمل فيه واشنطن على التعاون مع الرباط لإجراء مناورات الأسد الأفريقي، فإن موسكو ترد بالمقابل على تعزيز التعاون مع الجزائر بإجراء مناورات في نوفمبر المقبل.